الحسـد

قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآءَاتَهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيًما)[1].

الحسد هو: تمنّي زوال نعمة الغير، سواء كان ذلك التمني مقترناً بإرادة تلك النعمة للنفس، أو لا.

فالحاسد، هو الذّي يرغبُ ويتمنّى ويحبُّ زوال ما أفاض الله تعالى، وأنعم به على غيره من الكمالات النفسية وغيرها، من قبيل: العلم، والوجاهة، والنفوذ، والقوة، والجمال، والمال، وغير ذلك. وقد يدعوه ذلك إلى السعي وابتغاء شتى السبل المحظورة شرعاً وعقلاً، من أجل إزالة ما أنعم الله به على غيره.

فحقيقة الحسد، اذن هي: عدم الرضا بقسم الله تعالى والسخط على قضائه في الرزق المادي والمعنوي؛ ذلك لأن الحسود يعترض في الواقع على حكمة الله وعلى ما آتى الله من نعمة لهذا الفرد أو ذاك. كما يقول سبحانه: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآءَاتَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيًما)[2].

فالتفضيل، إنّما حصل بمقتضى حكمة الباري عزّ وجلّ وعلمه بالمصالح، فكره الحاسد لنعمة الغير وتمنيه لزوالها هو في حقيقته كِرهٌ لحكمة الله تعالى وسخط وردٌّ لقضائه، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قال الله عزّ وجلّ لموسى بن عمران ‌(عليه السلام): يا ابن عمران لا تحسدّن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدَّن عينيك إلى ذلك ولا تتبَعهُ نفسك، فإن الحاسد ساخط لنعمي، صادٌ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلست منه وليس منّي»[3].

وقد يبلغ الحسد بالحاسد إلى أن يوقع نفسه في كل تهلكة من أجل زوال النعمة من الشخص المحسود، كما هو معروف في حوادث التاريخ.

وفي ذم الحسد يكفي أن أول قتل حدث في العالم كان من قابيل على أثر حسده لأخيه هابيل، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[4].

(الحساد) كانوا دوما عقبة على طريق الأنبياء والأولياء. ولذلك يأمر الله نبيه أن يستعيذ برب الفلق من شر حاسد إذا حسد.

المخاطب في هذه السورة والسورة التالية شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكنه خوطب لأنه القدوة والنموذج، وكل المسلمين يجب أن يستعيذوا بالله من شر الحاسدين[5].

 فالحسد آفة أخلاقية عديدة المساوئ، عظيمة الأثر في الفساد والدّمار للفرد والمجتمع، مورثة للكثير من الموبقات والرذائل، ومفتاحٌ للكثير من البغي والشرور، تترك الفرد المبتلى بها عنصراً خاوياً فاسداً في نفسه مثيراً لأنواع الفساد، دائم الهم والغم، أما المجتمع الذي تتفشّى فيه هذه الآفة الأخلاقية يتحوّل بسببها إلى مستنقعٍ لمختلف الرذائل، والمفاسد.

لهذا نرى أن موقف الشارع المقدس (كتاباً وسنةً) منها موقفٌ متشدّدٌ، وقد حذّر منها اشدّ التحذير، ووعظ بالابتعاد عنها بأبلغ الحكم، وكشف عن المصير السيء الذي ينتظر الحاسد في الدنيا والآخرة، وقد تقدم ما يدل على ذلك من الكتاب الكريم، اما الأحاديث الشريفة فقد ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»[6].

وقال (صلى الله عليه وآله): موصياً أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا عليّ أنهاك عن ثلاث خِصالِ عِظام: الحسد والحرص والكذب»[7].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «رأس الرذائل الحسد»[8].

وقال (عليه السلام): «آفة الدين الحسد والعجب والفخر»[9].

تنبيه:

ثمّ أن الذي يرى نعمةً ما، أنعم الله تعالى بها على شخص آخر، فتمنّى على الله أن يرزقه مثلها، من دون أن يتمنّى زوالها عن ذلك الشخص، لم يكن ذلك منه حسداً ولا عملاً مذموماً، ويسمّى ذلك غبطة وهو من صفات المؤمنين، قال أبو عبدالله ‌(عليه السلام): «إنّ المؤمن يغبط ولا يحسد والمنافق يحسد ولا يغبط»[10].

علاج الحسد:

إن أهم ما ينبغي الالتزام به لمكافحة هذه الآفة الأخلاقية والتحصن منها هو:

1- استئصال الجهل من النفس بالمبادرة إلى التعليم وزيادة الوعي في المعارف الدينية المختلفة، فان ذلك يمنح الشخصية حصانة قوية ضد ممارسة المحظورات والمنكرات.

2- الاهتمام بتربية النفس وترويضها وتزكيتها، وابتغاء أفضل السبل الكفيلة لذلك.

3- اجتناب المحيطات الملوثة، والابتعاد عن رفقة السوء.

4- التملّي من التفكير والتأمل في مساوي ومضار هذه الرذيلة، بالاستفادة من الآيات والروايات الشريفة الواردة في ذلك، وإشعار النفس الخوف والرهبة من الوعيد الإلهي، بالعذاب الأليم والحشر مع الجبارين، الذي ينتظر مقترف هذه الرذيلة.

اللهم! إنا نعوذ بك من شر الحاسدين... إلهنا! أحفظنا من شر الوقوع في حسد الآخرين.

مجلة بيوت المتقين العدد (50)

 


[1] النساء: 54.

[2] النساء: 54.

[3] أصول الكافي، ج 2، ص: 307، الحديث 6.

[4] المائدة: 27-30.

[5] الأمثل: ج20، ص575.

[6] المحجة البيضاء، ج 5، ص: 325.

[7] البحار، ج 70، ص 251.

[8] ميزان الحكمة، ج 2، ص: 422.

[9] البحار، ج 70، ص: 248.

[10] أصول الكافي، ج 2، ص: 307.