من أكثر وأهم القضايا التاريخية التي وقعت بين النفي والإثبات هي قضيّة ظلامة الزّهراء (عليها السلام)، فحدث هنالك أخذ وردٌ طويل وعلى مدى القرون الماضية، لكن وبعد أن يُلقي المتتبع الكريم أدنى نظرة في البحث والمتابعة في كتب القوم يجد أن أصل وقوع ظلامة الزّهراء (عليها السلام) هي من القضايا المجمع عليها دون أدنى شك أو ريب! نعم.. وقع الكلام في بعض التفاصيل، ومن تلك التفاصيل التي وقعت بين الأخذ والرد: هل صحيح -وبحسب المصادر التاريخية- أن علياً (عليه السلام) لم يدافع عن مولاتنا الزّهراء (عليها السلام)؟
الجواب: بأدنى تأمل: كلا، إن أمير المؤمنين (عليه السلام) ذبَّ ودافع وحامى عن الزّهراء (عليها السلام)، لإنه إمام الغيارى وسيّد الشجعان، وهو صاحب النّجدة والحميّة لغير الزهراء (عليه السلام) فكيف والمظلوم هي أُمّ أبيها (عليه السلام)؟! وإليك هذه النقاط التي تدفع تلك الشبهة:
1- ورد في مصادرنا: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد قتل المعتدي على بيت الزهراء (عليها السلام)، فقد ورد: (فَوَثَبَ عَلِيٌّ (عليه السلام)، فَأَخَذَ بِتَلابِيبِهِ ثُمَّ نَتَرَهُ فَصَرَعَهُ وَوَجَأَ أَنْفَهُ وَرَقَبَتَهُ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ فَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ الهِل(صلى الله عليه وآله) وَمَا أَوْصَاهُ بِهِ فَقَالَ: وَالَّذِي كَرَّمَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ، يَا ابْنَ صُهَاكَ لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ، وَعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لا تَدْخُلُ بَيْتِي)[1].
2- قال أبو حمزة، وهو من علماء الزيدية في كتابه الشافي (ج4، ص200) ما نصّه:(إنّا قد بيّنا أنّه لا عار عليه في أن يغلب، إذ ليست الغلبة دلالة حقّ، ولا باطل، ولا على جبن، وهو إمام معصوم بالنصّ، لا يفعل بالعصبية، وإنّما يفعل بالأمر، وقد أُمر بالصبر، فكان يصبر امتثالاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله)، لا يقدم غضباً ولا يحجم جبناً).
إذاً كان المهاجمون على دار الزهراء (عليها السلام) يريدون استدراج الإمام علي (عليه السلام) لمعركة، يتضرّر من خلالها الإسلام، فشجاعة عليّ (عليه السلام) هنا هي بصبره على الأذى، وعدم استجابته للاستفزاز الذي مارسوه ضدّه (عليه السلام)، فقد ورد في صحيح مسلم (ج١، ص٩٠، ح٦٩٥): (عَنْ عَلِيِّ بن ِأَبي طَالِبٍ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ بَعْدي اخْتِلافٌ أَوْ أَمْرٌ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ السِّلْمَ فَافْعَلْ).
المصدر: مجلة اليقين، العدد (46)، الصفحة (10).