انتشرت في الآونة الأخيرة تساؤلات كثيرة حول تشخيص شخصيّات الظهور، الأمر الناتج عن ادعاء البعض ـ بين فترة وأخرى ـ أسماء وأوصاف تلك الشخصيّات التي يكون لها صفة رسميّة من قِبل الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، كأنْ يكونوا نوّاباً خاصّين له أو سفراء، أو غير ذلك من موهمات الحجّية والتمثيل عن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ونستطيع الاكتفاء بذكر أدلة انقطاع السفارة لنفي أغلب الادعاءات الكاذبة على مقامه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
أولاً: التوقيع المبارك الصادر من الناحية المقدّسة منه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) على يد النائب الرابع عليّ بن محمّد السمري قبل وفاة النائب بستّة أيّام: «يا عليّ بن محمّد السمري، اسمع. أعظم الله أجر إخوانك فيك؛ فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فأجمع أمرَك، ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك؛ فقد وقعتْ الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذِكْرُه، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي من شيعتي مَن يدّعي المشاهدة، أَلاَ فَمَنْ ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتَرٍ، ولا حول ولا قوّة إِلاّ باللهِ العليّ العظيمِ».
قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: مَن وَصِيُّكَ مِن بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، وقضى. فهذا آخر كلام سُمع منه (رضي الله عنه وأرضاه)[1].
ففي كلامه (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نهيٌ للسمري عن الوصيّة إلى أحد بعده، أي لا يقوم أحد مقام النائب الرابع بعد موته.
وفي كلامه (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «فقد وقعتْ الغيبة التامّة»، دلالة على أنّ فترة النوّاب الأربعة لم تكن غيبة تامّة، وإنّما هي صغرى لا تامّة كبرى، حيث إنّ النوّاب الأربعة كانوا حلقة وصل بينه وبين شيعته، ممّا يدلّ على أنّ معنى الغيبة التامّة، وهي الكبرى التي وقعت بعد الصغرى، هي أنْ ينقطع فيها مقام النيابة الخاصّة، وأنّها ممتدّة، فلا ظهور حتّى الصيحة وخروج السفياني.
وقوله (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «وسيأتي من شيعتي مَن يدّعي المشاهدة، أَلاَ فَمَنْ ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتَرٍ»، والظاهر من ادّعاء المشاهدة هو السفارة والنيابة بقرينة السياق والصدور على يد النائب الرابع، حيث أَمَرَهُ بعدم الوصيّة لأحد أنْ يقوم مقامه في النيابة، ولا سيّما وأنّ ادّعاء ذلك هو وسيلة لأجل ادّعاء الوساطة بين الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والناس، والتحايل على الآخرين بإمكانه القيام بحلقة وصل بين الإمام وبينهم، وهو معنى السفارة والنيابة الخاصّة.
ثانياً: تسالم الإماميّة على انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة الى درجة الضرورة المذهبية، فإنّ علماء الطائفة حكموا بضلال المدّعين للسفارة، والطرد لهم عن الطائفة، تبعاً لِمَا صدر من التوقيعات من الناحية المقدّسة حول بعضهم. قال الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي ـ وقد كان معاصراً للإمام العسكري(عليه السلام)، وكان شيخ الطائفة وفقيهها ـ في كتابه المقالات والفِرق، بعد أنّ بيّن لزوم الاعتقاد بغيبة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وانقطاع الارتباط به: (فهذه سبيل الإمامة، وهذا المنهج الواضح، والغرض الواجب اللازم، الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإماميّة المهتدية (رحمة الله عليها)، وعلى ذلك إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن عليّ رضوان الله عليه)[2].
وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ أبي القاسم بن محمّد بن قولويه ـ صاحب كتاب كامل الزيارات، وهو أُستاذ الشيخ المفيد، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى ـ قال: (إنّ عندنا أنّ كلّ مَن ادّعى الأمر بعد السمري ـ وهو النائب الرابع ـ فهو كافر منمّس، ضالّ مضلّ)[3].
وقال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد في باب ذكر القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف): (وله قبل قيامه غيبتان: إحداهما أطول من الأخرى كما جاءتْ بذلك الأخبار؛ فأمّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وعدم السفراء بالوفاة. وأمّا الطولى فهي بعد الأُولى، وفي آخرها يقوم بالسيف) قال الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون)[4].
إذاً فهذه الضرورة قائمة عند الطائفة الإماميّة وقد توالت عليها أجيالها قرناً بعد قرن، ودأبتْ الطائفة في إقصاء وطرد جماعات الانحراف أدعياء السفارة كلّما ظهرت لهم راية.
هذا ومقتضى الأدلّة السابقة هو بطلان مدّعي النيابة الخاصّة وأدعياء السفارة، ومَن يزعم أيّ صفة رسميّة خاصّة للتمثيل عن الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلى سماع النداء والصيحة من السماء، واستيلاء السفياني على الشام كما دلّت عليه الروايات.
المصدر: مجلة اليقين العدد (9)