هناك نظريتان في حكم الإمام (عليه السلام) في عصر الظهور:
النظرية الأولى: وهي التي تجول في أذهان أغلب الناس، وهي أن عصر الظهور سيكون عصر الإعجاز الإلهي بكل المقاييس، وسيكون سلوك الإمام إعجازيّاً في إدارة الأمور، لذلك فإن ذلك الزمن هو عالم من نمط آخر، يختلف عن عالمنا كثيراً من جميع النواحي، النفسية، والروحية، والعقلية، والفكرية، والمادية، وغير ذلك من جوانب الحياة.
النظرية الثانية: يرى أصحاب هذه النظرية أن سلوك الإمام (عليه السلام) والناس كذلك ما بعد الظهور لا يختلف عن زماننا من حيث كونه خاضع لعالم الأسباب والمسببات، ولا ينكرون الإعجاز لكنه يكون في حالات استثنائية خاصة ونادرة، لا يمكن أن ينسب له نظام الحياة.
أصحاب هذه النظرية يرون أن كل ما يحدث في عصر الظهور فإنه مفسَّر ومبرَّر ومعلَّل علمياً، وان كل قضية يمكن أن تدرس من زاوية علمية، وتبرهن وتوضح بحسب أدلتها ومعطياتها، فلماذا نلجأ للإعجاز؟ فمثلاً رواية الإمام الصادق (عليه السلام): «إنَّ قائمنا إذا قام، مدَّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتّى لا يكون بينهم وبين القائم بريد؛ يكلّمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه»[1].
هذه الرواية فسروها حسب التطور العلمي الحديث، فإنه يمكن للإنسان أن ينظر في شاشة صغيرة، فيرى صاحبه وهو في الغرب أو في الشرق، ويسمع كلامه أيضاً، وهكذا بقية الروايات.
النظرية الثالثة: وهي نظرية الجمع والتوفيق بين نظرية الأسباب والمسببات وبين نظرية الإعجاز.
فتلاحظ سنة الله في الكون القائمة على الأسباب الطبيعية، وبين ملاحظة الروايات التي تتحدث عن إعجاز لا شك فيه.
ترى هذه النظرية أنه سيكون عصر الظهور هو مجمع الاثنين معاً، فمن جهة سيكون البشر قمة في العلم وقمة في المعرفة، إما كلهم أو النخبة منهم، وأن البشر بشكل عام سيكونون كأشد ما يكونون من التهيؤ المعرفي والديني لاستقبال هذا الحدث العظيم، وإن كلا الأمرين سيكون في أعلى الدرجات، فعالم الأسباب الطبيعية والعلل العلمية سيبلغ أقصى مستوىً، وعالم الإعجاز أيضاً سيبلغ أقصى مدىً ممكن.
على هذا تتضح الأعمال والمعطيات التي ترتبط بعصر الظهور، وكيف يتصرّف المؤمنون إرهاصاً لذلك الزمن المبارك، فإذا بنى المؤمن مسجداً أو حسينية، فإن هذا العمل ربما خطوة في طريق الظهور، كما أنه لو أسس جامعة علمية أيضاً ربما تكون سبباً في رقي البشرية علمياً أو معرفياً، بالتالي تكون خطوة نحو عصر الظهور.
إذاً تزكية الأنفس وتهذيبها وإن كان عاملا أساسياً جوهرياً أكيداً لا شك فيه، ليست هي العامل الوحيد المقرب لعصر الظهور، بل إن أي إنجاز علمي أو معرفي فإنه يحتمل أن يكون من مقدمات عصر الظهور أيضاً.
إذا نظرنا للقضية من هذه الزاوية فإن أَجْرَنا على أي عمل نقوم به علمياً كان أو معرفياً أو صناعياً أو زراعياً أو تربوياً، سيكون عندئذ محسوباً ومقدراً إذا كان مصحوباً بالنية الصالحة، وسيكون مباركاً، ويكتب له الأجر والثواب، وهذا يشدّنا ويحثّنا على الازدياد من الجانب العلمي والمعرفي إضافة إلى الجانب الروحي والعقائدي، فلا بد أن نكون سبّاقين في كلا الحقلين بدل أن يستقل غيرنا بالجانب المعرفي.
والخلاصة: إن كل خطوة روحية أو علمية أو معرفية بشرط موافقتها لشروط الاستقامة؛ هو خطوة نحو عصر الظهور، فكل محاضرة تُلقى، وكل شخص يُربى، كل طفل يُنمّى ويزكّى، وكل مدرسة أو ميتم، أو حسينية أو مكتبة أو صندوق للإقراض الخيري يؤسس فإنه يحتمل أن يكون - بلطف الله تعالى - من العوامل الممهدة للظهور المبارك.
وعندئذ ستشرق الأرض بنور ربها، وسيكون المؤمنون جميعاً تحت خيمة إمامهم الذي تعيش النفوس والقلوب بانتظار وجهه المضيء، في ذلك اليوم الموعود الذي تزهر الأرض بالعدل والإنصاف، ويدحر الباطل ويزهق الجور وأهله، فسلام الله عليه جعلنا الله من أعوانه وأنصاره والمجاهدين بين يديه والمستشهدين بين يديه، إن شاء الله.
المصدر: مجلة اليقين العدد (53)