الغيبة

سأل الموظف أحمد الذي يعمل في دائرة الجنسية والأحوال المدنية العراقية زميله مهند عن سوء تصرف زميل ثالث لهما مع أحد المراجعين، وهل يجوز التكلم من ورائه وانتقاده بخصوص هذه الحادثة أم لا؟ وهل يجوز بصورة عامة نقد موظف أو شخص ما في بعض الحالات بسبب فعل مشبوه أو قول قبيح لم يرتضه الناس منه؟

فقال له زميله مهند: قبل ان أجيب عن تساؤلك، أسألك بالله أولا هلّا عرّفت لي الغيبة حتى نرى فيما نحن فيه مورد للغيبة أم لا؟

فقال أحمد: في أعماقي تعريف ضبابي لها، فهلّا نورتني من معرفتك به؟

قال مهند: الغيبة في اللغة: من الاغْتِـيابِ، واغْتابَ الرجلُ صاحبَه اغْتِـياباً إِذا وَقَع فيه، وهو أَن يتكلم خَلْفَ إنسان مستور بسوء، أَو بما يَغُمُّه لو سمعه وإِن كان فيه.

وفي الاصطلاح: وهي أن يذكر المؤمن بعيب في غيبتهم ممّا يكون مستوراً عن الناس، سواء أكان بقصد الانتقاص منه أم لا، وسواء أكان العيب في بدنه أم في نسبه أم في خلقه أم في فعله أم في قوله أم في دينه أم في دنياه أم في غير ذلك ممّا يكون عيباً مستوراً عن الناس، كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب، وتختصّ الغيبة بصورة وجود سامع يقصد إفهامه وإعلامه أو ما هو في حكم ذلك، كما لا بُدَّ فيها من تعيين المغتاب فلو قال: (واحد من أهل البلد جَبان) لا يكون غيبة، وكذا لو قال: (أحد أولاد زيد جَبان)، نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة والانتقاص لا من جهة الغيبة.

فقال أحمد: إذا لم تكن الصفة التي يذكرها المغتاب موجودة في الشخص، فهل ذكرها من الغيبة؟

فقال مهند: إن كانت تلك الخصلة فيه فهي الغيبة، وإن لم تكن فيه فهو البهتان، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه سأل بعض المسلمين: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ (؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:( ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ:( إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)[1].

وهي من الرذائل الأخلاقية، التي شدّد الإسلام على الابتعاد عنها بلفظ صريح، حيث مُثّل لها في القرآن بكونها أكل لحم الإنسان الميت في قوله تعالى: (..وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ..)[2].

وشدّدت الروايات كذلك على هذا الفعل القبيح، قال النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الْغَيْبَة أَشد من الزِّنَا، فقيل: يا رسول الله ولِمَ ذلك؟ قال: أما صاحب الزنا فيتوب الله عليه، وأما صاحب الغيبة فيتوب فلا يتوب الله عليه حتى يكون صاحبه الذي يحله)[3].

فقال احمد: بقي أمر لا بد من سؤالك عنه! هل تجوز الغيبة في بعض الأحيان أم لا؟

قال مهند: تجوز الغيبة يا زميلي بموارد منها:

1ـ المتجاهر بالفسق في غير العيب المستتر به.

2ـ الظالم لغيره تجوز غيبته، والأحوط وجوبا الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقاً.

3ـ نصح المؤمن فتجوز الغيبة بقصد الاستشارة كما في حالة التزويج.

4ـ ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر فيما لم يمكن الر دع بغيرها.

5ـ ما لوخِيف على الدين من الشخص فتجوز غيبته لئلا يترتب الضرر الديني.

6ـ القدح في المقالات الباطلة وإن أدى ذلك الى نقص في قائلها.

فقال أحمد لزميله: وإن لم تتوفر هذه الشروط؟

قال مهند: تحرم الغيبة، بل ويجب النهي عن الغيبة بمناط وجوب النهي عن المنكر مع توفر شروطه، والأحوط الأولى إن سمعت غيبة شخص أن تنتصر للمغتاب وترد عنه مالم يستلزم ذلك محذورا عليك.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (45)


[1] بحار الأنوار، المجلسي: ج75، ج222.

[2] سورة الحجرات: الآية 11.

[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج8، ص601.