من المعتقدات الثابتة في الذهنية الشيعية -وفقاً للأدلّة الصحيحة واليقينية- هو أنّ الأئمّة (عليهم السلام) يعلمون بأعمال الناس، وهي تُعرض عليهم ويشرفون عليها، وفقاً للأدلة الكثيرة التي ساقتها المرويات الصحيحة عن أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، فقد جاء هذا الأمر في صريح الكتاب العزيز، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)[1]، فالمؤمنون في الآية المباركة هم أهل بيت البيت (عليهم السلام)، فقد روي عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) قال: (هم الأئمة)[2].
وعن عبد الله بن أبان الزيات وكان مكينا عند الرضا (عليه السلام) قال: قلت للرضا (عليه السلام): ادع الله لي ولأهل بيتي فقال: أو لست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة، قال: فاستعظمت ذلك، فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عز وجل: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)؟ قال: هو والله علي بن أبي طالب (عليه السلام)
وبما أن الإمام الموعود (عجل الله فرجه الشريف) هو الإمام الثاني عشر من أئمة تلك السلسلة المعصومة الطاهرة التي خصها الله تعالى بالاجتباء والاصطفاء لخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحفاظ على دين الله تعالى، فهو يعلم أعمال العباد، وتعرض عليه، ويشرف على حسنها وسيئها أيضاً، فقد روي ما يُشير إلى هذه الحقيقة، وهو أن العلم يمرُّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم على أهل بيته (عليهم السلام) إلى أن يصل إلى إمام الزمان، من قبيل ما روي عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: (لَوْ لَا أَنَّا نَزْدَادُ لأَنْفَدْنَا، قَالَ: قُلْتُ: تَزْدَادُونَ شَيْئاً لَا يَعْلَمُه رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله)؟ قَالَ: أَمَا إِنَّه إِذَا كَانَ ذَلِكَ عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ عَلَى الأَئِمَّةِ ثُمَّ انْتَهَى الأَمْرُ إِلَيْنَا).
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: لَيْسَ يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) ثُمَّ بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ لِكَيْلَا يَكُونَ آخِرُنَا أَعْلَمَ مِنْ أَوَّلِنَا)[3].
وليكن معلوماً وواضحاً أن إطلاع أهل البيت (عليهم السلام) على أعمال العباد هو بمعنى اطلاعهم على حقائق الأعمال لا ظواهرها، وبنواياها الحقيقية التي أحصاها الله تعالى.
ثم إنهذه الخصوصية التي حباها الله جلا وعلا لأهل البيت (عليهم السلام) ولصاحب الأمر (عجل الله فرجه الشريف) بالخصوص -لإنه هو الإمام الفعلي المطلع على أعمالنا- تترك آثاراً عقائدية وتربوية كثيرة على الأفراد، وأقل ما يقال إن تلك الآثار تترك مراقبة دقيقة من قبل المؤمن لإمامه (عجل الله فرجه الشريف)، وتجعله يرقب أعماله في كل صغيرة وكبيرة، يخاف أن تكون منه زلة أو معصية أو سلوك غير مرضي فيبعد عن ساحة الانتظار والترقب لدولة الحق، مما يجعله في انتباه دائم وتيقظ عند كل قول أو فعل يصدر منه، فإذا كان المؤمن قد وصل إلى درجة المراقبة الدقيقة والتيقظ المستمر فإنه وصل إلى الهدف المطلوب التي يريده إمام العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، وهذا الحال هو من أحسن الأحوال التي يتمناها كل مؤمن ومؤمنة، فقد ورد في الأثر الصحيح عن الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام)أنّه قال: (إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ الْقَائِلُونَ بِإِمَامَتِهِ الْمُنْتَظِرُونَ لِظُهُورِهِ أَفْضَلُ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَعْطَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ وَالْمَعْرِفَةِ مَا صَارَتْ بِهِ الْغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاهَدَةِ، وَجَعَلَهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله) بِالسَّيْفِ، أُولَئِكَ الْمُخْلَصُونَ حَقّاً، وَشِيعَتُنَا صِدْقاً، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِ اللهِ سِرّاً وَ جَهْراً)[4]، ومن المعلوم أن المقصود بالانتظار هو الترقب والتهيؤ لمجيء المنقذ العالمي، والاشتياق الدائم لتلك الطلعة الرشيدة، والاستقامة والالتزام بما يريده الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام)، لأن هذا كله يحقق الانتظار المطلوب.
المصدر: مجلة اليقين العدد (48)