مسجد الشيخ لطف الله

مسجد الشيخ لطف الله

لو وضعنا جمال مدينة أصفهان في كفة لوجب علينا أن نضع جمال مسجد الشيخ لطف الله في الكفة الأخرى، فهذا المسجد العريق يتلألأ بألوانه اللاجوردية الخلابة التي تسطع عند انعكاس أشعة الشمس منها، وكل من يرتاده فهو يسافر في عمق التأريخ؛ لأنه يرى تلك الآثار النفيسة التي تضرب بجذورها في العهد الصفوي وجمالها الفريد ينم عن عظمة فن العمارة الإيراني وسموه.

يقع هذا المسجد في الجانب الشرقي من ميدان نقش جهان، وفي مقابل قصر عالي قابو، وتعلوه قبة فائقة الجمال يكون لونها وردياً عند شروق الشمس، ونحاسياً عند الظهر، وأصفر عند الغروب.

تاريخ بنائه:

تم تشييد هذا المسجد في فترة امتدت من عام 1011 هـ إلى عام 1028 م بأمر من شاه عباس الأول بمحاذاة ميدان نقش جهان وهو يعتبر أجمل مسجد ورثته أصفهان من العهد الصفوي حيث كان الهدف منه في بادئ الأمر أن يتخذ مقراً لإقامة الطقوس الدينية بحضور الأسرة الحاكمة والمقربين منها وقد أطلق عليه اسم أهم شخصية دينية في تلك الآونة ألا وهو الشيخ لطف الله. ما يميز هذا المسجد من حيث فن العمارة أنه لا يتضمن صحناً ولم تشيد فوقه منارة.

وحول روعة الفن المعماري المستخدم في مسجد الشيخ لطف الله، قال خبراء علم الآثار الأجانب: «يصعب الإقرار بأن هذا المبنى صنيع يد الإنسان».

كيفية البناء:

يفتقر هذا المسجد إلى أي منارة ورواق داخلي وساحة، وتوجد أمام مدخله السلالم؛ ما جعل المسجد، وعلى ما يبدو، غير طبيعي. قد يعزى عدم وجود رواق وصحن في هذا المسجد إلى ما تقتضيه ساحة نقش جهان من تنسيق وتقارن أي وقوع المسجد أمام قصر عالي قابو، ما قد أسفر أخيراً عن هذه النتيجة وهي عدم التمكن من تصميم وبناء صحن أو ساحة باتجاه القبلة لأداء الصلاة فيه.

قبة المسجد هي من إحدى القباب ذات الجدار الواحد في العصر الصفوي. يصل ارتفاع القبة إلى درجة أنها تبرز إلى جانب ساحة نقش جهان وتغلب على المحيط. ويمتد انحناء القبة من نقطة نتوئها الكبير إلى الداخل فجأة، ويشكّل بذلك قمة القبة، وتتحمل هذه الضغوط جدران المسجد السميكة، وتم تصميم جدران المسجد بشكل سميك يجعلها تتحمل ثقل وضغط القبة الكبيرة، فضلاً عن أن سماكة الجدران القريبة من النوافذ تصل إلى 1.70 متراً، وفي الأجزاء الرئيسة منها تتجاوز المترين.

ان النقوش والألوان المستخدمة في زخرفة قبة هذا المسجد بالقاشاني هي من أجمل وأزهى أنواع القاشاني في الفن المعماري الإيراني والتي تم نصبها بشكل ماهر ودقيق على القبة. أما الإضاءة داخل المسجد فتتم من خلال نوافذ مشبكة مركبة على مختلف جدران القبة. فالإضاءات الساطعة إلى داخل المسجد عبر هذه النوافذ توفر نوراً كافياً ملائماً للداخل إضافة إلى انها تضفي حالة روحانية هادئة على الفضاء الداخلي. كما تم تزيين جدران القبة بالقاشاني الأزرق ورسومات عن الأزهار والورود وكذلك كتيبة مكسوة بالقرميد نقش عليها عددٌ من قصار السور القرآنية المباركة.

هذا ويعتبر محراب مسجد الشيخ لطف الله من أجمل محاريب المساجد بأصفهان ومن أروع ما أبدعه الفن المعماري الايراني الفريد في نوعه، فهو مزينٌ بأنواع القراميد والمقرنصات البارعة والزاهية الألوان.

كما ان هذا المسجد مسجل ضمن لائحة مواقع التراث العالمي التي تدار من قبل منظمة اليونسكو.

المصدر: بيوت المتقين (56) شهر شوال 1439هـ