عابس وأبوه شبيب الشاكري، من بني شاكر، وهي من بطون همدان، ولهما أسماء أخرى كما في (بحار الأنوار: ج45، ص73).
(وكان من أهل المعرفة والبصيرة والإيمان، ومن أسرةٍ عُرِفت بالبطولة والإقدام، وقد عُرِفوا بالإخلاص والصدق والتفاني في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وكانوا من شُجعان العرب وحُماتهم، حتّى لُقِّبوا بـ «فِتيان الصباح»، وفيهم قال أمير المؤمنين(عليه السلام) يوم صِفّين: «لو تمّت عِدّتُهم ألفاً لَعُبِد الله حقَّ عبادته»[1].
وكان عابس من خواص أصحاب الإمام علي(عليه السلام) والإمام الحسين(عليه السلام)[2]، وكان من رجال الشيعة رئيساً شجاعاً خطيباً ناسكاً متهجداً[3].
عندما وصل مسلم ابن عقيل للكوفة، واجتمع عليه الشيعة، فقرأ عليهم كتاب الحسين(عليه السلام) فجعلوا يبكون، فقام عابس الشاكري قائلاً: «أما بعد، ولكن - والله - أخبرك بما أنا موطّنٌ نفسي عليه، والله لأجيبنكم إذا دعوتم، ولأقاتلن معكم عدوكم، ولأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله»، وانبرى حبيب ابن مظاهر فخاطب عابساً قائلا له: «رحمك الله، فقد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك، وانا والله الذي لا إله الا هو على مثل ما أنت عليه»، واندفع سعيد الحنفي فأيّد مقالة صاحبيه[4].
قال أبو مخنف: ولما رأى مسلم اجتماع الناس على البيعة في الكوفة للحسين، كتب إلى الحسين(عليه السلام) بذلك، وسرّح الكتاب مع قيس بن مسهر الصيداوي، وأصحبه عابس الشاكري، وشوذب مولاه، فأتوه إلى مكة، ولازموه، وبقي مع الإمام الحسين حتى نزل كربلاء[5].
شهادته (رضي الله عنه):
لما اشتد القتال في يوم عاشوراء، جاءه عابس الشاكري، ومعه شوذب، قدمّه بين يدي الإمام الحسين(عليه السلام) فقاتل حتى قتل، فتقدم عابس إلى الحسين(عليه السلام) فسلّم عليه، وقال: «يَا أَبا عَبْدِاللهِ: أَما وَاللهِ ما أَمْسى عَلى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَريبٌ وَلا بَعيدٌ أَعَزُّ عَلَيَّ، وَلا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى أَنْ أَدْفَعَ عَنْكَ الضَّيْمَ وَالْقَتْلَ بِشَيْءٍ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَدَمَي لَفَعَلْتُهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ: أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى هُداكَ، وَهُدى أَبي»[6].
يقول الربيع بن تميم الهمداني -وكان في معسكر عمر بن سعد-: لما رأيت عابساً مقبلاً عرفته، وكنت قد شاهدته في المغازي والحروب، وكان أَشجع الناس، فصحت: أَيها الناس، هذا أَسد الأُسود هذا ابن أبي شبيب، لا يَخْرُجنَّ إليه أحد منكم، فأخذ عابس ينادي: أَلا رجل، ألا رجل؟! (وهو يطلب مبارزاً لنفسه)، فلم يتقدم إليه أحد، فنادى عمر بن سعد: ويلكم! ارضخوه بالحجارة، فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه، ثم شد على الناس، فو الله لرأيته يطارد أكثر من مئتين من الناس، ثم إنّهم تعطّفوا عليه من حواليه، فقتلوه، واحتزوا رأسه)[7] ، فالسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.
المصدر: مجلة اليقين العدد (33)، الصفحة (11).