من العلاقات السامية التي تؤثر تأثيراً مهمّاً في الحفاظ على الجانب الإنساني، هي تلك العلاقة التي تربط بين الوالد وولده، وهي علاقة يجتمع فيها العرف والطبع والشرع، مما يعجز الإنسان مهما بلغ من الكمال العقلي أن يصوغ مثلها في قوانينه الأرضية.
وبفعل الثقافات غير الإسلامية التي تغلغلت في مجتمعاتنا بعناوين الحضارة والانفتاح، صار أكثر الأبناء لا يدرك حقيقة وقدسية هذه العلاقة حتى يراها واقعاً يعيشه عندما يكبر ويكون والداً، فيبدأ بتدارك تقصيره في استثمار علاقته بوالديه، أو يعيش حالة الندم والحسرة إذا كانا قد فارقاه، ولات حين مندم.
أيّها الشاب اليافع، إذا كنت تعدّ نفسك إنساناً عاديّاً كبقيّة الناس حولك، فأنت في نظر والديك إنسان خاص، بل أفضل وأنفع من كلّ إنسان غيرك، بدليل أنّهما لو كانا ينظران إليك كعامة الناس لما بذلا وحرصا بكلّ ما عندهما من أجل إسعادك، وليس شيء في حياة الإنسان إلّا ويهتف بجزائهما وبرّهما ولو بعنوان شكرهما على ما اقتطعا من سنين حياتهما وفرشاه أمام طريقك.
فالبرّ للوالدين من أسمى ما قام به الإنسان الكامل على مرّ التأريخ، فالأنبياء والأصفياء لم يتركوا هذا البرّ، والملوك، وذوي المنازل الراقية، والعقلاء، كلّهم كانوا مدركين لضرورة هذا الوفاء لتضحيات الوالدين، فخير لك -بني- أن تدركه منذ اليوم، فربّما فاتك التدارك في الغد، أو حِيل بينك وبينه الفراق الأبدي.
تتغيّر حياة الشاب والشابة بتغيّر الظروف والأعمار، فتتبدل الاهتمامات والاتجاهات وطريقة التعامل مع الحياة، وقد يحدث نتيجة هذا التغيّر نظرته لوالديه، وما يقدمان له من العون الحرص التربوي والاجتماعي، فيرى من جانبه بينه وبينهما حاجزاً قليل الشفافية، وهذا لا يدركه الشاب طبعاً بقدر ما يدركه قلب الوالد وبصيرته وطبيعته الإنسانية، وإنّ حديث أنفس وأرواح الآباء تجاه أبنائهم لا يخطئ، مهما عارضته فلسفات العقول وحججها وبراهينها؛ لأنّه قلب الأب والأُمّ يا ولدي.
بني، إنّ البرّ دليل على صفاء الروح ورقيّها، وكمال النفس ورقيّها، ومن علامات المروءة الناضج، وسمات حياة القلوب، والإنسان البار بوالديه يكون مقبولاً بين جميع الناس، حتى السيئين، فما تجد أحداً برّاً بوالديه إلّا موفّقاً في عمله، محبوباً من الناس، يقبلون عليه بكلّ احترام وتقدير، ويجتهدون في خدمته وإكرامه.
تبادل البرّ
بني، إنّ برّ الولد بالوالد هو ردة فهل بدافع إنساني لبرّ الوالد بالولد، وجزاء وشكر له على ذلك، تفكّر في ذلك -بني- فإن والداك من أبرّ الناس بك، يغدقان عليك حبّاً وإشفاقاً، ونصحاً وإرشاداً، وهذا من أعظم فضل الله عليّ وعليهم ونعمه.
بني، إنّ حبّ الوالدين وإشفاقهم ونصحهم ليس كحب ونصح أحد غيرهما، فهو محاط بالصدق والفرح والرغبة الشديدة في أن تكون أفضل وأنجح وأسعد منهما في حياتك، لا يفترون عن الدعاء في الليل والنهار، ليمكنهم الله تعالى أن يرسموا لك المعالم الضروريّة لمستقبلك، وبناء شخصيّتك بشكل سليم، بعيد عن السلبيّات التي قد تنحرف بصاحبها عن سواء السبيل.
ـ إنّ أكثر الناس يعتدّون بعقولهم إلى درجة العجب بالنفس والغرور، والاستهانة بعقول الآخرين وأفكارهم، والزهد في استشارتهم، وبخاصّة في علاقتهم بوالديهم، فاحذر أن تكون منهم.
ـ أترضى أن تتّسم شخصيّتك بالتسرّع والبعد عن الحلم والرويّة؟ فإذا لم ترتضَ ذلك فدقّق في مواقفك وردود فعلك، ولا يكن من خلقك التبرير والتماس الأعذار لمواقفك وأخطائك أمام والديك.
ـ لا يعكّر صفو شخصيّتك أن تستأذن والديك، فإنّك لن تعدم منهما خبرة في الحياة وحكمة، ونصحاً ودعاءً، ولا يعكّر صفو شخصيّتك أن تشاور .. وأن تسمع رأي والدك، ومن هو أكبر منك، وتتفهّم وجهة نظره .. ولا يعكّر صفو شخصيّتك أن تستنير بآراء الآخرين، وخبرتهم في الحياة .
إنّ العقلاء والحكماء يا بنيّ يجمعون على أنّ المشورة دليل على عقل الإنسان ورزانته، وبصيرته وبعد نظره .. وأسأل الله تعالى أن لا أعدم فيك نجيباً لبيباً، وقرّة عين أريباً .. والله يتولّى توفيقك وإسعادك.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (69)