احترام الذوق العام أدب وكمال

حثّت تعاليم وإرشادات الدين الإسلامي الاجتماعية والأخلاقية على أهمية التحلي بالأدب بالنسبة للفرد أو المجتمع، لأن الآداب تؤدي إلى كمال الإنسان وسموّه، فالأدب هو زينة العقل، يقول رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): (حُسنُ الأدبِ زِينةُ العقلِ)[1]، وهو يؤدي إلى كمال النفس وصلاحها، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الأدبُ كمالُ الرَّجُلِ)[2]، فلا زينة ولا حلل كالآداب التي يتأطّر بها السلوك الإنساني. ؟

ومن المؤشرات على التزام الإنسان الأخلاقي احترام الذوق العام، والتحلي بالآداب العامة، ومراعاة ما هو لائق وغير لائق مما تعارف عليه الناس وجرى مجرى العرف بينهم.

مصطلح الذوق العام تعبير جميل يحمل في طيّاته معاني رائعة، كالأدب والاحترام وحسن التعامل بلطف ورفق مع الناس، وتجنب ما يثير إحراجهم وإزعاجهم، والمحافظة على مشاعرهم وأحاسيسهم من الإحراج والجرح والخدش، وربما يكتسبه الإنسان من مجموعة تجاربه التي يُفسِّر على ضوئها ما يُحسّه أو يُدركه من الأشياء، أو من خلال ثقافة دينية أو اجتماعية يقتنع بأهدافها وتطلعاتها.

مظاهر الذوق العام:

للذوق العام مظاهر عامة تشترك فيها جميع المجتمعات ترتبط إلى درجة عالية بالسلوك الاجتماعي منها:

احترام الآخرين، كل الذين حولك هم مثلك لهم حقوق في الشارع والطريق وحسن السلوك والمعاملة وعدم الإزعاج، فمن الذوق العام مثلاً ألا تغلق طريقاً عاماً بسيارتك، ولا تزعج أحداً بطريقة ركوب دراجتك النارية، ولا تؤذِ جيرانك برمي مخلفات منزلك أمامهم، ولا تنشغل بهاتفك النقال عندما تتحدث مع من يكون بجانبك، ولا تتصل بأحد في أوقات غير مناسبة كمنتصف الليل أو أوقات الراحة والنوم أو عند أوقات الصلاة إلا للضرورة القصوى.

ومنها: الكلام الطيب، فهو مظهر من مظاهر الذوق الرفيع، ومنه اختيار المواضيع المفيدة والنافعة، والنقاش الهادئ، وتجنب رفع الصوت لبيان مرادك أمام الآخرين، واختيار الألفاظ الجميلة والمهذبة، وتجنب الكلام البذيء والفاحش.

ومن آداب الذوق العام أيضاً الإنصات للآخرين والاستماع لهم، وعدم مقاطعتهم حين الكلام، وعدم الإجابة عن سؤال وجّه لغيرك، وعدم تصدر مجلس غيرك بالكلام، والحرص على إعطاء الآخرين حقهم في الكلام.

ومنها: الالتزام بالوقت، وهو كما يشمل الجانب التنظيمي لحياته الخاصة، فإنه يشمل أيضاً مراعاة أوقات الآخرين، والالتزام بالمواعيد الزمنية والمكانية، وعدم زيارة أحد من دون موعد مسبق معه؛ فإن ذلك يدلّ على وعي وإدراك أهمية العامل الزمني في الحياة بحيث لا يهدر الوقت فيما لا يفيد ولا ينفع.

ومنها: نوع ونظافة الملابس، فمن علامات الذوق العام أيضاً أن تكون الألبسة نظيفة وجميلة وطاهرة، وألا يكون اللباس لباس شهرة، وعدم تشبه الشباب بلباس الفتيات، أو تشبه الفتيات بلباس الشباب، ومراعاة القيم والأخلاق والذوق في اختيار الألبسة والملابس، واجتناب لبس الألبسة القبيحة والمثيرة للذوق العام، والشخصية المسلمة

ومنها: المحافظة على النظافة العامة

من الجميل بالفرد والمجتمع المثقف المحافظة على النظافة العامة سواء في الأكل والشرب، أم في الدار، أم في الشارع العام، أم في المرافق العامة، أم في الحدائق العامة.

وليس من الذوق العام إلقاء القمامة والأوساخ في الشوارع العامة، أو رميها من السيارات في الطرقات العامة، أو رمي مخلفات البناء في الشوارع، أو في الحدائق والمنتزهات العامة، أو في الأنهر والبحيرات الداخلية، مما يتسبب في تلويث البيئة والأماكن العامة.

فهذه الآداب الاجتماعية وغيرها هي آداب عامة - كما قلنا - يسعى أن يتصف بها كل مجتمع، فينبغي احترامها والتشجيع عليها حتى تتحول إلى ثقافة راسخة تسود المجتمع، وسلوك عام يحفظ الذوق العام للمجتمع، بما يؤدي الى وجود مجتمع يعتمد الأسس الحضارية في تنظيم الحياة.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (46)

 


[1] كشف الغمة، المحدث الإربلي: ج2، ص861.

[2] ميزان الحكمة، الريشهري: ج1، ص98.