حجاب وعفة

ترى البعض من بنات حوّاء عدم وجود فرقٍ بين الحجاب والعفاف، وكلاهما في نظرها عبارة عن معنى واحد عُبّر عنه بلفظين مختلفين، ولسان حالها يقول: عفتي هي حجابي، وحجابي هو عفتي، فكأنما هي ارتدت زِيَّ العفة التامة بارتدائها ذلك الحجاب، فهي لا تحتاج أكثر من ذلك، بل وقد أدت ما عليها من تكليف من جهة الحجاب والعفاف.

  لكن البعض الآخر لا ترى هذا الأمر، بل ترى العفة غير الحجاب، وكلاهما مفهومان متغايران، لا ينطبق أحدهما على الآخر، فترى هذه الرؤية: أن المرأة لا يعني أنها تعفّفت عند ارتدائها لقطعة الحجاب، فكم من محجبة لم نرَ عليها سيماء العفيفات، بسبب الألوان الصارخة فيه، وطريقة لفة الحجاب، وسنام الجمل الذي وضعته خلف الرأس، فهي محجبة لكنها ليست بعفيفة، وهي رؤية صحيحةٌ كما سيأتي إن شاء لله تعالى.

  وفي الحقيقة إننا لو رجعنا إلى تعريف (الحجاب والعفة) لوصلنا إلى النتيجة الصحيحة واتضح المقصود، فالمراد من الحجاب: كما عن الرسائل العملية للفقهاء -أيدهم لله تعالى- هو (سترُ الرأسِ والجِسمِ ما عَدَا الوَجْهِ والكَفّين)، وأَما العِفَّةُ: فهي (الامتناعُ والترفّع عمّا لا يحل أو لا يَجمُل، من شهوات البطن والجنس، والتحرّر من استرقاقها المُذِل)[1].

فيتضح لنا من تعريف الحجاب والعفّة أن أحدهما غير الآخر، فالحجاب هو اللباس الذي يرتبط بالأعضاء الخارجية لبدن المرأة إن صحَّ التعبير، وأما العفّةُ فهي ما ترتبط بداخل الإنسان وجوانحه.

وبالتأكيد أن كليهما مما تحتاجهما المرأة حاجةً شرعيةً، لأن الحجاب واجبٌ ومفروضٌ على المرأة عند بلوغها تسع سنوات هلالية ودخولها في العاشرة كما هو معروف، فهو لا غنى عنه أبداً، ولكنَّ ذلك الحجاب لا يكتمل شرعاً حتى يتمَّم بعامل العفّة، والاجتناب عن كل ما لا يحل للمرأة فيه، كي تكتمل صورة الحجاب الشرعي لديها.

   فالزينة في الحجاب مثلاً والتي توجب لفت النظر والانتباه من قبل الرجال تجاهها هي ممنوعةٌ ومحرمةٌ، ولا تنسجم مع الحجاب الإسلامي الكامل، لأنَّ الغاية والهدف من الحجاب لم تتحقق بعدُ.

  وكذلك إظهار مفاتن الوجه والجسم الذي من شأنه إيقاع الغير في الحرام، والتسبب فيه هو الآخر الذي لا يحقّق الهدف من تشريع الحجاب.

  وبالنتيجة: أن المرأة لا تستكمل مفهوم الحجاب الصحيح حتى تجمع بين الستر الظاهري والباطني.

غياب القدوة:

  إن السبب في تشوّه بعض المفاهيم هو غياب القدوة النسوية الحسنة عن حياة نساء اليوم، وهو أمر راجع إلى غفلة هذه الأُمّة وكُتّابِها ومُدوّني التأريخ الإسلامي الذين أَغمضوا العينَ عن كثيرٍ من القُدُوات الإلهيات، اللَّواتي لو عُرضت سيرتُهن على نسائِنا وبناتِنا اليومَ لكان الحال يختلف عمّا نحن فيه الآن، لأَن غياب القدوة الحسنة سيفتح المجال للنموذج السيء أن يحلَّ محلَّ القدوة الحسنة لا مُحالة، وهذا ما لمسناه في نوادي المرأة ومنظماتِها، فإنها خلت من ذكر تلك النماذج الطاهرة ومن ذِكر سِيَرهِنَّ، مِمَّا كانت النتيجةُ هي انحسار حتّى الحجاب الإسلامي من تلك التجمّعات النسوية، وحَلّت مفاهيمُ الثَّقافاتُ الأُخرى محلَّ ثقافتِنا الإِسلامية الأَصيلة.

  وعلى أيِّ حالٍ فإنّه يُمكنُنا أن نذكرَ بعض الآثار الإيجابية التي تتركها القدوةُ الحسنة على حياة المرأة، وهي:

1- تَعميقُ وتأصيلُ البُعدِ العقائدي في حياة المرأةِ المسلمة، وجَعله جُزءاً لا يتجزأُ في السلوك والعمل، إذ من المعروف أَنّ العقائد الإِسلامية ما لمْ تجدْ منْ يخرجُها من حيّز الكتب والأَوراق والأَبحاث، فإنّها تظلُ حِبراً على وَرَق، وتعيشُ في عالم النظريات والدراسات فحسب، فيأتي الدورُ المُهمّ للقدوة الحسنة التي تُترجم لنا تلك العقائد الإِسلامية عَملياً، وتُخرجها من الحيّز النظري إلى التطبيقي، فتَصبح القدوة الحسنة إشعاعاً منيراً لدرب المؤمنين، وتكون مثالاً حيّاً لكلٍّ من الرجل والمرأة، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التحريم/11، فهي بحقٍّ من أعالي قدوات المؤمنين، ذلك لأنّها رفضت حياة النعومة والترف من أجل الله تعالى، وتحملت المآسي والآلام من أجل عقيدتها وإيمانها اليقيني الذي لم يخامره شكٌ أبداً، وهذا قمة التجسيد العقائدي على مستوى السلوك والعمل.

2- تنوير المرأة بالآداب والأخلاق الإسلامية الفاضلة، وتزويدها بالفقاهة الإسلامية الصحيحة، إذْ من الواضح جداً أن قدوةً كالزهراء (عليها السلام) أو زينب (عليها السلام) قد خطّتا بسلوكهما طريقاً مستقيماً في الأَخلاق العالية والعفة الرصينة والفقاهة المحكمة، فهذه قصة الزهراء (عليها السلام) مع ذلك الأعمى التي احتجبت عنه مع كونه أَعمى، فسألها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن السبب؟ فتجيب: إنه يشمُّ الريح! أو قصّة العقيلة (عليها السلام) وخروجها لزيارة البقيع مع أبيها وأخوتها، أو قصّة جارها الذي لم يسمع لها صوتاً، ولم يُرَ لها شخصاً طيلة عقدين من الزمن! فهل تخلقت بناتنا بأخلاق تلك القدوات العظيمات؟

 


[1] أخلاق أهل البيت، السيد مهدي الصدر: ص:60.