الحياةُ الجامعية انفتاحٌ وتعقيد

كان أمجد شاباً مهذباً ولطيفاً ومتطلعاً للمستقبل وحريصاً على الحصول على أعلى المراتب بين أقرانه؛ ولهذا امتاز من بين أصحابه بالجدّ والاجتهاد ولم يكن يضيّع وقته في الأعمال غير النافعة، واستفاد من وقته في الحصول على درجات أهّلتْه الى الدخول في الجامعة.

وعندما أنهى دراسته الإعدادية دخل عالماً آخر لم يكن معتاداً عليه، وكان عليه أن يتعود على لقاء الجنسين بعد أن كان معتاداً على لقاء أقرانه من الشباب، أما الفتيات فلم يكن له عهد بلقائهن، وتسبّب هذا في ظهور عدد من التساؤلات بسبب الاحتكاك مع الفتيات في الجامعة.

وجاء أمجد وهو يتساءل عن الوضع الجديد وكيف أنه يشعر بنوع من الضياع مع هذه التجربة الجديدة، واخذ يفكر في الحصول على أجوبة لأسئلته، فقرر الذهاب الى المسجد ليسال امام المسجد عن الامور المتعلقة بهذه القضية.

وفي اليوم التالي وعند صلاة المغرب ذهب بصحبة شباب المنطقة للصلاة على امل ان يقدم تساؤلاته الى امام المسجد، وفعلا انتهت الصلاة وقام من مكانه وذهب باتجاه محراب شيخ المسجد ليسأله عن الأمور التي شغلت باله.

وعندما انتهى الشيخ من تعقيب الصلوات بدأ أمجد بالسؤال بقوله: عفوا شيخنا أنا لدي عدد من الأسئلة التي تشغل بالي وأريد أن اعرف جوابها منك.

أخذ الشيخ ينظر الى أمجد بطريقة محبّبة وأجاب قائلاً: وهل الأمر يتعلق بسؤال أو سؤالين أم تريد أن نجلس معاً للحديث.

فرح أمجد وهو يتلقى دعوة من الشيخ للحديث الطويل فقال: بل نجلس معاً فان الحديث طويل واحتاج الى الاستماع الى نصيحتك.

فقال له الشيخ: اذهب الى تلك الغرفة وانتظر حتى انتهي من التسبيح ونتحدث كما تريد.

ذهب أمجد وهو فرح جداً بما رآه من حفاوة اللقاء وشعر بأن ما يمر به سينتهي في هذه الليلة، وعندما وصل الى الغرفة وجد فيها عدد من الأماكن الخاصة بالطلبة وتوجد مكتبة تملأ رفوفها الكتب الفقهية وغيرها من الكتب فاخذ له مكانا فيها وانتظر قدوم الشيخ.

جاء الشيخ وهو في منتصف الثلاثينات يسير بوقار وسكينة، وجلس في مكان يقابل مكان جلوس أمجد فصارا متقابلين.

وبدأ الشيخ اولاً بالسلام وثانياً بالملاطفة، وشعر أمجد بنحو من الارتياح لما لقيه من الشيخ من ترحيب وملاطفة في الحديث وبدأ كلامه بقوله: أنا يا شيخ دخلت الجامعة في هذا العام وفي الجامعة رأيت اختلاطاً بين الجنسين وأنا غير معتاد على مثل هذه الأمور وأردت أن أعرف وظيفتي الشرعي في التعامل مع هذا الوضع فقد تحدثت مع عدد من الطلاب ولم أصل الى جواب نافع بل زادت حيرتي وشعرت بكثير من القلق من هذه الأوضاع.

رد الشيخ قائلاً: ولماذا ازداد قلقك من كلام الطلاب؟

قال أمجد: إن هؤلاء الأصدقاء انقسموا الى فرق متعددة، فمنهم من يقول إنني معقّد وعلي أن اتركَ هذه الأسئلة فليس لها موجب اصلاً، ومنهم من يقول المهم ان قلبك نظيف وكلّ ما يحصل في الجامعة لا يؤثر أبدأ على دين الإنسان، ومنهم من هو في حيرة مثلي لا يعرف الجواب ....

قال الشيخ: اسمع، إنّ هذا الاختلاف بين أصحابك سببه أنت؛ لأنك وجهت السؤال لمن لا يعرف الجواب فجاء كلّ واحد منهم بجواب من كيسه، وكان اللازم أن توجه السؤال الى أهل الاختصاص حتى تأخذ جواب الشرع من دون تدخل الاجتهادات الشخصية.

أمّا من قال لك إنك معقد فهذا لا يستحق الرد لأنّ تصنيف قيمة البشر على مثل هذه الأسس ليس بمقبول مطلقاً، وأما تبرير ما حصل في الجامعة على أنه أمر طبيعي فهذه كارثة أخرى يقع فيها البعض.

وأما جواب الشرع في هذا التواصل فهو ان التواصل بين الجنسين لابد أن يكون مأمون النتيجة، بأن يأمن الإنسان عاقبته ولو في المستقبل، وكلّ تواصل لا يتوفر فيه هذا الشرط فهو مرفوض ومحرّم.

والطالب في الجامعة يمكنه التواجد فيها من غير أن يقيم علاقات مع الفتيات بحجة الدراسة، وأنت تعلم أن هناك انجذاباً من كل من الطرفين إلى الآخر بطريقة طبيعية، ولكنّها غير مشروعة لأنها ستنتهي حتما بالتجاوز لحدود الضرورة التي تحكم كلام الشاب مع الفتاة الأجنبية، ووجود حالة التقبّل الاجتماعي لمثل هذا التواصل ليس عذراً شرعياً وهذا المنع هو حفظ وحصن للطرفين من تطورات العلاقة في المستقبل.