الأئمة (عليهم السلام) نور الله عز وجل

1 - عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (فَآمِنُوا بِالله ورَسُولِه والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا)، فَقَالَ: (يَا أَبَا خَالِدٍ النُّورُ والله الأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وهُمْ والله نُورُ الله الَّذِي أَنْزَلَ وهُمْ والله نُورُ الله فِي السَّمَاوَاتِ وفِي الأَرْضِ والله يَا أَبَا خَالِدٍ لَنُورُ الإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ وهُمْ والله يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ ويَحْجُبُ الله عَزَّ وجَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلِمُ قُلُوبُهُمْ والله يَا أَبَا خَالِدٍ لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ ويَتَوَلَّانَا حَتَّى يُطَهِّرَ الله قَلْبَه ولَا يُطَهِّرُ الله قَلْبَ عَبْدٍ حَتَّى يُسَلِّمَ لَنَا ويَكُونَ سِلْماً لَنَا فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَه الله مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ وآمَنَه مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَكْبَرِ)[1].

الشرح:

قال (عليه السلام): (النُّورُ والله الأَئِمَّةُ آلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وهُمْ والله نُورُ الله الَّذِي أَنْزَلَ وهُمْ والله نُورُ الله فِي السَّمَاوَاتِ وفِي الأَرْضِ)، إطلاق النور عليهم من باب الاستعارة باعتبار الاهتداء بهم إلى المقاصد الحقيقيّة في سلوك سبيل الله وكما أنّهم أنوار في الدُّنيا بنورهم يهتدي الناس إلى سبيل الحقِّ كذلك أنوار في الآخرة بنورهم يمضون على الصراط ويهتدون إلى سبيل الجنّة.

ثم قال (عليه السلام): (أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ)، زيادة هذا النور على نور الشمس ظاهرة لأنَّ بنور الشمس ينكشف عالم المبصرات وبهذا النور ينكشف عالم المجرَّدات والمادِّيات كلّها، ولأنَّ عالم القلوب وظلمته أوسع وأشدُّ من عالم الظاهر، وظلمته، والنسبة بينهما كالنسبة بين الباصرة والبصيرة، بل بين الدُّنيا والآخرة، فالنور الرَّافع لظلمة الأوَّل أشدُّ وأقوى من النور الرَّافع لظلمة الثاني.

ثم قال (عليه السلام): (يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ)، وذلك التنوير للقلوب لا يأخذ أثره إلا بإتباعهم والسير على نهجهم والتبري من أعدائهم وبذلك يخرج المؤمن من ظلمات الشيطان ويدخل في نور الرحمن، وليس هذا التنوير على نحو واحد شدَّةً وضعفاً، بل متوقف بحسب تفاوت مرآة القلوب في الجلاء وأدنى مراتب الضعف ما يوجب زواله الدُّخول في زمرة الشياطين، وأقوى مراتب الشدَّة ما يوجب كمال التشبّه بالأئمّة الطاهرين.

ثم قال (عليه السلام): (ويَحْجُبُ الله عَزَّ وجَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلِمُ قُلُوبُهُمْ)، أي ويحجب الله تعالى نورهم عمّن يشاء من عباده لإبطال استعداده الفطريّ وكماله الأصلي فتظلم قلوبهم وتعمى بصيرتهم فيتّبعون نداء الشيطان ويسعون في هاوية الخذلان إلى أن يدخلوا جهنّم وبئس المصير.

ثم قال (عليه السلام): (لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ ويَتَوَلَّانَا حَتَّى يُطَهِّرَ الله قَلْبَه)، ويتم التطهير بالابتعاد عن الأخباث وعدم إتباع وتبني العقائد الفاسدة.

وقوله (عليه السلام): (حَتَّى يُسَلِّمَ لَنَا)، التسليم لهم هو متابعتهم في العقائد والأعمال والأقوال وقبول جميع ذلك وإن لم تظهر له الحكمة، والظاهر أنَّ التطهير والتسليم والسلم من توابع المحبّة دون العكس وإن كان (حَتَّى) تحتمل الأمرين.

ثم قال (عليه السلام): (ويَكُونَ سِلْماً لَنَا)، السلم بكسر السين وفتحها، وهما لغتان في الصلح يذكّر ويؤنّث وقال الخطّابي: السلم بفتح السين واللاّم: الاستسلام وهو الإذعان والانقياد كقوله تعالى: (وألقوا إليكم السلم) أي الانقياد وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع، يقال: رجل سلم ورجلان سلم وقوم سلم، قال الجوهري: السلم يعني بكسر السين وسكون اللام السالم يعني ترك الحرب يقال: أنا سلم لمن سالمني، وهذه المعاني قريبة من التسليم فالعطف للتفسير.

وقوله (عليه السلام): (سَلَّمَه الله مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ وآمَنَه مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَكْبَرِ)، فإذا صدق في إتباعهم (عليه السلام) وتصديقهم سلم من شديد الحساب وإمن من الفزع يوم القيامة، وهذه المرتبة لا ينالها إلا شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ويفهم منه أنّه يجري عليهم أصل الحساب وليس ببعيد، ثم إن إضافة كلمة (شَدِيدِ) إلى (الْحِسَابِ) للبيان لانَّ حساب القيامة كلّه شديد.

 

2- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) قَالَ سَأَلْتُه عَنْ قَوْلِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ الله بِأَفْواهِهِمْ)، قَالَ: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِأَفْوَاهِهِمْ) قُلْتُ قَوْلُه تَعَالَى: (والله مُتِمُّ نُورِه)، قَالَ: (يَقُولُ والله مُتِمُّ الإِمَامَةِ والإِمَامَةُ هِيَ النُّورُ وذَلِكَ قَوْلُه عَزَّ وجَلَّ: (فَآمِنُوا بِالله ورَسُولِه والنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا)، قَالَ النُّورُ هُوَ الإِمَامُ) [2].

الشرح:

قال (عليه السلام): (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِأَفْوَاهِهِمْ)، تشبيه الولاية بالسراج استعارة مكنيّة ونسبة الإطفاء إليها تخييليّة وذكر الأفواه ترشيح وأمّا في الآية فالاستعارة تحقيقيّة وإطفاؤها بما كانوا يقولون من الأقاويل الكاذبة الدَّالة على وجود النصِّ عليها وغير ذلك من المفتريات.

وقوله (عليه السلام): (والله مُتِمُّ الإِمَامَةِ)، إتمامها انتشارها في قلوب المؤمنين أو زيادة كمالها.

 

3- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِإِسْنَادِه عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ اللَه تَعَالَى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَه مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ)، إِلَى قَوْلِه: (واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَه أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، قَالَ: النُّورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ـ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ والأَئِمَّةُ (عليهم السلام)). [3].

4- عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: (الله نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ مَثَلُ نُورِه كَمِشْكاةٍ)، فَاطِمَةُ (عليها السلام) (فِيها مِصْباحٌ) الْحَسَنُ: (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) الْحُسَيْنُ: (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)، فَاطِمَةُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام): (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ)، لَا يَهُودِيَّةٍ ولَا نَصْرَانِيَّةٍ: (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) يَكَادُ الْعِلْمُ يَنْفَجِرُ بِهَا: (ولَوْ لَمْ تَمْسَسْه نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ)، إِمَامٌ مِنْهَا بَعْدَ إِمَامٍ: (يَهْدِي الله لِنُورِه مَنْ يَشاءُ)، يَهْدِي الله لِلأَئِمَّةِ مَنْ يَشَاءُ... ثم قال (عليه السلام): (ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ الله لَه نُوراً )، إِمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ(عليها السلام): (فَما لَه مِنْ نُورٍ)، إِمَامٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وقَالَ فِي قَوْلِه: (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ)، أَئِمَّةُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَسْعَى بَيْنَ يَدَيِ الْمُؤْمِنِينَ وبِأَيْمَانِهِمْ حَتَّى يُنْزِلُوهُمْ مَنَازِلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ) [4].

الشرح:

قال الله تعالى: (الله نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ)، أي الله هادي أهل السماوات والأرض فهم بنوره يهتدون أو منوِّرهما باطناً بالنفوس القدسيّة والعقول بإدراكها العلوم والحقائق الربانية على تفاوت درجاتهم، كما أنّه منوِّرهما ظاهراً بالأجرام النوريّة، أو منوِّر قلوب المؤمنين وبنورهم أنار السماوات والأرض.

وقوله تعالى: (مَثَلُ نُورِه كَمِشْكاةٍ) أي صفة نوره كصفة مشكاة، والمشكاة: الكوَّة الّتي ليست بنافذة، وقيل: هي أُنبوبة في وسط القنديل يوضع فيها المصباح وهو السراج والفتيلة المشتعلة والمراد بها هنا فاطمة (عليها السلام) لأنّها محلٌّ لنور الأئمة، والأئمّة نور وسراج لأنَّ الطالبين للهداية المتّبعين لأثرهم، يستضيئون بنور هدايتهم وضياء علومهم إلى الطريق الأرشد كما يهتدي السالكون في الظلمة بالنور والسراج، قيل: إضافة النور إلى ضميره تعالى دليل على أنَّ إطلاقه عليه ليس على ظاهره.

وقوله تعالى: (فِيها مِصْباحٌ)، أي سراج وهو الحسن (عليه السلام) (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ)، أي قنديل مثل الزُّجاجة في الصفاء والشفّافيّة وهو الحسين (عليه السلام) فقد شبّه فاطمة (عليها السلام) تارة بالمشكاة وتارة بالزجاجة، وبالاعتبار الثاني جعلها ظرفاً لنور الحسين (عليه السلام) لزيادة ظهور نوره باعتبار كون سائر الأئمّة من صلبه (عليه السلام).

وقوله تعالى: (الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)، وهنا المشابهة بالدُّرِّ باعتبار به الضياء والصفاء والتلألؤ، هذا إن كان بشدِّ الرَّاء والياء وإن كان بشدِّ الياء فقطّ فهو من الدَّرء بمعنى الدَّفع قُلبت همزته ياء واُدغمت الياء في الياء فإنّه يدفع الظلام بضوئه ولمعانه، والمراد بها فاطمة (عليها السلام) فإنّها كوكب دريٌّ مضيء لامع نورانّي فيما بين نساء أهل الدُّنيا.

وقوله تعالى: (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) أي يوقد ذلك المصباح من شجرة مباركة زيتونة كثير النفع وهي كإبراهيم (عليه السلام) فإنّه ذو بركة عظيمة ونفع كثير لوجود الأنبياء والأوصياء من نسله.

وقوله تعالى: (زَيْتُونَةٍ)، بدل عن شجرة لا صفة لها ولذلك فصلها عنها وقرنها بصفتها وإنّما عبّر عنها بالزَّيتونة للتنبيه على كثرة نفعها واتّصافها بالعلم الّذي هو كالزَّيت في كونه مادّة لضيائها ومبدءاً لنورانيّتها.

وقوله تعالى: (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) ضمير التأنيث يعود إلى فاطمة (عليها السلام) والمراد بالزَّيت العلم على سبيل الاستعارة والتشبيه ومسُّ النار ترشيح يعني يكاد علمها يتفجّر من قلبها الطاهر إلى قلوب المؤمنين والمؤمنات بنفسه قبل أن تُسأل لكثرته وغزارته وفرط ضيائه ولمعانه.

وقوله تعالى: (يَهْدِي الله لِنُورِه مَنْ يَشاءُ)، أي يهدي لولايتهم مَن يشاء. (ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ الله لَه نُوراً)، أي لم يتبع الأئمة (عليهم السلام) من وُلْدِ فَاطِمَةَ (عليها السلام): (فَما لَه مِنْ نُورٍ)، أي إِمَامٍ عادل وإن كان له إمام جائر يقدّمه إلى النار.

وقوله تعالى: (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ)، وذلك بإتباعهم وإيمانهم بنور بالأئمة (عليهم السلام) وبذلك يدخلون الجنة وينزلون فيها مستقرين بالنعيم الدائم.

مجلة بيوت المتقين العدد (48 - 49)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج ١، ص ١٩٤.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج ١، ص ١٩6.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج ١، ص ١٩4.

[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج ١، ص ١٩5.