التعاون في أعمال الخير

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

إن الدعوة إلى التعاون التي تؤكّد عليها الآية الكريمة تعتبر مبدأ إسلامياً عاماً، تدخل في إطاره جميع المجالات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والحقوقية وغيرها، وقد أوجبت هذه الدعوة على المسلمين التعاون في أعمال الخير، كما منعتهم ونهتهم عن التعاون في أعمال الشر والإثم اللذين يدخل في إطارهما الظلم والاستبداد والجور بكل أصنافها.

ويأتي هذا المبدأ الإسلامي تماما على نقيض مبدأ ساد في العصر الجاهلي، وما زال يطبّق حتى في عصرنا الحاضر، وهو المبدأ القائل: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً))، والذي بيّن حقيقته النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لأحد أصحابه عندما قال له: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف أنصره ظالماً؟! قال: (تردّه عن ظلمه فذاك نصرك إيّاه)[1].

 أما في العصر الجاهلي فكان هذا المبدأ يطبّق على خلاف ذلك، فإذا غزت جماعة من إحدى القبائل جماعة من قبيلة أخرى، هبَّ أفراد القبيلة الغازية لمؤازرة الغازين بغض النظر عما إذا كان الغزو لغرض عادل أو ظالم، ونرى في وقتنا الحاضر ـ أيضاً ـ آثار هذا المبدأ الجاهلي في العلاقات الدولية، وبالذات لدى الدول المتحالفة حين تهب في الغالب لحماية بعضها البعض، والتضامن والتعاون معا حيال القضايا الدولية دون رعاية لمبدأ العدالة ودون تمييز بين الظالم والمظلوم، ولكن الإسلام ألغى هذا المبدأ الجاهلي، ودعى المسلمين إلى التعاون في أعمال الخير والمشاريع النافعة والبناءة فقط، ونهى عن التعاون في الظلم والعدوان.

والطريق في هذا المجال هو مجيء كلمتي ((البر)) و((التقوى)) معا وعلى التوالي في الآية، حيث إنّ الكلمة الأولى تحمل طابعا إيجابيا وتشير إلى الأعمال النافعة وتدعو العباد الى المعاونة على فعل الخيرات، والثانية لها طابع النهي والمنع وتشير إلى الامتناع عن الأعمال المنكرة - وعلى هذا الأساس - أيضاً - فإن التعاون والتآزر يجب أن يتم سواء في الدعوة إلى عمل الخير، أو في مكافحة الأعمال المنكرة.

وقد استخدم الفقه الإسلامي هذا القانون في القضايا الحقوقية، حيث حرّم قسما من المعاملات والعقود التجارية التي فيها طابع الإعانة على المعاصي أو المنكرات، كبيع الأعناب إلى مصانع الخمور أو بيع السلاح إلى أعداء الإسلام وأعداء الحق والعدالة، أو تأجير محل للاكتساب لتمارس فيه المعاملات غير الشرعية والأعمال المنكرة (وبديهي أن لهذه الأحكام شروطا تناولتها كتب الفقه الإسلامي بالتوضيح)[2].

إن إحياء هذا المبدأ لدى المجتمعات الإسلامية، وتعاون المسلمين في أعمال الخير والمشاريع النافعة البناءة دون الاهتمام بالعلاقات الشخصية والعرقية والنسبية، والامتناع عن تقديم أي نوع من التعاون إلى الأفراد الذين يمارسون الظلم والعدوان، بغض النظر عن تبعية أو انتمائية الفئة الظالمة، كل ذلك من شأنه أن يزيل الكثير من النواقص الاجتماعية.

أما في العلاقات الدولية، فلو امتنعت دول العالم عن التعاون مع كل دولة معتدية - أيا كانت - لقضي بذلك على جذور العدوان والاستعمار والاستغلال في العالم، ولكن حين ينقلب الوضع فتتعاون الدول مع المعتدين والظالمين بحجة أن مصالحهم الدولية تقتضي ذلك، فلا يمكن توقع الخير أبدا من وضع كالذي يسود العالم اليوم.

صور التعاون على البر والتقوى:

1- التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2- التعاون في قضاء حاجات المسلمين، تفريج كرب المكروبين، يقول (صلى الله عليه وآله): (مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فرج اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

3-التعاون على نصرة المظلوم.

4- التعاون على الإصلاح بين الناس، وتقريب وجهات النظر، وحل المشاكل بالطرق السلمية.

5- تعاون الزوجين فيما بينهما في شؤون حياتهما فان ذلك من أسباب التآلف والمحبة.

6- تعاون الأبناء والأسرة الواحدة فيما بينهم على الخير ودفع السوء، والقضاء على أسباب الفرقة والاختلاف، وتعاون الرحم فيما بينهم في تأكيد صلة الرحم والبعد عن قطيعتها، وتعاون القبيلة والعشيرة في رفع الظلم والعدوان بعيدا على العصبية الجاهلية.

7- التعاون بين الراعي والرعية على تنظيم أمور الأمة والسير بها على الخير والصلاح، والبعد عن الفوضى والفرقة والاختلاف.

8- تعاون الشعوب الإسلامية فيما بينها، فيما يحقق أمنها، واقتصادها، واجتماع كلمتها، وابعادها عن الفوضى وتحكم الآخرين في مصيرها ومآلها.

9- تعاون المسؤولين جميعا في سبيل إنجاح مصالح الأمة والسعي فيما يحقق راحة المجتمع.

10-التعاون الإعلامي في نشر الفضيلة، والأخلاق الكريمة، والأعمال الصالحة، والدعوة إلى ما فيه خير الأمة وصلاحها واجتماع كلمتها.

11-التعاون مع رجال الأمن في تحقيق أعمالهم، وما يؤدونها من وظائف في مكافحة المجرمين، والقضاء على المفسدين، فإن التعاون معهم في هذا السبيل يحقق اللأمة الأمن والصلاح.

12- التعاون على تيسير أمر الزواج.

13- التعاون على نظافة الطرق وسلامتها.

14- تعاون القبيلة والرحم على سد دية قتل الخطأ على قدر استطاعتهم، وغناهم وقدرتهم على ذلك.

15- تعاون الجامعات ورجال العلم والفكر في حل المشاكل المعاصرة حلًا إسلاميا، حلًا على ضوء الكتاب والسنة.

مجلة بيوت المتقين العدد (36)

 


[1] الجامع الصغير للسيوطي: ج1، ص109.

[2] تفسير الأمثل: ج2، ص585.