السلام عليكم ورحمة الله وبركاته......
أمّا بعد فإنّني أوصي الشباب الأعزاء- الذين يعنيني من أمرهم ما يعنيني من أمر نفسي وأهلي - بثمان وصايا هي تمام السعادة في هذه الحياة وما بعدها، وهي خلاصة رسائل الله سبحانه إلى خلقه وعظة الحكماء والصالحين من عباده، وما أفضت إليه تجاربي وانتهى إليه علمي:
وإذا وجد المرء من نفسه في برهة من عنفوان شبابه ضعفاً في دينٍ مثل تثاقلٍ عن فريضةٍ أو رغبةٍ في ملذّةٍ فلا يقطعن ارتباطه بالله سبحانه وتعالى تماماً، فيصعّب على نفسه سبيل الرجعة، وليعلم أنّ الإنسان إذا تنكّر لأمر الله سبحانه في حالة الشعور بالقوّة والعافية اغتراراً بها فإنّه يؤوب إليه تعالى في مواطن العجز والضعف اضطراراً، فليتأمل حين عنفوانه ــ الذي لا يتجاوز مدّة محدودة ــ في ما هو مقبل عليه من مراحل الضعف والوهن والمرض والشيخوخة.
وإيّاه أن ينزلق إلى التشكيك في المبادئ الثابتة لتوجيه مشروعية ممارساته وسلوكه اقتفاءً لشبهات لم يصبر على متابعة البحث فيها، أو استرسالاً في الاعتماد على أفكارٍ غير ناضجة أو اغتراراً بملذّات هذه الحياة وزبرجها، أو امتعاضاً من استغلال بعضٍ لاسم الدين للمقاصد الشخصيّة، فإنّ الحق لا يقاس بالرجال بل يقاس الرجال بالحق.
عندما ينشأ الضعف الديني في القلوب فإنه يؤثر على الظواهر السلوكية والشكل الخارجي لأفعال الإنسان، ولابد من تشخيص هذا المرض القلبي لأن العلاج المناسب يتوقف على التشخيص الصحيح كما هو معروف.
يتمثل الضعف الديني بأمرين يعتبر كل منهما المحرّك والدافع للسلوك المرتبط به:
الأول: التكاسل والتثاقل عن أداء الفرائض، العبادية وغير العبادية، فالتواني في أداء الأعمال يعمل على ركون الإنسان الى قلة الإهتمام بتلك الأعمال، ثم يتحول الى فهم مقلوب لبعض المفاهيم الدينية، فمثلاً سعة وقت الصلاة، قد يترجمه المتكاسل الى استخفاف بالصلاة وقلة اهتمام بجانب الوقت، في حين هو مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية على العباد، وتيسير التكاليف حتى لا تكون لأحد حجّة في العصيان، ومقتضى الوفاء والشكر لهذه الرحمة المحافظة على أفضل أوقاتها. وقس على ذلك قضاء الصلاة والصوم، وصلة الرحم وقضاء حوائج المؤمنين، وغير ذلك من المفاهيم الإسلامية بمضامينها العالية.
الثاني: السعي لتحصيل الملذات الدنيوية والإنهماك في إشباعها، ولا يتصور أحد اننا نقصد السبل والطرائق المحرّمة فإن ذلك ليس من الضعف لديني بل هو ابتعاد عن الدين وخروج عن الطاعة. بل إن الكلام في الملذات التي أباحها الله لعباده رأفةً بهم، فإن المبالغة في الانقياد الى رغبات النفس يؤثر على قوّة الجانب الديني لدى المسلم، فجزءّ كبير من الدين متعلق بترك الدنيا وتجنب الانغماس المفرط في عطاياها وإن كانت من العطايا المحللة، قال تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}آل عمران آية 14
ولسنا ندعي أننا لا تعرض لنا مثل هذه الأمور، فإن كل إنسان في معرض الشهوات والرغبات النفسية {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } يوسف 53ولكن نريد أن نقول إذا شعر الإنسان بميل نفسه الى أمر يشك أنّه يضرّ آخرته ويحزن قلبه فعليه بالمبادرة الى ما يرجعه الى ساحة الرضا الإلهي، والى ما يربطه بالله تعالى، ولا يصعّب على نفسه هذه الرجعة وهذا الارتباط، ولا يشترط على نفسه ذلك الارتباط التام الكامل بحيث يستخفّ بالمراتب الأدنى منه، بل يعقد النية الصادقة على إدارة دفة النفس الى حيث يريد الله من الأمور الشرعية أو الأخلاقية، ويسعى لتحقيق مراتب القرب من الله تالى وتحصيل رضاه وأي مرتبة تتحقق من ذلك هو باب للمرتبة الأعلى والأكمل، وإذا ظهرت منه نية صادقة في ذلك فالله تعالى هو الذي يغدق عليه الرحمة بإعانته وتيسير سبيل الطاعة والانقياد ويشكره على ذلك.
نعم قد يتلوّن الشيطان في إغواء الشاب المؤمن بطرق معينة تتراءى من النظرة أنها مقنعة فينصبها فخّاً به يضعّف الإيمان والالتزام الديني، فمثلاً يترجم للشاب أن حرص الأب عليه هو شدّة وشكّ وعدم ثقة به، فيغويه بعقوق الوالدين كَرَدِّ فعل على هذه الصورة، وهذا أمر منتشر في مجتمعنا. وأحياناً يحتك الشاب المؤمن بمواقف غير صحيحة ممن اتخذ الدين ستراً وزيّاً يستر به أخطاءه، فيحدث الشيطان هذا الشاب بنقد الدين وتجنب من ادعاه، وهذه الحالة أيضاً لها نسبة من الانتشار في مجتمعنا.
ومن الخطأ الكبير الاستجابة لدعاوى الشيطان بمفردات قليلة على نحو المغالطة، ومواجهة هذه الشبهات الشيطانية هو تعيين الثوابت الدينية الاعتقادية الشرعية والأخلاقية، فإذا صدر ما يخالفها من أحد الناس فلا يعني أنها مخترقة أو مرددة ورخوة بل تعني أن الشخص قد أخطأ في سلوكه فلم يراع هذه الثوابت تماماً كما يخطأ الإنسان في النحو فإنه لا يعني أن القاعدة النحوية خطأ بل أخطأ ذلك الإنسان في تطبيقها.