عندما كنت صغيراً، كنت أفهم من العيدين - عيد الفطر وعيد الأضحى ـ أنها أيام للترفيه عن النفس، حيث يعطّل الناس أعمالهم، حتى الدوام الرسمي في الدوائر الحكومية، فيكون يوم العيد يوم الحرية المطلقة ويوم الأفراح والتعبير عن كل ما في الضمير من السرور والبهجة بشتى الوسائل.
نعم كنت أفهم أن هناك صلاة يؤدّيها أبي صباح يوم العيد، وكنت أنتظر رجوعه بلهفة، لأن يديه تحملان الحلوى اللذيذة.
وعندما حل عيد الأضحى في السنة الماضية حصل تطور في فكرة العيد لديّ، خصوصاً وقد بلغ عمري السنة السادسة عشرة، عندما اشترى أبي ـ قبل يوم العيد بخمسة أيام ـ كبشاً، وظلّ يرعاه حتى حلّ يوم العاشر من ذي الحجة – وهو يوم عيد الأضحى ـ حيث اتصل أبي بأحدهم وقال له نحن بانتظارك الآن.
ظننت أننا سنستقبل عمّي وأولاده كما هي الحال كل سنة، لكن عندما طُرقت الباب وفتحتها وجدت أمامي قصّاباً بثياب العمل، وهو ينتطق جعبةً فيها سكّين وآلات القصابة الأخرى.
فهِمْتُ أنه جاء لذبح الخروف، وسمعْت منه يخاطب أبي بقوله: أنا على عجلة فعندي أضاحٍ كثيرة هذا اليوم.
في الواقع فهمت من حاله وطريقة كلامه أن هذا الكبش هو المقصود بالأضحية، وأن هناك كِباشٍ أخرى تنتظر مصيرها على يد هذا القصاب، لكني سألت نفسي: لماذا في هذا اليوم بالذات ليتضايق هذا القصاب في وقته؟!
وبينما ينشغل القصّاب بالذبح والصلخ سألت أبي: لماذا لم نذبحه ليلة أمس؛ حتى لا نحرج القصّاب في الوقت؟
أجاب والدي: لا يصح، فإن وقت الأضحية يوم العيد.
قلت: ولمَ لمْ نضحِّ في السنين السابقة؟
أجاب أبي: أولاً، هذه الأضحية مستحبة وليست واجبة مثل أضحية الحجاج التي يسمونها الهَديُ، وثانياً، في السنين الماضية لم يكن عندي من المال ما يكفي لشراء الذبيحة، وهذه السنة رزقنا الله تعالى فالحمد والشكر له.
سألته: وهل يجوز ذبح أي حيوان بعنوان الأضحية كالدجاج مثلاً، خصوصاً لمن لا يملك ثمن الكبش؟
أجاب أبي: لا يا بني، يعتبر في الأضحية أن تكون من الأنعام الثلاثة الإبل والبقر والغنم، كما يجب أن تكون بأعمار معينة، فلا يجزي - على الأحوط - من الإبل إلا ما أكمل السنة الخامسة ومن البقر والمعز إلا ما أكمل الثانية ومن الضأن الا ما أكمل الشهر السابع.
قلت لأبي: بعض الأحيان تكون الشاة أو البقرة ناقصة كأن تكون مبتورة الرجل أو الأذن وتكون عادة أقل ثمناً من الصحيحة، فهل يجوز أن تذبح كأضحية من باب التسهيل على المسلمين بقلة الثمن؟
أجاب أبي: يشترط أن يكون خالياً من النقص والعيب في الهدي الواجب الذي يذبحه الحاج في منى، أما في الأضحية المستحبة التي يذبحها المسلمون في كل بقاع الأرض يوم العيد فلا يشترط فيها من الأوصاف ما يشترط في الهدي الواجب، فيجوز أن يضحى بالأعور والأعرج والمقطوع أذنه والمكسور قرنه والخصي والمهزول وان كان الأحوط الأفضل أن يكون تام الأعضاء، سميناً ويكره أن يكون مما ربّاه.
قلت: وهل تُعطى لحومها للفقراء؟
أجاب أبي: يجوز لمن يضحّي أن يخصّص ثلثه لنفسه أو إطعام أهله به، كما يجوز له أن يهدي ثلثاً منه لمن يحبّ من المسلمين، والأحوط الأفضل أن يتصدق بالثلث الآخر على فقراء المسلمين.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (31)