لم تعشْ فاطمة المعصومة أيامها كباقي الناس، فقد كانت أياماً ملؤها المحن والمصائب، ومضايقات رافقت مسيرة حياتها.
فقد تفنّن بنو العباس في أذى أهل البيت (عليهم السلام)، وقد عاصرت السيّدة المعصومة وتحمّلت قسماً كبيراً من ذلك الأذى صابرة محتسبة.
ففي صغرها عاشت مصيبة فقد أبيها الإمام الكاظم (عليه السلام) مغيّباً في السجون، وختمتْ مصيبتها به بشهادته على أيديهم، لتبدأ محنة التضييق والمراقبة لتحركات بيت الإمام (عليه السلام).
ولم يكن الأمر أهونَ بعد تسلّم المأمون الخلافة العباسية، فقد أمر المأمون (لعنه الله) قائد جيشه (الجلودي) أن يقتحم بيت الإمام الرضا (عليه السلام) في المدينة مع دور آل أبي طالب، ليسلب حلل نسائهم وثيابهن، وبالفعل هجم الجالودي على دار الإمام بجيشه، إلّا أنّ الإمام اعترضه ولم يسمح له حتى أراد أن ينفذ مأربه بالقوة.. فجمع الإمام النساء والتي كانت منهن فاطمة المعصومة في حجرة واحدة.. وبعد إصرار اللعين بتنفيذ أمر أميره، قال له الإمام: «أنا أسلبهن إليك وأحلف أن لا أدع عليهن شيئاً إلا أخذته»[1].
كما وعاشت ألم الفراق الأليم لأخيها الإمام الرضا(عليه السلام) إذ أُحضر مرغماً من المدينة إلى مرو بحالة من البكاء.. فقد قال الإمام لعياله: أَما إنّي لا أرجع إلى عيالي أبداً.
وواجهت هذه السيّدة الجليلة مصائب فقد الأحبة وقتل الإخوة أمام عينها، ذلك في مسيرتها إلى أخيها الإمام الرضا(عليه السلام) حينما غادرت المدينة وألمّ بها المرض، وكانت في موكب مع إخوتها، هارون، وفضل، وجعفر، وهادي، وقاسم، وبعض من أولاد إخوتها، وبعض الخدم، وقد أتّخذ هذا الركب طريق ساوة، وأرسل لهم المأمون جيشاً وقتلوا مَنْ فيه وشرّدوهم.
ثمّ سألت عن بلدة (قم)، كم تبعد؟
فقيل لها تبعد عشرة فراسخ (ثمانين كيلو مترا).
فقالت: احملوني إليها.
وقد توجّهت نحو بلدة قم، وقد كان خبرها قد وصل إلى (قم) فخرج أشرافها لاستقبالها، يتقدّمهم موسى بن خزرج الأشعري، فمكثت في بيته سبعة عشر يوماً، ولم يفارقها المرض.
ورغم ذلك كلّه فإنّها لم تفتر أو تضعف عن العبادة، خصّصت موقعاً من البيت ليكون محراباً لعبادتها، إلى أن جاء أمر الله، وفارقت روحها الطاهرة الحياة، ورفعت إلى بارئها، وهي في حسرة على لقاء أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) الذي لم تحض بلقائه.
مجلة ولاء الشباب العدد (56)