مسجد الكوفة لو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبواً

  مسجد الكوفة لو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبواً

يعتبر مسجد الكوفة أقدم المساجد بعد بيت الله الحرام، فقد كان معبد الملائكة قبل خلق آدم (عليه السلام)، وصار معبده، ومن بعده من الأنبياء والمرسلين.

وهو أحد المساجد الأربعة التي يخير المصلي فيها بين القصر والتمام، والتمام أولى. والفريضة فيه تعدل حجة مقبولة، وتعدل ألف صلاة تصلي في غيره، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (... وليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي)[1].

وعنه (عليه السلام) أنه قال: (وكأني به - أي مسجد الكوفة - يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم، يشفع لأهله ولمن صلى فيه، فلا ترد شفاعته)[2].

وعنه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (... وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين)، قال: الربوة الكوفة، والقرار المسجد، والمعين الفرات)[3].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (ما من عبد صالح ولا نبي إلا وقد صلى في مسجد كوفان حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أسري به قال له جبرائيل (عليه السلام): أتدري أين أنت يا رسول الله الساعة أنت مقابل مسجد كوفان قال: فاستأذن لي ربي حتى آتيه فأصلي فيه ركعتين فاستأذن الله عز وجل فأذن له وإن ميمنته لروضة من رياض الجنة وإن الصلاة المكتوبة فيه لتعدل ألف صلاة وإن النافلة فيه لتعدل خمسمائة صلاة وإن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا ذكر لعبادة ولو علم الناس ما فيه لأتوه ولو حبواً)[4].

تأسيس مسجد الكوفة:

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: حدُّ مسجد الكوفة آخر (سوق) السراجين، خطه آدم (عليه السلام) وأنا أكره أن أدخله راكباً. فقيل له: فمن غيَّره عن خطته؟ قال: أما أول ذلك فالطوفان في زمن نوح، ثم غيره أصحاب كسرى والنعمان، ثم غيره زياد بن أبي سفيان[5].

أثر الفتوحات الإسلامية في العراق وانهزام الساسانيين، تحول المسلمون بقيادة سعد بن أبي وقاص إلى موضع الكوفة، بعدما أشار سلمان الفارسي على ابن أبي وقاص بالتحول إليها، وكان أفضل من المناطق التي حاولوا الاستقرار فيها، فعمد ابن أبي وقاص إلى تمصيرها (جعلها مصراً أي بلداً)، وبنى فيها المسجد الجامع، ووافق مكان بنائه، من دون علمه، الموضع الذي تحدثت الروايات عن أنه مهبط الملائكة، وحيث خط آدم (عليه السلام) مكاناً للعبادة، وموضع صناعة سفينة نوح (عليه السلام).

وكان ابن أبي وقاص قد استعان بعمار بن ياسر، وبأبي الهياج الأسدي، أحد رواة أمير المؤمنين (عليه السلام)، لتخطيط الكوفة، ثم اختطوا المسجد على عدد مقاتليهم، أي أربعين ألف إنسان، وبنوا لسعد قصراً وهو دار الإمارة الملاصق للمسجد والماثلة أطلاله اليوم جنوبه.

وكان ارتفاع جدران قصر الإمارة نحواً من سبعة عشر متراً، وكان بينه وبين المسجد ممر سري يفضي إلى باب يفتح على سدة فوق محراب المسجد.

المسجد في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام):

كان مسجد الكوفة في زمن خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) (36 - 40 هجرية) مركزاً للحكم ومكاناً للعبادة، ولم يتخذ (عليه السلام) - خلافاً لمن سبقه وتبعه في الحكم - مقصورة فيه، كما لم يحجز بينه وبين من يأتم به شيء، لكنه صلوات الله عليه اتخذ منبراً للخطابة، وموقعه بجانب المحراب المعروف باسم محراب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد جددت عمارته مع المحراب أولاً عام 1363 هجرية.

كما اتخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) في المسجد دكة (مصطبة) للقضاء، وكانت بجانبها اسطوانة (عمود) قصيرة كُتب عليها (إن الله يأمر بالعدل والإحسان ...)[6] . وعلى هذه الدكة حكم صلوات الله عليه في قضايا عديدة تزخر بها كتب الحديث والمصنفات التاريخية، ومنها قضية الفتى الذي قتل أبوه فوقف بباب المسجد ونادى بأعلى صوته: يا أبا الغوث أغثني، فأغاثه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي القضية التي فرق فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) لأول مرة بين الشهود.

وكان للمسجد قبة، ويذكر ابن شهرآشوب في (المناقب) المعجزة التي أظهرها الإمام (عليه السلام) من هذه القبة، وعلى أثرها أسلم بعض تجار اليهود.

المسجد في العصور اللاحقة:

زيد في مساخة المسجد - في العصر الأموي - عشرين ذراعاً لكي يستوعب العدد الكبير من المقاتلين في الكوفة، فصار يتسع - في زمن زياد بن أبيه - لستين ألف مصل وشيدت أبوابه وأسواره، وكسيت أرضه بالحصى.

بدورهم، استغل العباسيون مسجد الكوفة في بداية أمرهم، وجعلوه مركزاً لدعوتهم، فكان يجتمع فيه مناصروهم، وفيه بويع لأبي العباس السفاح، وجعله بادئ أمره، مقره ومركز حكمه.

وفي فترة لاحقة، عندما اشتدت شوكة القرامطة، عاثوا فساداً في الأرض، ونشروا الرعب في أوساط الناس، ونقلوا الحجر الأسود من مكة المكرمة إلى مسجد الكوفة، وبقي هناك اثنين وعشرين عاماً.

وفي العصر العباسي الثاني، عني البويهيون بالعتبات المقدسة، واهتموا بعمارتها وإرسال الهدايا لها، ومنها مسجد الكوفة. وعندما فرغ عضد الدولة البويهي من تجديد عمارته، دعا العلماء والأشراف والشعراء إلى حضور افتتاحه، وكان بينهم الشاعر الحسين بن الحجاج، فأنشد قصيدته التي مطلعها:

يا صاحب القبة البيضا في النجف                     من زار قبرك واستشفى لديك شفي

وكذلك اهتم بعمارته الصفويون والعثمانيون، إلى أن تداعت عمارته القديمة أوائل القرن الثالث عشر، فأصلح سوره وما فيه من المقامات المرجع الديني الكبير السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي رضوان الله عليه.

مقامات المسجد:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا أهل الكوفة، لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب به أحداً، ففضل مصلاكم وهو بيت آدم، وبيت نوح (وفي رواية أخرى: مصلى نوح)، وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم الخليل، ومصلى أخي الخضر (عليه السلام)، ومصلاي ...)[7].

ويقصد بالمقامات المواضع التي اتخذها الأنبياء أو الأئمة المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين مكاناً للعبادة والصلاة، وحتى يومنا هذا مقامات تعرف بأسماء بعضهم صلوات الله عليهم، ومن هذه المقامات:

(مقام النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أو مقام المعراج، ومقام آدم (عليه السلام)، ومقام نوح (عليه السلام)، ومقام إبراهيم(عليه السلام)، ومقام الخضر(عليه السلام)، ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومقام الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ومقام الإمام الصادق (عليه السلام)).

ويوجد في مسجد الكوفة أبنية هي: (بيت الطشت أو الطست، ودكة القضاء، والمزولة).

وأما أبواب المسجد فهي: (باب كندة، وباب السدة، وباب الحجة (عليه السلام)، وباب الثعبان، وباب الأنماط، وباب الرحمة).

الكوفة بعد أحداث عاشوراء:

بعدما ارتجت الكوفة بأربع خطب بعد دخول السبايا إليها ارتفعت لها الأصوات بالبكاء والنحيب فلا يرى غير باك وباكية ومع ارتفاع البكاء وتصاعد الأصوات كان الشعور بالنقمة من الحكم الأموي يزداد وحافز الثورة والانتقام من قتلة الحسين (عليه السلام)، فخاف ابن زياد هياج الناس فأمر الشرطة بحبس الأسارى في دار جنب مسجد الكوفة.

قال حاجب ابن زياد كنت معهم حين أمر بهم إلى السجن فرأيت الرجال والنساء مجتمعين يبكون ويلطمون وجوههم.

1

65565

3

مقام بيت الطشت

 

المصدر: بيوت المتقين (5) - شهر صفر 1435هـ

 


[1]     وسائل الشيعة: ج5، ص258.

[2]     الأمالي: ص298.

[3]     الوسائل: ج14 ص362.

[4]     الكافي: ج3، ص491.

[5]     الوسائل ج5 ص254.

[6]     النحل: 90.

[7]     الأمالي: ص298.