الحِلْم بالكسر: هي الأناة والعقل، ونقيضُهُ… السَّفَه. والأناة: هي ترك العَجَلَة. والحِلْمُ ضبط النَّفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه أحلام[1]. وبذلك فالحِلْمُ: هو الأناة والتسامح والصفح وإمساك النفس عن الاسْتِشاطَة في الغضب، ومَلك الجوارح عن إيقاد جمرة الشّر، والسُّكون والهدوء عند الأحوال المثيرة للانتقام.
الحِلْم والحَليم اسم وصفة من صفات الله (عزّ وجلّ):
لقد ورد اسم الحليم في حق الله (عزّ وجلّ) إحدى عشرة مرّة منها: قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ)[2] وقوله تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً وَالله غَنِيٌّ حَلِيمٌ)[3]. إذاً، فالحليم يعني أنّه ذو أناة، الذي لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم. وهو ذو الصفح والأناة، الذي لا يستفِزُّهُ غَضَبٌ، ولا يستخفُّهُ جهل جاهلٍ، ولا عصيان عاصٍ.
وعلى ذلك نستخلص معنى الله الحليم، أي: الصبور الذي لا يستخفُّه سبحانه عصيان العصاة ولا يستفزَّه الغضب عليهم؛ لأنّه لو أراد أخذهم في لحظة عصيانهم لأخذهم، ولكن يحلم عليهم ويؤخرَّهم إلى أجلهم الذي يوعَدون. كما أنّه لا يعجل بالانتقام من عباده المجرمين العُصاة ليفسح لهم مجالات التوبة إلى الله (عزّ وجلّ)، وليقيم الحجة عليهم بأنّهم لم يُصلحوا قلوبهم وأعمالهم بعد حلمه الطويل عليهم. قال تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً)[4]، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً)[5].
حِلْمُ الأنبياء:
وصف الله (عزّ وجلّ) أنبياءه بالحلم؛ إذ قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)[6]، وقال عن شعيب (عليه السلام): (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)[7]، وعن إسحاق (عليه السلام): (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)[8]. فقد كانوا أنبياء الله من أشدّ الناس حِلْماً وصبراً على أقوامهم من الكفار والمشركين وعانوا منهم العناء الكبير، والشاهد في ذلك ما عاناه رسولنا الكريم في حياته من آلام وأحزان صلوات الله وسلامه عليه.
فلقد آذى مشرِكو مكة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولما اشتدّ أذاهم خرج (صلى الله عليه وآله) إلى الطائف يلتمس النُّصرة من ثقيف وأن يدخلوا في دين الإسلام، فلمّا قدِم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الطائف، عَمِد إلى نفر من سادة ثقيف وأشرافهم، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله فاستهزؤوا به(صلى الله عليه وآله) وأغَرُّوا به سفهاءهم، وعبيدهم يسبّونه، ويرجمونه بالحجارة، حتى أُدميت قدماه الشريفتان وفاض قلبه ولسانه بدعاء شكا فيه إلى الله ضعف قوته، وقلّة حيلته، وهوانه على الناس، فأرسل الله إليه مَلَك الجبال يستأذنه في أن يطبق الأخْشَبَيْن ـ الجبلين اللذين بينهما الطائف ـ فقال له عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: «بل أرجو أن يخرج من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً. وهذا الحِلْم كان من أسباب نجاح الدعوة الإسلامية[9].
حِلْمُ الإنسان المسلم:
الحِلْمُ من الخصال العظيمة والحميدة التي يريد الله من عباده أن يتخلَّقوا بها ويتَّصفوا بها، وهي خصلة يحبها الله ورسوله، كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لأَشَج بن القَيْس: «إنَّ فيك لَخصلتين يُحبُّهما الله: الحِلْمُ والأناة»[10].
فالحِلْم من أشرف الأخلاق والصفات، وأحقِّها بذوي الألباب والقلوب المتعلّقة بالله سبحانه وتعالى، لما فيه من سلامة العِرض وصَوْنِه، وراحة الجسد ورُكونِه، واجتلاب الحمد والتَّنعُّم بالمغفرة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (63)