التجسيم الإلهي

إن أهم ما يذكر في هذه المناظرة هو اختلاف (الشيعة والسنّة) في رؤية الله تعالى من عدمها عند الطرفين، فقد أثبت وأخبر أهل السنة والجماعة عن رؤية الله تعالى لكل المؤمنين في الآخرة، فهذه عقيدتهم في الله تعالى في صحاحهم وفي كتبهم ومحاضراتهم، وأنهم سوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر ليس دونها سحاب، ويستدلون بالآية الكريمة: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[1]. وعندما نقرأ صحاح السنة والجماعة كالبخاري ومسلم مثلا نجد روايات كثيرة تؤكد الرؤية حقيقة لا مجازا[2].

  بل نجد فيها تشبيها لله سبحانه، وأنه يضحك[3]. ويأتي ويمشي وينزل إلى سماء الدنيا[4].

  بل ويكشف الله تعالى عن ساقه التي بها علامة يعرف بها (صحيح البخاري: ج 9 ص 159) ويضع رجله في جهنم فتمتلئ وتقول قط قط[5] إلى غير ذلك من الأشياء والأوصاف التي يتنزه الله جل وعلا عن أمثالها.

  فيروى أن التيجاني ـ الشيخ محمد التیجاني السماوي عالم دين تونسي، نشأ على مذهب المالكية، ثم اعتنق مذهب الجعفرية ـ مر بمدينة (لامو) في كينيا بشرق إفريقيا، ووجد إماما من الوهابية في أحد مساجدها يحاضر المصلين ويقول لهم: بأن لله يدين ورجلين وعينين ووجها، فأستنكر التيجاني عليه ذلك! فقام امام المسجد يستدل بآيات من القرآن الكريم على ما قدمه كقوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)[6]. وقال أيضاً: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا...)[7]. وقال: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)[8].

فقال التيجاني للمحاضر: يا أخي، كل هذه الآيات التي أدليت بها وغيرها إنما هي مجاز وليست حقيقة!

فأجاب إمام المسجد قائلا: كل القرآن حقيقة وليس فيه مجاز!!

فقال التيجاني له: إذن ما هو تفسيركم للآية التي تقول: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا)[9]. فهل تحملون هذه الآية على المعنى الحقيقي؟ فكل أعمى في الدنيا يكون أعمى في الآخرة؟

فأجاب إمام المسجد: نحن نتكلم عن يد الله وعين الله ووجه الله، ولا دخل لنا في العميان!

فقال التيجاني: دعنا من العميان، فما هو تفسيركم في الآية التي ذكرتها أنت آنفا: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)[10]؟

عندها التفت امام المسجد إلى الحاضرين وقال لهم: هل فيكم من لم يفهم هذه الآية!؟ إنها واضحة جلية كقوله سبحانه: «.. كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ..»[11].

فقال له التيجاني: أنت زدت الطين بلة! يا أخي نحن إنما اختلفنا في القرآن، ادعيت أنت بأن القرآن ليس فيه مجاز وكله حقيقة! وادعيت أنا بأن في القرآن مجازا وبالخصوص الآيات التي فيها تجسيم لله تعالى أو تشبيه، وإذا أصررت على رأيك فيلزمك أن تقول، بأن كل شيء هالك إلا وجهه، معناه يداه ورجلاه وكل جسمه يفنى ويهلك، ولا يبقى منه إلا الوجه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!

ثم التفت التيجاني إلى الحاضرين قائلا: فهل ترضون بهذا التفسير؟

فسكت الجميع ولم يتكلم منهم أحد حتى شيخهم المحاضر لم يتكلم حتى بكلمة.

وعلق التيجاني: بمجرد اطلاعك على عقيدة الشيعة الإمامية في هذا الصدد يرتاح ضميرك، وتطمئن نفسك ويسلم عقلك بقبول تأويل الآيات القرآنية التي فيها تجسيم أو تشبيه لله تعالى وحملها على المجاز والاستعارة، لا على الحقيقة ولا على ظواهر الألفاظ، كما توهمه بعض أبناء السنّة.

عندها ودّعهم التيجاني وخرج داعيا لهم بالهداية والتوفيق[12].

مجلة اليقين، العدد (67)، الصفحة (8 - 9).

 


[1] القيامة: آية 23.

[2] صحيح البخاري: ج 9، ص 156 وج 6 ص 157 – 158.

[3] صحيح مسلم: ج 1، ص 166، ح 299.

[4] صحيح البخاري: ج 2، ص 66، وج 9، ص 175، صحيح مسلم: ج 1 ص 168 ح 302.

[5] صحيح البخاري: ج 9 ص 164.

[6] المائدة: آية64.

[7] هود: آية 37

[8] الرحمن: آية 36.

[9] الإسراء: آية 72.

[10] الرحمن: آية 26.

[11] القصص: آية 88.

[12] مناظرات في العقائد والأحكام للشيخ عبد الله الحسن: ج1، ص85.