الواسطة.. عادة متجذرة؟!

الواسطة مفردة تزداد نشاطاً في مجتمعاتنا مع مرور الأيّام، لا بل أضحت جزءاً من ممارسات الكثيرين اليوميّة، والأسوأ في ذلك كله، نظر الأفراد إليها من الناحية الاجتماعية على أنها مسألة عادية، ولا بدّ منها للوصول إلى تأمين بعض حقوقهم، إذ يعتبرون أنفسهم مضطرين للسير بطريق الواسطة عن طريق المتنفذين من أفراد وجهات في كل المجالات، فهي تسهّل عليهم الجهد والوقت، رغم معرفتهم أنَّ الوسيط بات فعلاً بحكم السّمسار، والذي بيده مفاتيح النجاح، والوصول إلى الغاية المطلوبة؛ إن من معاملة تربوية أو صحية أو جامعية، أو للدخول في عمل ووظيفة ما. وتتقاطع الواسطة مع الفساد والمحسوبيّة، واستغلال النفوذ، لتكون النتيجة على حساب الفئات التي لا تعرف الطريق إلى الواسطة، والتي تخسر حظوظها في الحصول على وظيفة أو مهنة أو غير ذلك.

أسباب هذه الظاهرة:

قد انتشرت هذه الواسطة السيئة لعدة أسباب تتمحور حول محورين، هما: ضعف الوازع الديني في المجتمع، وضعف القوانين والأنظمة، ولكل منها مظاهرها وأمور تترتب عليها؛ فضعف الوازع الديني والتقوى يؤدي إلى الجور والظلم، وإلى تقصير الموظفين في عملهم المنوط بهم، والتفاخر والتكبر على الناس، مما يدفع المواطن إلى اللجوء إلى الواسطات لحل مشاكله.

أما ضعف القوانين والأنظمة، فإنه سهل لبعض الناس اختراقه وتجاوزه؛ لهذا فإنه ينبغي وضع قوانين قوية وصريحة للثواب والعقاب، ومراقبة تطبيق هذه القوانين ومتابعتها بشكل دقيق وحازم دون تفريق بين مواطن ومسؤول، فالعدل هو الأساس، فلا محاباة عند القانون، كذلك تعيين من يُطبقون هذه القوانين ممن شُهد لهم بالدين والخوف من الله ربهم الذي يدفعهم دفعاً نحو النزاهة والصلاح والعدل، فإنه سيغضب لله، لا لنفسه؛ لذا فإنه لن يُعاقِب إلا على ما لا يُرضي الله، وبخوف من الله، كما أنهم لن يقبلوا أن يعصوا الله تعالى في واسطة سيئة محرمة، فإن أمام عينيه مكتوباً كلام ربه تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[1].

الأثر الفردي والاجتماعي:

أتفق الخبراء على أن للواسطة أثار سلبية على الفرد والمجتمع:

1- أن من الأسباب التي تؤدى إلى انخفاض مستوى الكفاءة في الإدارة هي أن كثير من القرارات الإدارية، أو الإجراءات تقوم على الواسطة، والتي تعتبر بمثابة اعتداء وهضم لحقوق الآخرين، فالواسطة تخل بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين في الحصول على الخدمات الحكومية، فهي تعد بحق انحراف في السلطة توجب المساءلة والعقاب.

2- تزيد من معاناة الفقراء والمهمشين من عدم القدرة على الوصول لخدمات عن طريق الواسطة والمحسوبية والتي تعمل لصالح الأغنياء والأقوياء، مما يعني أنهم يدورون في حلقة مفرغة من الحرمان ويصعب عليهم الخروج من حالة الفقر والبطالة والمعاناة.

المحسوبية والواسطة تعزز من حالات التهميش والفقر في المجتمع ومحاربتها هي إحدى الوسائل للتصدي لمشكلات الفقر.

3- ضياع حقوق الموهوبين من أفراد المجتمع الذي هو بواقع الأمر بحاجة لهم للتطوير والتنمية.

4-أتفق الخبراء على أن هذه المظاهر لها أثار سلبية على التنمية، وهي ظاهره غير صحية تؤدي إلى تفشي الفساد، وتخلق روح الانتهازية لأصحاب النفوذ والحظوظ، كما تخلق روح الحقد والكراهية والسلبية لدى الفئة التي لا تملك هذه الميزة.

5- هجرة العقول والكفاءات والتي تفقد الأمل في الحصول على موقع يتلاءم مع قدراتها، مما يدفعها للبحث عن فرص عمل ونجاح في الخارج. مما يسبب إفراغ الوطن من العقول الواعدة لصالح العلاقات العائلية والعشائرية وبالتالي المساهمة في استمرار تخلف البلد عن ركب الحضارة والتقدم.

 


[1] سورة الحشر: آية 18.