قال تعالى: (والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُن ٍ.....)
الصفة الثانية عشر الخاصة لهؤلاء المؤمنين الحقيقيين والتي ذكرت في سورة الفرقان، هي توجّه المؤمنين الخاص إلى تربية أبنائهم وعوائلهم، وإيمانهم بمسؤوليتهم العظيمة إزاء هؤلاء (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين).
وبديهي أن معنى هذه الآية ليس أن يقبعوا في زاوية ويتضرعوا بالدعاء، بل إن الدعاء دليل شوقهم وعشقهم الداخلي لهذا الأمر، ورمز جدهم واجتهادهم، فيجب على المؤمنين أن لا يقصّروا في بذل ما لديهم من طاقة وقدرة في تربية أبنائهم وأزواجهم، وتعريفهم بأصول وفروع الإسلام، وسبل الحق والعدالة، ولكن في ما لا تصل إليه قدرتهم وطاقتهم، فإنهم يدعون الله تعالى، ويسألونه التوفيق بلطفه، فالدعاء الصحيح من حيث الأصل، ينبغي أن يكون هكذا: السعي بمقدار الاستطاعة، والدعاء خارج حد الاستطاعة[1].
وينبغي الالتفات إلى أن الذرية لا تأتي إلا بعد الزواج؛ لذلك جاء الدعاء للأزواج، ثم للذرية، قال الراغب في المفردات: قرّت عينه تقرّ، سُرَّت، قال تعالى: (كي تقر عينها)، وقيل لمن يُسَرّ به: قرة عين، قال: (قرة عين لي ولك)، وقوله تعالى: (هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين).
معنى قرة العين:
قيل: أصله من القَرّ أي البرد فقَرّت عينُه قيل: معناه بردت فصحت، وقيل: بل لأنّ للسرور دمعة باردة قارة، وللحزن دمعة حارة، ولذلك يقال فيمن يدعى عليه: أسخن الله عينه، لذا فـ (قرة عين) بمعنى الشيء الذي يسبب برودة عين الإنسان، يعني أن دمعة الشوق تنسكب من عينيه، وهذه كناية جميلة عن السرور والفرح، وقيل: هو من القرار والمعنى أعطاه الله ما يسكن به عينه فلا تطمح إلى غيره[2]، فإذا كانت عنده زوجة اجتمعت له فيها أمانيه من جمال وعفة ونظر وحوطة أو كانت عنده ذرية محافظون على الطاعة معاونون له على وظائف الدين والدنيا، لم يلتفت إلى زوج أحد ولا إلى ولده، فتسكن عينه عن الملاحظة، فذلك حينئذ قرة العين وسكون النفس..
ومرادهم بكون أزواجهم وذرياتهم قرة أعين لهم أن يسروهم بطاعة الله والتجنب عن معصيته فلا حاجة لهم في غير ذلك، وهم أهل حق لا يتبعون الهوى.
تعليم وتربية العائلة:
مسألة تربية الأبناء وإرشاد الزوجات، ومسؤولية الآباء والأمهات إزاء أطفالهم من أهم المسائل التي أكد عليها القرآن في ضمن جملة من الآيات الشريفة، فإنه من الواضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عامة على جميع الناس ولا تخص بعضا دون آخر، غير أن مسؤولية الإنسان تجاه زوجته وأبنائه آكد من غيرها وأشد إلزاما، كما يتجلى ذلك بشكل واضح من الروايات الواردة في مصادر عديدة، وكذلك الآيات التي تدعو الإنسان لأن يبذل أقصى جهده لتربية أهله وتعليمهم، ونهيهم عن ارتكاب الذنوب وحثّهم على اكتساب الخيرات، ولا ينبغي عليه أن يقنع ويكتفي بتوفير الغذاء الجسمي لهم.
وبما أن المجتمع عبارة عن عدد معين من وحدات صغيرة تدعى " العائلة " فإن الاهتمام بالعائلة وتربيتها تربية إسلامية صحيحة سيجعل أمر إصلاح المجتمع أسهل وأيسر.
وتبرز هذه المسؤولية أكثر وتكتسب أهمية خاصة في العصر الراهن، حيث تجتاح المجتمع موجات من الفساد والضلال الخطرة، وتحتاج إلى وضع برنامج دقيق ومدروس لتربية العائلة لمواجهة هذه الموجات دون التأثر بها والانجراف مع تيارها، فنار الآخرة ليست هي النار الوحيدة التي يكون مصدرها الإنسان نفسه ومن داخله، بل نار الدنيا هي الأخرى تستمد وجودها من هذا الإنسان، لهذا يجب على كل إنسان أن يقي نفسه وعائلته من هذه النار[3].
جاء في الحديث أن أحد الصحابة سأل النبي بعد نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)[4]: (كيف أقي أهلي ونفسي من نار جهنم؟ فأجابه (صلى الله عليه وآله): " تأمرهم بما أمر الله، وتنهاهم عما نهاهم الله، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك "[5].
وفي حديث آخر جامِعٍ ولطيف عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "[6].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم"[7].
الاهتمام بالعائلة بالمستوى المعقول:
قد يهتم الإنسان بتربية عائلته والمحافظة عليها، بحيث تأخذ الكثير من اهتمامه، ومن مالهِ.. ولكن هناك رواية تقول بأن هذا الاهتمام يجب أن يكون بالمستوى الطبيعي، لا أكثر حيث يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تجعلنَّ أكثر شغلك بأهلك وولدك.. فإن يكن أهلك وولدك أولياء الله؛ فإن الله لا يضيع أولياءه.. وإن يكونوا أعداء الله؛ فما همّك وشغلك بأعداء الله)[8].
مجلة بيوت المتقين العدد (25)