جاء الزواج في الإسلام كأسمى نظامٍ وتشريع يحفظ للإنسان كرامته، ويصونه ويميِّزه عن سائر المخلوقات الأخرى. ولقد دعا الإسلام الحنيف في هذا النظام الذي تقوم عليه الأسرة الرجل المقبل على الزواج، أن يقدِّم لزوجته صداقاً بعنوان مِنْحة، تقديراً وتعبيراً عن الرغبة في تكوين الرباط المقدس. ولو أن الناس التزموا بآداب وتوجيهات أهل بيت النبوة (عليهم السلام) في الزواج، لما كانت هناك عُنُوسة متزايدة، ولما كان هناك شباب مُنحَل، وانحراف عن آداب الإسلام وتعاليمه. وكذلك ما تفكَّكت الأُسَر، وتضعضعَتْ أركانُها، وضعفت أُسُسُها إلى هذا الحد المؤسف، الذي بات يُنذر بالعواقب الوخيمة، ويهدِّد مصير الأسر المسلمة.
تَحَدِّيان خطيران:
إن التقدم التكنولوجي والحضاري الذي غيَّر أساليب المعيشة في أكثر البقاع في العالم، وجعل الوسائل الحديثة تزيِّن كل شارع ومدينة، وتجمِّل كل بيت ومنزل، حمل معه تحدِّيَين في غاية الخطورة، وخاصة في المجتمعات الإسلامية:
التحدِّي الأول: تَعَقُّد الحياة الاجتماعية، وحصول عدد من المصاعب والعَقَبات في أسلوب حياة الأفراد وعملهم، مِمَّا أدَّى إلى ازدياد حالات العنوسة، وإضراب الشباب المسلم عن الزواج، أو تأخيره إلى سنوات طويلة.
التحدي الثاني: المفاسد الاجتماعية، وظاهرة التحلُّل الأخلاقي، والتي تتصاعد يوماً بعد آخر، وأصبحت تهدِّد مستقبل الأُسَر المسلمة وتماسُكِها المعهود.
الزواج استجابة للفطرة الإنسانية: الزواج في الإسلام استجابة للفطرة الإنسانية، حيث يحمل المسلم في نفسه أمانة المسؤولية الكبرى تجاه من له في عنقه حق التربية والرعاية. ولا بُدَّ قبل التعرض إلى نقطة الهدف التي ننشدها في هذا الموضوع، وهي ضرورة عدم تأخير الزواج بإزالة كل الأسباب والعقبات التي تقف أمامه، وذلك بتوضيح ما للزواج من فوائد عامّة، ومصالح اجتماعية. نذكر أبرز تلك الفوائد والمصالح فيما يلي:
الأولى: الحفاظ على النوع الإنساني، إذ به يتكاثر ويستمر النسل الإنساني إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الثانية: المحافظة على الأنساب.
الثالثة: سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي، حيث لا يخفى على كل ذي لُبٍّ وإدراك، أنَّ غريزة الجنس حين تُشبع بالزواج المشروع، يتحلَّى أفراد المجتمع بأفضل الآداب، وأحسن الأخلاق، وأفضل ما يبيِّن هذا الأمر حَثُّ الرسولِ (صلى الله عليه وآله) على الزواج في العديد من الأحاديث الشريفة، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا جاءكم منْ ترضون دينه وأمانته يخطب إليكم فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)[1] وقال (صلى الله عليه وآله): (ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً، لعلَّ الله أن يرزقه نسمة، تثقل الأرض بلا إله إلا الله)[2]. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): تزوجوا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من أحبَّ أن يتبع سنتي فإنَّ من سنتي التزويج)[3].
الرابعة: سلامة المجتمع من الأمراض، إذ إنَّ الزواج الشرعي يبعد الشباب عن الوقوع في الزنا، ويَحُول دون شيوع الفاحشة، وهذا من شأنه أن يكون سبباً إلى أمراض شَتَّى، منها مرض الزهري، وداء السيلان، وغيرها.
الخامسة: في الزواج سكن روحي ونفسي، به تنمو روح الموَدَّة والرحمة، وينسى الزوج ما يكابده من عناءٍ في نهاره حين يجتمع بأفراد أسرته، وهُم بالمقابل يَحِنُّون إليه ويأنسون به، وصَدَق الله إذ يُصوِّر هذا الوضع بقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[4].
السادسة: في الزواج تعاون الجنسين في بناء الأسرة، وتربية الأولاد.