حافظ على الصلوات والصلاة الوسطى

قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِله قَانِتِينَ، فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا، فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا الله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُون)[1].

سبب النزول

تذرّع جمع من المنافقين بحرارة الجو لإلقاء التفرقة في صفوف المسلمين، فلم يكونوا يشتركون في صلاه الجماعة، فتبعهم آخرون وأخذوا يتخلّفون عن صلاة الجماعة، فقلَّ بذلك عدد المصلين، فتألم النبي(صلى الله عليه وآله) لذلك كثيرا حتى أنه هددهم بعقاب أليم، وفي حديث عن زيد بن ثابت قال: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يؤدي صلاة الظهر جماعة والحر على أشدّه مما كان يثقل على أصحابه كثيرا بحيث أن صلاة الجماعة أحيانا لم تتجاوز صفا واحدا أو صفين، فهنا هدّد النبي(صلى الله عليه وآله) هؤلاء المنافقين ومن لم يشترك في صلاة الجماعة بإحراق منازلهم، فنزلت الآية أعلاه وبيَّنت أهمية صلاة الظهر جماعة بصورة مؤكدة[2].

وهذا التأكيد يدل على أن مسألة عدم المشاركة في صلاة الجماعة لم تكن بسبب حرارة الجو فقط، بل أن جماعة أرادوا تضعيف الإسلام بهذه الذريعة، وإيجاد الفرقة في صفوف المسلمين بحيث دعى النبي(صلى الله عليه وآله) إلى أن يتخذ مثل ذلك الموقف الحازم من هؤلاء.

أهمية الصلاة وخاصة الوسطى:

بما أن الصلاة أفضل وسيلة مؤثرة تربط بين الإنسان وخالقه، وإذا أقيمت على وجهها الصحيح ملأت القلب بحب الله، واستطاع الإنسان بتأثير أنوارها أن يتجنب الذنوب والتلوث بالمعصية، لذلك ورد التأكيد في آيات القرآن الكريم عليها، ومن ذلك ما ورد في الآية محل البحث حيث تقول: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لله قَانِتِينَ). فلا ينبغي للمسلمين أن يتركوا هذا الأمر المهم بحجة البرد والحر ومشكلات الحياة ودوافع الزوجة والأولاد والأموال.

ما هو المراد بقوله الصلاة الوسطى؟

ذكر المفسرون معان مختلفة للمراد من الصلاة الوسطى، ولكن القرائن المختلفة المتوفرة تثبت أنها صلاة الظهر، لأنها فضلا عن كونها تقع في وسط النهار، فإن سبب نزول هذه الآية يدل على أن المقصود بالصلاة الوسطى هو صلاة الظهر التي كان الناس يتخلّفون عنها لحرارة الجو، كما أن هناك روايات كثيرة تصرّح بأن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر.

والتأكيد على هذه الصلاة كان بسبب حرارة الجو في الصيف، أو بسبب انشغال الناس في أمور الدنيا والكسب فلذلك كانوا لا يعيرون لها أهمية، فنزلت الآية آنفة الذكر تُبيّن أهمية الصلاة الوسطى ولزوم المحافظة عليها.

(قانتين) من مادة (قنوت) وتأتي بمعنيين.

1 - الطاعة والاتباع.

2 - الخضوع والخشوع والتواضع.

ولا يبعد أن يكون المعنيان مرادين في هذه الآية، كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) في تفسير الآية (وَقُومُوا لله قَانِتِينَ) قال: «إقبال الرجل على صلاته ومحافظته على وقتها حتى لا يلهيه عنها ولا يشغله شيء»[3].

والآية الثانية تؤكّد على أن المسلم لا ينبغي له ترك الصلاة حتى في أصعب الظروف والشرائط كما في ميدان القتال، غاية الأمر أن الكثير من شرائط الصلاة في هذا الحال تكون غير لازمة كالاتجاه نحو القبلة وأداء الركوع والسجود بالشكل الطبيعي، ولذا تقول الآية (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا).

سواء كان الخوف في حال الحرب أو من خطر آخر، فإن الصلاة يجب أداءها بالإيماء والإشارة للركوع والسجود، سواء كنتم مشاة أو راكبين.

(فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا لله كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ففي هذه الصورة، أي في حالة الأمان يجب عليكم أداء الصلاة بالصورة الطبيعية مع جميع آدابها وشرائطها.

ومن الواضح أن أداء الشكر لهذا التعليم الإلهي للصلاة في حالة الأمن والخوف هو العمل على وفق هذه التعليمات.

(رجال) جمع (راجل) و (ركبان) جمع (راكب) والمقصود هو أنكم إذا خفتم العدو في ميدان القتال لكم أن تؤدوا الصلاة راجلين أو راكبين في حالة الحركة.

فهذه الصلاة هي صلاة الخوف التي شرحها الفقهاء في كتبهم شرحا مفصلا، وعليه فالآية توضّح أن إقامة الصلاة ارتباط بين العبد وخالقه يجب أن يتحقق في جميع الظروف والحالات، وبهذا تتحصل نقطة ارتكاز للإنسان واعتماده على الله، فتكون مبعث الأمل والرجاء في الحياة، وتعينه في التغلب على جميع المصاعب والمشكلات.

دور الصلاة في تقوية المعنويات:

قد يحسب البعض أن هذا الإصرار والتوكيد على الصلاة ضرب من التعسير، ولربما منع ذلك الإنسان من القيام بواجبه الخطير في الدفاع عن نفسه في مثل ظروف القتال الصعبة.

في حين أن هذا الكلام اشتباه كبير، فالإنسان في مثل هذه الحالات أحوج إلى تقوية معنويته من أي شيء آخر، لأنه إذا ضعفت معنويته واستولى عليه الخوف والفزع فإن هزيمته تكاد تكون حتمية، فأي عمل أفضل من الصلاة والاتصال بالله القادر على كل شيء وبيده كل شيء من أجل تقوية معنويات المجاهدين أو من يواجه الخطر.

 وعلى أي حال فإن أهمية الصلاة وتأثيرها الإيجابي في الحياة أكبر من أن يستوعبها هذا المختصر، فلا شك في أن الصلاة إذا روعيت معها آدابها الخاصة وحضور القلب فيها فإن لها تأثيرا إيجابيا عظيما في حياة الفرد والمجتمع، وبإمكانها أن تحل الكثير من المشاكل، وتطهّر المجتمع من الكثير من المفاسد، وتكون للإنسان في الأزمات والشدائد خير معين وصديق[4].

مجلة بيوت المتقين العدد (70)

 


[1] سورة البقرة: 238-239.

[2] تفسير مجمع البيان: ج1 و2 ص342.

[3] الوسائل: ج4، ص23.

[4] تفسير الأمثل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج2، ص193- 197 بتصرف.