من العجيب الغريب أن نسمع بعض الأصوات أحياناً تتكلّم علناً على الفضائيات والمحافل الدّينية؛ تلك التي تنكر وجود الإمام المهدي (عليه السلام) أنّه من خرافات الشّيعة، مع أنّ كتب الفرق الإسلامية كلّها تتحدّث عن ظهور المهديِّ في آخر الزّمان، مستندة إلى كبار المفسرين والرواة الثقات الّذين ذكروا في أصحّ المسانيد والكتب التي يأخذون عنها عقائدهم وأحكامهم وأخلاقهم.
تعالوا ننظر ماذا يقول المفسرون في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)[1]. قالَ الطَّبريُّ فِي تفسيرهِ للآيةِ الكريمةِ: عنْ أبِي هُريرَةَ فِي قولِهِ: ليُظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ قالَ: حينَ خروجِ عيسى ابنِ مريمَ[2].
وفِي سُننِ البيهقيِّ: (عن جابرٍ بنِ عبدِ اللهِ فِي قولهِ: (ليُظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ)، قالَ: خروجُ عيسى ابنِ مريمَ(عليهما السلام))[3].
ومنَ المعلومِ أنَّ خروجَ عيسى (عليه السلام) يكونُ عندَ ظهورِ المهديِّ (عليه السلام)، كمَا يشهدُ لذلكَ البُخاريُّ وغيرُهُ.
فقَدْ روى البُخاريُّ فِي صحيحِهِ: عن نافعٍ مولى أبي قتادةَ الأنصاريَّ أنَّ أبا هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «كيفَ أنتُمْ إذا نزلَ ابنُ مريمَ فيكُمْ وإمامكُمْ مِنكُمْ»[4].
قالَ شارح البخاري ابنُ حَجرٍ فِي (فتحِ الباري): (وكلُّهُمْ -أي: المُسلمونَ- ببيتِ المقدسِ وإمامهُمْ رجلٌ صالِحٌ قَدْ تقدَّمَ ليُصلِّي بهِمْ؛ إذْ نزلَ عيسى فرجعَ الإمامُ يَنكصُ، ليتقدَّمَ عيسَى فيقفُ عيسى بينَ كتفيهِ ثمَّ يقولُ: تقدَّمْ فإنَّهَا لكَ أقيمَتْ وقالَ أبو الحسنِ الخسعي الأبدي فِي مناقبِ الشَّافعي تواترتِ الأخبارُ بأنَّ المهديَّ مِنْ هذهِ الأمَّةِ وأنَّ عيسَى يُصلِّي خلفَهُ)[5].
لاحظوا ما نقله الشّارح من التّصريح بتواتر خبر المهدي (عليه السلام) في قوله: تواترتِ الأخبارُ بأنَّ المهديَّ مِنْ هذهِ الأمَّةِ وأنَّ عيسَى يُصلِّي خلفَهُ.
وفِي تفسيرِ الفخرِ الرَّازي للآية الكريمة قال: (رويَ عَنْ أبِي هُريرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: هذا وعدٌ مِنَ اللهِ بأنَّهُ تعالى يجعلُ الإسلامَ عالياً على جميعِ الأديانِ. وتمامُ هذا إنَّمَا يحصلُ عندَ خروجِ عيسى. وقالَ السَّدي: ذلكَ عندَ خروجِ المهديِّ، لا يبقى أحدٌ إلَّا دخلَ فِي الإسلامِ أو أدَّى الخِراجَ)[6].
وعنِ القُرطبيِّ فِي تَفسيرِهِ: (قالَ أبو هريرةَ والضَّحاكِ: هذا عندَ نزولِ عيسى (عليه السلام). وقالَ السَّديُّ: ذاكَ عندَ خروجِ المهديِّ، لا يبقى أحدٌ إلَّا دخلَ فِي الإسلامِ أو أدَّى الجِزيةَ. وقيلَ: المهديُّ هوَ عيسى فقطْ وهوَ غيرُ صحيحٍ لأنَّ الأخبارَ الصِّحاحَ قَدْ تواترَتْ على أنَّ المهديَّ مِنْ عِترَةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فلا يَجوزُ حملهُ على عيسَى)[7].
وقالَ القُرطبيُّ أيضاً: (أنَّ جميعَ ملوكِ الدُّنيا كلِّهَا أربعةٌ: مؤمنانِ وكافرانِ، فالمؤمنانِ سليمانَ بنَ داودَ وإسكندرَ، والكافرانِ نمرودَ وبختنصر، وسيملِكُهَا مِنْ هذهِ الأمَّةِ خامسٌ لقولهِ تعالَى: (ليظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ) وهوَ المهديُّ)[8].
وقالَ السَّمعانيُّ فِي تفسيرهِ: (قولُهُ تعالَى: (هوَ الَّذِي أرسلَ رسولَهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ ولو كرهَ المُشركُونَ)، قالَ المُفسِّرونَ: هذا عندَ نزولِ عيسى ابنِ مريمَ (عليه السلام) لا يبقى فِي الأرضِ أحدٌ إلَّا أسلمَ)[9].
وقالَ الآلوسي فِي تفسيرهِ: (إنَّ تمامَ هذا الإعلاءِ عندَ نزولِ عيسى (عليه السلام) وخروجَ المهديِّ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ حيثُ لا يبقى حينئذٍ دينٌ سوى الإسلامُ)[10].
هذا بالنِّسبةِ إلى تفاسيرِ أهلِ السُّنَّةِ وكتبِهِمْ، أمَّا تفاسيرُ الشِّيعةِ فكلُّهُمْ يفسِّرونَ الآيةَ الكريمةَ بظهورِ المهديِّ (عليه السلام)، فهذا الوعدُ الإلهيُّ بظهورِ الإسلامِ على كلِّ الأديانِ لمْ يتحقّقْ لحدِّ الآن ولا يتحقّقُ إلَّا عندَ ظهورِ المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الّذي يملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً بعدما مُلئَتْ ظُلمَاً وجورَاً.
المصدر: مجلة اليقين العدد (61)
[1] سورة التَّوبة: آية33، وكذا سورة الفتح: آية28، وكذا سورة الصَّف: آية 9.
[2] تفسيرُ الطَّبريِّ: ج10، ص150.
[3] السُّنَّنُ الكُبرى: ج9، ص180.
[4] صحيحُ البُخاريِّ: ج4، ص143.
[5] فتحُ البَاري: ج6، ص358.
[6] تفسيرُ الرَّازي: ج16، ص40.
[7] تفسيرُ القُرطبيِّ: ج8، ص122.
[8] تفسيرُ القُرطبيِّ: ج11، ص48.
[9] تفسيرُ السَّمعاني: ج2، ص304.
[10] تفسيرُ الآلوسي: ج26، ص123.