س: هل التّشريع الإسلامي يراعي العدالة على وجهٍ يواكب العصر الحاضر، بحيث يضمن التساوي بين النّاس جميعاً بغض النّظر عن البلد والقوم والجنس والدّين وغيرها من الانتماءات المتعارفة، ويحترم الحرّية الشّخصية للأفراد؟
ج: التّشريع الإسلامي ينطلق من الرّشد، والعدل، والحكمة، والفضيلة، كمبادئ أساسية في بناء هذا التّشريع، كما يظهر من ملاحظة كثرة التّركيز والتّوصية بهذا المفردات وما يقاربها، ويندرج فيها كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[1]، ويمكن إجمال الإجابة عن سؤالنا في هذا العدد بالنقاط الآية:
1- الحرّية الشخصية للأشخاص -مثلاً-، هي مبدأ يستوجب الاحترام، لكن ينبغي أن توازن مع حقّ المجتمع في سلامة البيئة الأسرية والاجتماعية العامّة، من الناحية التربوية الملائمة مع عامّة الأصناف من الأطفال، والمراهقين، والرجال، والنساء جميعاً، فلا تصحّ المغالاة في الحرّية على حساب الاستحقاقات الكامنة للمجتمع.
2- إنّ التسوية العادلة بين الناس هي حقّ للجميع، لكنّها لا تقتضي التماثل التام بين الناس في كلّ شيء، بل تقتضي التعامل الملائم مع كلّ إنسان وفق خصائصه، وإناطة الدّور المناسب له في الحياة، كما إنّ تسوية الدولة بين الموظفين في الحقوق لا تعني ـ مثلاً ـ إعطائها راتباً واحداً لجميعهم، من غير ملاحظة طبيعة المؤهّلات والمواقع والأدوار، بل تعني تقدير كلّ امرئ بقدره، من دون تفاوت يرجع إلى العصبيّة والقوّة والأعراف الخاطئة، فإذا كان لدى الدولة موظفون، منهم أطباء، ومهندسون، وقضاة، وجنود، فإنّ التسوية العادلة والملائمة بينهم تقتضي إناطة الدور الملائم لكلّ منهم به حسب اختصاصه ومؤهلاته، وتقدير جهد كلّ منهم بما يلائم دوره، بعيداً عن الخصائص التي لا دخل لها، مثل الانتماءات القوميّة، والمكانيّة، ونحوها.
ولكن التسويّة الأُخرى بمعنى التعامل المماثل معهم، يعني: إناطة أدوار مماثلة بهم من غير أخذ اختلافهم في اختصاصاتهم بنظر الاعتبار، وهذا ما لا تفرضه العدالة طبعاً.
ولذلك من الضروري التدقيق في مقتضيات القيم الوجدانية، والتفطّن للعناصر الدخيلة فيها، دون التوسّع والاسترسال في تطبيقها من دون النظر إلى المقتضيات الحكيمة على وجه جامع[2].
مجلة اليقين العدد (59)