تستعمل كلمة الثقافة لتدل على أكثر من معنى:
الأول: تذوُّق الفنون الجميلة والعُلوم الإنسانيَّة بامتياز، وهو ما يُطلَق عليه أيضاً الثَّقافة عالِيَة المُستوى.
الثاني: المَعرِفة البشريَّة والاعتقادات والسُّلوك الفردي الّذي يعتمِد على قُدرة الفرد على التَّفكير والتعلُّم الاجتماعي بِطريقةٍ سَليمة.
الثالث: مجموعة من الاتِّجاهات والقِيَم والأهداف الّتي تُميِّز مؤسَّسةً أو مُنظّمةً جماعيَّةً مُعيَّنة.
وهذه الاستعمالات الثلاث لا تحقق معنى الثقافة منفصلة، ويحصل المعنى بالجمع بينها لأن تذوُّق الفنون الجميلة والعُلوم الإنسانيَّة وحده لا يحقق لنا ثقافة، كذلك المَعرِفة البشريَّة والاعتقادات والسُّلوك الفردي والاتِّجاهات والقِيَم والأهداف الّتي تُميِّز مجتمعاً أو فرداً ما.
فالثقافة تتكوّن من مجموع (السلوك والمعرفة البشرية وتذوق العلوم الإنسانية) ومناط اختلاف وتعدّد الثقافات يتعلق بكم ونوع هذه المفاهيم.
أما ثقافة المرأة المسلمة وحسب ما تقدّم من الكلام، فقد وقعتْ المرأة بين الإفراط والتفريط في نظرتها الى ثقافتها في القرنين الأخيرين، فبين الميل الى تحصيل المعارف والعلوم البشرية والاستفادة منها في المسيرة الحياتية للمرأة وسط طرق غير منسجمة مع التعاليم الإسلامية، وبين الانقياد والتقيّد بمعالم المرأة المتديّنة التي يتوافق سلوكها مع الشريعة لكن مع قصور في الجانب المعرفي بحيث لا يصدُق عليها عنوان الثقافة.
والحلّ المناسب لهذه المشكلة أن تتفهّم المرأة أمور:
منها: أن كلّا من الدين والعلم مصدر تنمية المرأة المسلمة ورقيّها، فإذا كانت عالمة ذات ثقافة قدرت على النهوض بالمجتمع بالعمل والتعليم ولم يعد يكفي تعليم المرأة القراءة والكتابة، بل يجب أن تصل إلى المستوى المطلوب الذي يتطلبه المكان والزمان الذي تعيش فيه.
ومنها: أنها في نفس الوقت يجب عليها مراعاة سعة الدائرة الدينية التي تتحرّك فيها وفي الواقع أنها دائرة كافية لترقى بها المرأة الى مستوى ثقافي مقبول، نعم دائرة الثوابت الدينية ذات مساحة ثابتة ولا ندعو أحداً الى فتح فجوة فيها فالعفاف والستر والحياء ثوابت مهمة وهي التي ترسم هوية المرأة المسلمة، لكن في مقابل هذه الثوابت توجد دائرة المتغيرات الواسعة المطّاطة القابلة للتمدّد.
وهنا يظهر دور المرأة في اختيار البرنامج الثقافي وفق هذه الثوابت والمتغيرات، وليس من الصحيح تجاهل الضرورة الثقافية في هذا العصر مع إمكان تحصيلها تحت سقف الثوابت الدينية والأسرية والاجتماعية، فإن أدنى ما تكون المرأة هي مديرة التربية في أسرتها، والعنصر الفاعل فيها، ولا يمكن أن تؤدّي الدوْر بصورة تامة بدون مستوى معتدّ به من الثقافة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (24)