قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما كان مع أمير المؤمنين من يعرف حقه إلا صعصعة وآصحابه..)[1].
(مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) في سبيل الله ونصرة دينه وأوليائه، محمد وآله الطاهرين(صلى الله عليه وآله)، ومن هؤلاء الرجال الأفذاذ من سُطِّرت أسماؤهم بأحرف من نور في تأريخ الإنسانية، لما كانوا يتمتعون به من إيمان راسخ وتقوى عالية وورع يحجزهم عن مخالفة الله وأوليائه، فكانوا مصداق قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)[2]، فعاش سعيدا في طاعة الله، ومضى حميدا برضوان الله تعالى، ومن هؤلاء الأفذاذ التابعي الكبير صعصعة بن صوحان العبدي .
اسمه وكنيته:
أبو طلحة، صعصعة بن صوحان بن حجر العبدي.
شرف النسب:
قال ابن سعد في نسب صعصعة: (صعصعة بن صوحان بن حجر بن الحارث بن الهجرس بن صبرة بن حدرجان بن عساس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن أفصى بن عبد القيس من ربيعة وكان صعصعة أخا زيد بن صوحان لأبيه وأمه وكان صعصعة يكنى أبا طلحة)[3]
قبيلته:
ينتهي نسبه إلى قبيلة عبد القيس وكان صعصعة بن صوحان يفتخر بنسبه إلى هذه القبيلة وينقل لنا المسعودي في مروجه: عندما أرسل الإمام علي (عليه السلام) صعصعة بكتاب إلى معاوية بالشام سأله معاوية بقوله: وما كان عبد القيس؟ فقال له صعصعة مفتخرا: (كان خصيباً خضرماً أبيض وهّاباً لضيفه مايجد، ولا يسأل عما فقد، كثير المرق، طيب العرق، يقوم للناس مقام الغيث من السماء)[4].
ولادته:
لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ومكانها، إلّا أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري.
صحبته:
كان (رضي الله عنه) من أصحاب الإمام علي (عليه السلام).
قوله يوم بايع الإمام عليا (عليه السلام): قال (رضي الله عنه) يوم بايع الإمام علياً (عليه السلام) على الخلافة: (والله، يا أمير المؤمنين، لقد زيّنت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، ولهي إليك أحوج منك إليها)[5].
ما قيل فيه:
قال الإمام علي (عليه السلام): (هَذَا الْخَطِيبُ الشَّحْشَحُ)[6]، قال ابن أبي الحديد المعتزلي: (هذه الكلمة قالها الإمام علي (عليه السلام) لصعصعة بن صوحان العبدي رحمه الله، وكفى صعصعة بها فخراً أن يكون مثل الإمام علي (عليه السلام) يُثني عليه بالمهارة وفصاحة اللسان، وكان صعصعة من أفصح الناس)[7].
وقال ابن عباس (رضي الله عنه): (والله يا ابن صوحان، إنّك لسليل أقوام كرام خطباء فصحاء ما ورثت هذا عن كلالة)[8].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما كان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) مَن يعرف حقّه إلّا صعصعة وأصحابه)[9].
فصاحته في محضر عثمان:
عن الشعبي، عن صعصعة بن صوحان العبدي (رحمه الله) قال: دخلت على عثمان بن عفان في نفر من المصريين فقال عثمان: قدِّموا رجلاً منكم يكلمني، فقدَّموني، فقال عثمان: هذا؟ ـ وكأنه استحدثني ـ فقلت له: إن العلم لو كان بالسن لم يكن لي ولا لك فيه سهم، ولكنه بالتعلم، فقال عثمان هاتِ.
فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[10]، فقال عثمان: فينا نزلت هذه الآية، فقلت له: فمُر بالمعروف وانه عن المنكر، فقال عثمان: دع هذا وهات ما معك، فقلت له: بسم الله الرحمن الرحيم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا الله)[11]، فقال عثمان: وهذه أيضا نزلت فينا، فقلت له: فأعطنا بما أخذت من الله، فقال عثمان: ياأيها الناس عليكم بالسمع والطاعة، فإن يد الله على الجماعة، وإن الشيطان مع الفذّ (الفرد) فلا تستمعوا إلى قول هذا، وإن هذا لا يدري مَن الله ولا أين الله، فقلت له: أما قولك: عليكم بالسمع والطاعة فإنك تريد منا أن نقول غدا: (. . رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ)[12]، وأما قولك: أنا لا أدري من الله، فإن الله ربنا ورب آبائنا الأولين، وأما قولك: أني لا أدري أين الله، فإن الله تعالى بالمرصاد. قال: فغضب وأمر بصرفنا وغلق الأبواب دوننا)[13] .
عيادة الإمام علي (عليه السلام) له:
عن أحمد بن أبي نصر، قال : كنت عند أبي الحسن الثاني (عليه السلام)، قال: ولا أعلم إلا قام ونفض الفراش بيده ثم قال لي: (يا أحمد إن أمير المؤمنين (عليه السلام) عاد صعصعة بن صوحان في مرضه، فقال له: (يا صعصعة، لا تتخذ عيادتي لك أبهة على قومك)، قال: فلمّا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لصعصعة هذه المقالة، قال صعصعة: بلى والله أعدّها منّة من الله عليّ وفضلاً، قال: فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّي كنت ما عَلِمتُك إلّا لخَفيفَ المؤونة، حَسَن المعونة )، قال: فقال صعصعة: وأنت والله يا أمير المؤمنين، ما علمتك إلّا بالله عليماً، وبالمؤمنين رؤوفاً رحيماً)[14].
نفيه وإبعاده:
قام المغيرة بن شعبة والي الكوفة من قبل معاوية بنفيه (رضي الله عنه) وإبعاده إلى جزيرة أوال - وهي جزيرة البحرين اليوم - بأمر من معاوية بن أبي سفيان.
وفاته:
تُوفّي (رضي الله عنه) ما بين عام 56هـ إلى 60هـ، وقد اختلف في موضع وفاته، البعض قال في الكوفة ولم يعرف له قبر فيها، وذكر ابن حجر: (إن المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة إلى الجزيرة أو إلى البحرين، وقيل إلى جزيرة ابن كافان فمات بها)[15].
وهذا القول أقرب إلى الواقع، حيث يقع قبر صعصعة في جزيرة أوال سابقاً، مملكة البحرين حالياً، في قرية عسكر بالبحرين، ودُفن بها، وقبره معروف يُزار.
مجلة بيوت المتقين العدد (23)
[1] اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي: ج١، ص ٢٨٥.
[2] سورة العنكبوت: آية 69.
[3] الطبقات الكبرى لابن سعد : ج6، ص212.
[4] مروج الذهب المسعودي: ج3، ص73.
[5] الكافي، الشيخ الكليني: ج7، ص203.
[6] نهج البلاغة: ج4، ص57.
[7] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج19، ص107.
[8] مروج الذهب المسعودي: ج3، ص45.
[9] رجال ابن داوود الحلي: ص111.
[10] سورة الحج: آية41.
[11] سورة الحج: آية 40.
[12] سورة الأحزاب: آية 67.
[13] الأمالي الشيخ الطوسي: ص 368.
[14] معجم رجال الحديث السيد الخوئي: ج10، ص113.
[15] الإصابة لابن حجر: ج3، ص373.