الحكمة في خفاء وقت ظهور الإمام (عجل الله فرجه الشريف)

إنّ العلة في النهي عن توقيت أو تحديد أو تعيين يوم الظهور يرتبط بالحكمة الإلهية، وبالأسرار الكثيرة التي تكتنف سيرتة، وحياته (عجل الله فرجه الشريف) كقضية الغيبة مثلاً، لذا فالسر الأساس في عدم التوقيت ربما يرتبط بشؤون علم الغيب، وقد أخفى الله تبارك وتعالى وقت ظهور وليّه (عليه السلام)، ليكون المؤمنون منتظرين له (عليه السلام) في جميع أوقاتهم، وقد روي في (الإقبال) عن الإمام الصادق (عليه السلام)
 أنّه قال لحمّاد بن عثمان: (.. وتوقَّعْ أمرَ صاحبِك ليلَكَ ونهارك، فإنّ الله كلَّ يومٍ هو في شأن، لا يَشغَلُه شأنٌ عن شأن ..)[1].

 وعن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:  (أقربُ ما يكون العباد إلى الله عزّو جلّ وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حُجّة الله فلم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة الله... فعندها فتوقَّعوا الفَرَج كلّ صباحٍ ومساء ...)[2].

  فانتظار ظهور الإمام (عجل الله فرجه الشريف) يدعو المؤمنين إلى التقيّد بأوامر الشريعة الغرّاء ونواهيها، وإلى الاستقامة على جادّة الصراط؛ لأن ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)ـ الذي سيكون مُباغتاً ـ يعني قيام دولته التي ينتصف فيها للمظلوم من الظالم، يُضاف إلى ذلك أنّ الأمّة التي تعيش الاعتقاد بالمهدي الحيّ الموعود –تعيش- حالة الشعور بالعزّة والكرامة، فلا تذلّ لجبروت أعداء الله تعالى وطغيانهم، ولا تتقهقر أمام هجماتهم مهما بلغت في الشراسة، لأنّها تتطلّع إلى ظهوره المظفّر في كلّ ساعة، فهي - لذلك - تأنف من الهَوان والذُّل، وتستصغر قوى الاستكبار مهما بلغتْ من عُدّة أو عَدَد.

وقد روي عن أبي المرهف قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (هلكت المحاضير، قال: قلت: وما المحاضير؟ قال: المستعجلون، ونجا المقرّون..)[3] ، ومفادها ظاهراً وقوع المستعجلين لأمر ظهوره (عجل الله فرجه الشريف) في الهلكة والضلال، وكذلك الذين يعيشون عالم التمنّي لتوقيت ظهوره ممّا يحدو بهم إلى العفويّة في الانسياق وراء كلّ ناعق، وهذه الحيرة والاضطراب ليست إلاّ للانقطاع وفقد الاتّصال، وهو مقتضى الصبر والانتظار والترقّب؛ لأنّه في مورد فقد الاتّصال وانقطاع الخبر وعدم وسيلة للارتباط. وكذلك مفاد روايات التمحيص والامتحان بسبب شدّة المحنة في غيبته بفقد واسطة الارتباط، فتزداد الريبة بوجوده حتّى يرجع أكثر القائلين بإمامته عن هذا الاعتقاد، لا سيّما مع كثرة الفتن والمحن والبلاء.

وعن منصور الصيقل، قال: دخلت على أبي جعفر الباقر(عليه السلام)  وعنده جماعة، فبينا نحن نتحدّث وهو على بعض أصحابه مقبل؛ إذ التفت إلينا وقال: (في أي شيء أنتم، هيهات هيهات، لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تمحّصوا، هيهات، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تميّزوا، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تغربلوا، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يشقى من شقي، ويسعد من سعد)[4].
 ويستفاد منها الحذر من الانجرار وراء كلّ مدّعي، وذلك بسبب قلّة الصبر والضعف عن الثبات في الفتن لقلّة البصيرة.

فالمراد من الانتظار هو وجوب التمهيد والتوطئة لظهور الإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) وعلى أساس ما تقدم ننتهي إلى النتيجة الآتية وهي: إن الانتظار ليس هو التسليم.. وإنما هو واجب أخر يضاف إلى قائمة الواجبات الإسلامية.

 فعن يمان التمّار قال: كنّا عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) جلوساً فقال لنا: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينة كالخارط للقتاد، ثم قال: هكذا بيده، فأيّكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق مليّاً، ثم قال (عليه السلام): إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه)[5].

 


[1] السيد ابن طاووس:ج1،ص368.

[2] الكافي للكليني:ج1،ص333.

[3] الغَيبة للنعماني:ص203.

[4] قرب الإسناد للحميري القمي:ص369.

[5] الكافي للكليني، ج1، ص335.