إن جامع گوهرشاد من الأبنية العظيمة والتاريخية الذي تم بناؤه في العهد التيموري بداية القرن التاسع الهجري، وهو من بين المساجد الإسلاميّة التي نالت شرفاً خاصّاً بسبب مجاورته للحضرة الرضوية، حيث يقع هذا المسجد في مدينة مشهد بجوار قبر الإمام الرضا (عليه السلام) وهو أفخم مسجد في المنطقة المقدسة وأجملها بناءً وزخرفة، تم بناء الجامع عام 821 هـ- 1418م بأمر من الأميرة گوهرشاد بنت أمير الدين غياث من أمراء الجغتائي، زوجة شاهرخ تيموري، وقام المعمار الإيراني المعروف قوام الدين شيرازي ببنائه على طراز أبنية العهد التيموري.
يمكن أن يُعدّ هذا المسجد الواسع صحناً جنوبيّاً للحرم الرضويّ الشريف، واقعاً بين قبر الشيخ البهائي وصحن الإمام الخميني، ممتدّاً إلى 95 متراً طولاً و84 متراً عرضاً، يتّصل ضلعه الشماليّ عن طريق بابين رئيسيّين بدار الحفّاظ ودار السيادة، ومنهما يتّصل بالحرم المطهّر، ومن جهته الشرقيّة يحدّه صحن الإمام الخمينيّ، فيما يحدّه من جهته الغربيّة قبر الشيخ البهائي وصحن الجمهورية، ولهذا المسجد الشامخ صحنٌ واسع في وسطه يحتضن حوضاً مائيّاً كبيراً، ويقع على كلّ ضلع من أضلاعه الأربعة لهذا الصحن إيوان كبير جميل على طرفَيه إيوانان صغيران، كلّها تتّصل بالمساجد المسقوفة التابعة لمسجد گوهرشاد، أكبر هذه الأواوين وأجملها «إيوان المقصورة» الواقع في الضلع الجنوبيّ للمسجد، وهو بناء ضخم ارتفاعه 25 متراً، غُلِّف بالقاشانيّ الجميل، وعلى حافّته كُتبت آيات من القرآن الكريم بأحرف واضحة جميلة، يُفتح هذا الإيوان الجنوبيّ على أحد المساجد الجميلة.
وتعلو هذا المسجد قبّةٌ زرقاء كبيرة فوق إيوان المقصورة أعطت عظمة للبناء، ارتفاع القبة 41 متراً، وقطرها الداخلي يبلغ 15 متراً، وقد تعرّضت لقصف الجيش الروسي الغاشم سنة 1912م فأصابها ما أصابها، ثمّ عُمّرت عام 1960م، وهي تُرى اليوم شامخة بأشكالها المورّدة وعبارات التوحيد والنبوّة والولاية.
تقوم إلى جانب القبّة منارتان شامختان مكسوّتان بالرخام الأزرق، يبلغ ارتفاعهما 43 مترا، محراب المسجد مصنوع من حجر المرمر ومزيّن بنقوش جميلة تعبر عن فن العهد التيموري، ومدخل المسجد من جهة الصحن مكسوّ بالرخام الجميل الدقيق الصنع الذي كُتبت عليه أسماء الله الحسنى.
تم كتابة اسم السيدة گوهرشاد مشيدة الجامع على كاشي أصفر وبخط الثلث منصوب في الإيوان الشمالي.
منبر المسجد:
يضمّ مسجد گوهرشاد منبراً مصنوعاً بشكلٍ خاصّ، يُعرف بـ«منبر صاحب الزمان عجّل الله فرَجَه»، وهو موجود إلى جانب محراب إيوان المقصورة ويعتبر مهم جدا من الناحية التاريخية، حيث يُظنّ أنّه نُصِب في هذا المسجد قبل 300 سنة تقريباً.
وهذا المنبر الثمين مصنوع من الخشب المنبّت الفاخر بأربع عشرة درجة، حيث استخدم فيه خشب الجوز والعرموط وبطريقة الحفر وبدون الاستعانة بالمسامير، قام بصناعته الأستاذ محمد نجار خراساني النجار المعروف في زمن فتحعلى شاه قاجار، تم ترميم منبر صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في العام 1325 هجري شمسي على يد الأستاذ المرحوم حيدر نيكنام كلبايكاني.
براعة العمارة في الشكل واللون:
بُنيّ مدخل المسجد وفق النمط السمرقندي قوسٌ داخل قوس، بشكل سلسلة متوالية ذات حواف متعددة أعطته عمـقاً وقوة، المآذن ضخمـة وسميكـة وبشكل أبـراج ممتدة للأرض ملتصقة بالزوايا الخارجية لجدار مدخل المسجد حيث تم تبطين قاعدة جـدارها الداخلي بـرخام من المرمر مما أعطاها نوعاً من الصلابةً والاستحكـام الضـروري والمتوافق مع نسيجها اللوني المندفع، كما تم استخدام الآجر وقطع الفسيفساء والموزاييك من أجود الأنواع على كامل الواجهة الخارجية للمسجد.
النطاق اللوني لهذا البناء يشتمل غالباً على الأزرق الكوبالتي والفيروزي، الأبيض، الأخضر الفاقع، الأصفر، الزعفراني، الأرغواني والأسود البراق، هذا النسيج اللوني وترنحه أعطى البناء طابعاً خاصاً متعدد الظلال.
تم إنجاز كل هذا باستخدام أنماط وزخارف مليئة بالأزهار والقيشاني بالإضافة لاستخدام الآجر وفق أشكال هندسية، كالممرات والأروقة والقناطير المتتالية والتجاويف العميقة وبشكل خاص باستخدام أسلوب التضاد والتباين.
إن الكاشي (السيراميك) المستخدم في تزيين الجامع يعتبر من روائع العهد التيموري، النقوش المستعملة في الأقواس المقببة والمنائر هي من روائع العمارة التيمورية.
يعتبر هذا البناء نموذج بارز للفن الإيراني والذي استفادة من جميع خصائص الأبنية التراثية .
الإيوان الجنوبي للجامع باسم إيوان المقصورة مساحته 500 متر مربع ، 37 طول و25،5 ارتفاع يعتبر الأعظم في الجامع. جميع جدران الجامع مكسوة بالكاشي المعرق وجميع الغرف مزينة بأسماء الله والآيات القرآنية والأحاديث النبوية .
توجد كتيبة ممتازة وتاريخية بقلم بايسنقر (ابن گوهرشاد) وهو من أفضل الخطاطين التيموريين ومنصوبة في واجهة إيوان المقصورة ، في تلك الكتيبة ذكر تاريخ بناء الجامع.
قصة بناء المسجد:
گوهرشاد اسم ابنة الملك وكانت تملك من الأموال الشيء الكثير، وكانت هذه البنت غاية في التدين والإيمان، مع أن أساليب اللهو والترف ميسّرة إليها إضافة إلى جمالها الواضح.
وفي يوم من الأيام هجم قوم من الأعداء على أراضي مملكة الملك (والد گوهرشاد)، فخرج الملك مع جنوده وحاشيته للدفاع عن أراضيهم، وبعد مدة نفدت أموال بيت مال الدولة، فجاء رُسل الملك إلى گوهرشاد وأخبروها بحاجتهم الماسة إلى المال، وكان عندها عقد (قلادة) يقدر ثمنه بالملايين، فأعطتهم إياه ليبيعوه في السوق ويأخذوا ثمنه إلى أبيها الملك، ولكن قبل أن يرسلوا الأموال إليه جاء الخبر بأن الملك انتصر على أعدائه، فجاء رسل أبيها مرة ثانية وأرجعوا إليها الأموال، فقرّرت بأن تبني بهذه الأموال مسجداً بالقرب من حرم الإمام الرضا (عليه السلام) كنوع من الشكر لله عز وجل.
وعندما انتهوا من بناء المسجد العظيم، استدعوا بنت الملك لافتتاح المسجد، فأمرتهم بأن يخلوا المسجد من الرجال الأجانب، فخلّي المسجد من الرجال، ما عدا عامل كان يعمل هناك، فعندما دخلت گوهرشاد إلى المسجد - وهي لا تدري - رآها هذا العامل وأعجب بجمالها، فما أسرع أن وقع في حبها..
وعندما رجع العامل إلى منزله بادر إلى والدته وأخبرها بالأمر وطلب منها بأن تتقدم لخطبة بنت الملك إليه، رفضت في بادئ الأمر طلبه بشدة، ولكن مع مرور الأيام رأت ابنها ينحل أمام عينيها حتى وقع مريضاً من شدة حبه لها، مما اضطرها إلى أن تتقدم إلى البنت وتخبرها بالموضوع، فذهبت إليها وهي جالسة مع جواريها، فعندما أخبرتها بالموضوع ضحكت الجاريات من كلامها، إلا أن گوهرشاد بقيت على جديتها في الموضوع وقالت لها بأنها وافقت على الزواج من ابنها، فتعجبت المرأة من موافقتها، وفرحت بذلك كثيرا، ولكن قالت لها بأن لديها شرطا واحد فقط، وهو أن يصلي ابنها صلاة الليل ويداوم عليها لمدة أربعين ليلة فقط.
فذهبت الأم إلى ابنها وأخبرته بالموضوع وبالشرط، فنهض فرحاً موافقاً على شرطها، وفي الليلة الأولى كان يصلي ولكنه لا يصلي لوجه الله بل لوجه وجمال هذه البنت، واستمر على هذه الحال عدة ليالي، حتى بدأ يتذوق لذة مناجاة الله تعالى فتحولت نيته في الصلاة خالصة لوجه الله، فكأنما قد هداه الله إلى طريق قويم، فأصبح خاشعاً في صلاته لا يفكر في الصلاة إلا في ربه.
فانتهت أربعين ليلة وهو يصلي صلاة الليل، وفي الليلة الواحدة والأربعين لم ينقطع عن الصلاة، فأصبح مداوماً عليها في كل ليلة، فلاحظت گوهرشاد تأخر المرأة عن الأربعين ليلة فأرسلت في طلبها، وعندما سألتها عن السبب قالت بأن ابنها قد أزال حب بنت الملك من قلبه ووضع مكانه حب الله!!! فلم يعد يطلب الزواج من هذه البنت الجميلة ولم يعد يفكر في مصالحه الدنيوية، ففرحت گوهرشاد كثيراً بهذا الخبر وأحست بأنها نجحت في اختيار زوج يليق بتدينها وعفافها.
المصدر: بيوت المتقين (24) ـ شهر رمضان 1436هـ