بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي غضون بضعة أيّام لا غير جَرَتْ على الأمّة الإسلاميّة من التحوّلات العظيمة ما يصعب تصديقه للغاية، كلّ تلك القصص التي نسمعها فتُدمَى لها قلوبنا كانت قد جَرَتْ أحداثها في تلك الأيّام القلائل، فبعد عشرة أيّام من وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) أخرج خليفة ذلك الزمان وكيلَ الزهراء (عليها السلام) من فدك وعيّن غيره مكانه، فصادر بذلك رَيع تلك الأراضي الذي قيل إنّه كان يصل حتّى إلى 120ألف دينار، محتجّاً بأنّ تلك الأموال كانت توزَّع في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) على الفقراء، ونحن أيضاً نأخذها ونوزّعها على الفقراء، (... فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأخذ منها نفقة سنة، أو نفقته ونفقة أهله سنة، ويجعل ما بقي أسوة المال...).[1]
والحال أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تنفق على الفقراء من ملكها الخاصّ، ولم يكن شأن هذا المال متعلّقاً بالدولة، ولم تمض على تلك الأحداث فترة قليلة حتّى رحلت الزهراء (عليها السلام) عن هذه الدنيا.
في هذه الفترة بالتحديد كان للزهراء (عليها السلام) الدور الكبير في الحفاظ على مسار الشريعة المحمدية، والذود عن أصول الدين الإسلامي، وفضح مؤامرات السقيفة، والكشف عن الذين يطعنون الدين باسم الدين، ويتجلى ذلك من خلال إلقائها بضع خطب وحوارات كانت إحداها الخطبة الفدكية المشهورة التي تُعدّ من مفاخر الإسلام ومن الوثائق التي يظلّ صداها يدوّي إلى يوم القيامة معلنة عن حقّانية الإسلام، والتشيّع، وأهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومن حُسن الحظّ أنّ هذه الخطبة بقيت - بهمم الشيعة - محفوظة إلى يوم الناس هذا، بل وثُبّتت أيضاً حتّى في كتب المخالفين.
وفيما يخصّ أسلوب الحوار الذي جرى بين السيّدة الزهراء (عليها السلام) من جانب وخليفة ذلك الزمان والمتصدّين لقضيّة الخلافة من جانب آخر، هناك نقاط تقع أحياناً محطّ غفلة أو قلّة إنصاف، كما ويطرحها البعض أيضاً بعنوان الشبهة، وهي أنّ هذه الأرض في الواقع كانت قد وُهبت من قبل النبيّ (صلى الله عليه وآله) خصّيصاً للزهراء (عليها السلام) لكنّنا نتفاجأ ونرى أن الخطاب دار حول مسألة الإرث، فقد اقتُطِع جزء من الكلام وما بقي فقط ما يخص مطالبة الزهراء (عليها السلام) بإرث أبيها، فبادرها بالجواب قائلاً: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورّث)!.
وسيأتي أنها (عليها السلام) قد طالبت أولا بفدك على أنها نحلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم لما يئست من ذلك طالبت بها على أنها إرث لها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تنزلا مع الخصم.