الماتُريدية

مذهب كلامي ينسب إلى مؤسسه أبي منصور محمد بن محمد بن محمود الماتُريدي السمرقندي، المتوفى سنة 333هـ. والماتُريدي نسبة إلى محلة (ماتُريد) في سمرقند من بلاد ما وراء النهر (جيحون)، حيث ولد، وترعرع، ودرس، ودفن، مع انه لم يَذكُر من ترجم له إلا اليسير عن حياته، ومسيرته العلمية، فلا يعرف على وجه التحديد سنة ولادته، إلا أنهم يرجحون حصولها فيما بين سنة 240هـ وسنة 250هـ، ولم يعرف عن مشايخه إلا أربعة منهم، وكان إلى إمامته في أصول الدين والكلام، أحد فقهاء الحنفية، أخذ الفقه عن شيخه نصير بن يحيى البلخي المتوفى سنة 268هـ.

النشأة:

واجهت الأمة الإسلامية من بدايات القرن الثاني، معارك عقدية وفقهية من مناظرات ومجادلات، لاسيما في علم الكلام، ومن أبرز الفرق التي اشتهرت في تلك الحقبة هم المعتزلة، الذين عرفوا بتحكيم العقل حتى في قبال النص الشرعي، فتصدى لهم من خالفهم من أئمة المذاهب وعلمائها، وكان من بين هؤلاء أبو منصور الماتُريدي، وإن كان ظهوره متأخراً إلى بدايات القرن الرابع.

يقول أبو زهرة - أحد علماء أهل السنة المعاصرين- في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية: «عاش أبو منصور الماتُريدي وأبو الحسن الأشعري في عصر واحد...» إلى أن يقول: «أما أبو منصور الماتُريدي فكان بعيداً عن المعركة، لكن تردد صداها في أرجاء الأرض التي يسكنها، فكان في بلاد ما وراء النهر معتزلة يرددون أقوال معتزلة العراق، وقد تصدى لهم الماتُريدي»[1].

من معتقدات الماتُريدية

أساس اعتقادهم قائم على التوفيق بين المعقول والمنقول دون تكلّف وتمحّل، وبذلك اختلفوا عن نظرائهم والأقرب إليهم اعتقاداً، وهم الأشاعرة، إذ إن الأشاعرة لا تقيم لسلطان العقل الاجتهادي وزناً أمام النصوص، وتستعين به للفهم والاستيعاب فقط.

أُتُهِمَ الماتُريدية من قبل أعدائهم من أهل الحديث وغيرهم بأنهم معطلة، وذلك لأنهم أثبتوا الأسماء لله تعالى دونما الصفات، واستثنوا ثمانية منها فقط، وتعرف بصفات المعاني، وعند الأشاعرة وغيرهم من المذاهب يعدّونها سبعة، وكذلك لأنهم يؤولون الصفات الخبرية لله تعالى درءاً للوقوع في التجسيم والتشبيه، كما وقع فيه أهل الحديث أو الحشوية وغيرهم.

أما نقاط الاختلاف بين الماتُريدية والأشاعرة، فقد وقع فيها الخلاف الكثير، فمنهم من عدها 40 مسألة، ومنهم من قال 17 مسألة، وآخر قال 13، وهذا ما ذهب إليه ابن السبكي الشافعي الأشعري في طبقاته فقال: «.. منها معنوي ست مسائل، والباقي لفظي. وتلك الست المعنوية لا تقتضي مخالفتهم لنا ولا مخالفتنا لهم تكفيراً ولا تبديعاً..» ولعل من أفضل من أوجز في هذه المسألة هو الشيخ محمد سعيد البوطي - أحد علماء أهل السنة المعاصرين-، فقد أحصى في كتابه (المذاهب التوحيدية والفلسفة المعاصرة) خمسة من المسائل، كونها مسائل جوهرية ومهمة، وهي كالتالي:

1- دور العقل في معرفة الله وإدراك وجوب عبادته.

2- دور العقل في الكشف عن حسن أو قبح ذاتي في الأشياء.

3-ارتباط أفعال الله بالحِكَم أو العلل الغائبة.

4-مسألة الإرادة والرضا والفرق بينهما.

5-الاختيار والكسب.

المصدر: مجلة اليقين العدد (18 - 19)


[1] المذاهب الاسلامية، ص292.