قال تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يونس: 37
قال الشيخ الصدوق : (اعتقادنا في القرآن أنّه كلامُ الله ، ووحيُه وتنزيلُه، وقولُه، وكتابُه. وأنّه لا باطلَ فيه ولا زيغَ ولا ضلالَ. وأنّه القصص الحقّ ، وأنّه قول فصل، وما هو بالهزل، وأنّ الله تعالى مُحدثه، ومنزله، وحافظه، وربّه)[1].
القرآن الكريم عندنا نحن الإمامية الوحي الإلهي الذي أنزله الله عز وجل على لسان نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله ، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن الإتيان بمثله {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} الإسراء: 88 ، وهو نفسه الذي بين أيدينا اليوم لأنّه لا يعتريه التبديلُ والتغييرُ والتحريفُ ، ومَنْ ادّعى فيه غيرَ ذلك فهو واهِمٌ أو مغالطٌ أو مشتبهٌ ، وكلّهم على غير هدى ، فإنّه كلام الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصّلت: 42.
ومنْ دلائل إعجازه أنّه كلّما تقدّم الزمن وتقدّمت العلوم والفنون، فهو باق على طراوته وحلاوته وعلى سموِّ مقاصدِه وأفكارِه، لما احتواه منْ حقائقَ ومعارفَ عاليةٍ ولا يظهر فيه خطأٌ في نظرية علْميّة ثابتة، ولا يتحمّل نقْضَ حقيقة فلسفية يقينية، على العكس من كتب العلماء وأعاظم الفلاسفة, مهْما بلغوا في منزلتهم العلمية ومراتبهم الفكرية، فإنه يبدو بعض منها على الأقل تافهاً أو نابياً أو مغلوطاً، كلّما تقدّمتْ الأبحاث العلمية وتقدّمتْ العلوم بالنظريات المستحدثة، حتى من مثل أعاظم فلاسفة اليونان كسقراط وإفلاطون وأرسطو, الذين اعترف لهم جميعُ من جاء بعدَهم بالأبوّة العلمية والتفوّق الفكري.
بلْ إنّ هذا الإعجاز ثَبتَ لغير العرب أيضاً عن طريق ما عرفوه بالدراسة والتتبّع مسألة تواتر إعجاز القرآن, والتواتر باعث على الجزم واليقين ، مضافاً إلى أنّه ثبت الإعجاز في معاني القرآن الحكيم أيضاً في ترجمته عياناً ، بما اشتمل عليه من عوالي المعاني ورفيع المباني ، وإخباراته الغيبيّة ومداليله الزكيّة.
وفي هذا الخصوصِ نقل لنا التأريخ قصة نافعة وهي أنّ ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدهرية اتّفقوا على أن يعارض كلّ واحد منهم ربع القرآن. وكانوا بمكّة عاهدوا على أن يجيؤوا بمعارضته في العام القابل ، فلمّا حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم عليه السلام قال أحدهم : إنّي لمّا رأيتُ قوله : ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ ) هود :٤٤ كفَفْتُ عن المعارضة ، وقال الآخر : وكذا أنا لمّا وجدْتُ قوله : ( فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّا) يوسف : ٨٠ أيِسْتُ من المعارضة ، وكانوا يُسرّون بذلك إذ مرّ عليهم الصادق عليه السلام فالتفتَ إليهم وقرأ عليهم : (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) الإسراء : ٨٨ فبهتوا[2].
كما نعتقد أن القرآن الكريم يحوي جميع ما يحتاجه البشر لإدارة معاشهم في الدنيا وسعادتهم في الآخرة ولا نقص فيه من هذه الناحية إطلاقاً {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء: 9.
ويجب - عندنا - احترامُ القرآن الكريم وتعظيمُه وتكريمُه بالقول والعمل، وتنزيهُه عن كل ما لا يليق من الخبائث، فلا يجوز تنجيسُ كلماته حتّى الكلمة الواحدة المعتبرة جزأ منه على وجه يقصد أنها جزء منه ، كما لا يجوز لِمَنْ كان على غير طهارةٍ أنّ يمسّ كلماته أو حروفه، سواء كان محدثا بالحدث الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس وشبهها ، أو محدثا بالحدث الأصغر حتى النوم ، إلا إذا اغتسل أو توضأ على التفاصيل التي تذكر في الكتب الفقهية. كما أنّه لا يجوز إحراقه ، ولا يجوز توهينه بأي ضرب من ضروب التوهين الذي يعد في عرف الناس توهينا ، مثل رميِه أو تقذيرِه أو سحقِه بالرِجْل أو وضعِه في مكانٍ مستحقَرٍ ، فلوْ تعمّدَ شخصٌ توهينُه وتحقيرُه بفعلِ واحد من هذه الأمور وشبهِها فهو معدود من المنكرين للإسلام وقدسيته, المحكوم عليهم بالمروق عن الدين والكفر برب العالمين.