أم سلمة وعائشة

إن الرؤية العامة لواقعة الجمل ودوران أَحداثها يتمحور حول فتنة مقتل عثمان بن عفان والأخذ بثأره، وقبل تأجج نار الفتنة وفدت عائشة بنت أبي بكر على أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) وهي في مكة.

فقالت عائشة لأم سلمة: يا بنت أبي أمية! إنك من أوائل المهاجرات، وكبيرة أمهات المؤمنين، وقد خُبّرت إن القوم استتابوا عثمان حتى إذا تاب وثبوا عليه فقتلوه، وقد سألني عبد الله بن عامر أن بالبصرة ماْئة ألف سيف يقتل فيها بعضهم بعضاً، فهل لك أن تسيري بنا إلى البصرة، لعل الله تبارك وتعالى أن يصلح هذا الأمر على يديّك؟

فقالت أم سلمة: أبدم عثمان تطلبين؟! وكنتِ أشدّ الناس عليه، وما كنتِ تسميه إِلاّ نعثلاً، فما لكِ ودمه؟ وعثمان رجل مِن عبد مناف، وأنتِ امرأة من بني تيم، ويحكِ! أَعلى عليٍّ وابنِ عَمِّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) تخرجين وقد بايعه المهاجرون والأنصار؟! اجعلي حصنَكِ بيتَكِ، وقاعة البيت قبرك، حتى تلقينه، وأنتِ على ذلك أطوع ما تكونين لله، وأنصر للدين.

فقالت عائشة: ما أعرفني بوعظك، وأقبلني لنصحكِ، ولنعم المسير مسير فزعتُ إليه، وأنا بين سائرة أو متأخرة، فإن أقعدْ فعن غير حرج، وإِن أسرِ فإِلى ما لا بُدَّ من الاَزدياد منه.

فقالت أم سلمة: إنكِ لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب(عليه السلام) عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أفأذكّرك؟

قالت: نعم.

فقالت أم سلمة: أتذكرين يومَ أقبل(صلى الله عليه وآله) ونحن معه، اختصَّ بعليٍّ يناجيه، فأطال، فأردّتِ أن تدخلين عليهما، فنهيتُكِ، وقلتُ لكِ: أراد أن يختص به لأمر جلل، فعصيتيني، فدَخَلتِ، فَمَا لَبِثْتِ أن رجعتِ باكية، وقلتِ لي: عندما دخلتُ عليهما، قلتِ لعلي(عليه السلام): ليس لي من رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلاّ يوم من تسعة أيّام ـ وهي أيام قسّمها النبي(صلى الله عليه وآله) بين زوجاته ـ، فهلا تركتَ لي يومي يا أبن أبي طالب! فأقبل عليكِ النبي(صلى الله عليه وآله)وهو غضبان محمرّ الوجه، قائلاً لكِ «ارجعي، والله لا يبغضه أحد إلاّ وهو خارج من الإيمان!».

  فقالت عائشة: نعم أذكر ذلك.

فقالت أم سلمة: وأذكّركِ أيضاً، عندما كنتُ وأنتِ مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنتِ تصبّين الماء على رأسه وأنا أفركه، فرفع رأسه وقال(صلى الله عليه وآله): «يا ليت شعري أيتكنّ صاحبة الجمل الأَذنب، تنبحها كلاب الحَوْأب، فتكون ناكبة على الصراط!» فرفعتُ يدي عن رأسه، ثم قال(صلى الله عليه وآله): «يا ابنة أبي أمية: إيّاك أن تكونيها يا حُميراء، فقد أنذرتك».

قالت عائشة: نعم.

قالت أم سلمة: وأُذكّركِ أيضاً، يوم كنتُ معكِ والنبي(صلى الله عليه وآله) في سفر له، وكان عليّ(عليه السلام) يتعاهد نعلَي رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيخصِفها، فأخذها يوماً وجلس لخصفها في ظل فيءٍ، وجاء أبوك ومعه عمر، فاستأذنا على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقمنا أنا وأنتِ إلى الحجاب، ودخلا يحادثانه، ثمّ قالا: يا رسول الله: إنّا لا نعلم قدر مكثك فينا، فلو أعلمتنا مَنْ يستخلف علينا، ليكون لنا بعدك مفزعاً؟ فقال(صلى الله عليه وآله) لهما: «لو فعلت لتفرّقتم عنه، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران»، فسكتا ثم خرجا، فلما خرجنا للنبيِّ(صلى الله عليه وآله) قلتِ يا عائشة له، مَنْ كنتَ يا رسول الله مستخلفاً عليهم؟ فقال(صلى الله عليه وآله): «خاصف النعل»، فنظرنا فلم نر أحداً إلا علياً(عليه السلام).

قالت عائشة: نعم أذكر.

فقالت أم سلمة: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟

فقالت عائشة: إنما أخرج للإِصلاح بين الناس، وأرجو فيه الأَجر.

فقالت أم سلمة: احذري ما حذّركِ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا تكوني صاحبة كلاب الحوأب، وإن عزمتِ الخروج فأنتِ ورأيكِ.

وتوجهتْ عائشة إلى حفصة فسألتها أن تخرج معها إلى البصرة، فأجابتها حفصة إلى ذلك[1].

مجلة اليقين، العدد (28)، الصفحة (8 - 9).

 


[1] كتاب (مناظرات في العقائد والأحكام) للشيخ عبد الله الحسن: ج1، ص87.