تعتقد الشيعة الإمامية أن الإمام كالنبي من ناحية الصفات والوظيفة، فيجب أن يكون أفضل الناس في جميع صفات الكمال من شجاعة وكرم وعفة وصدق وعدل، ومن تدبير وعقل وحكمة وخلق. والدليل في النبي هو نفسه الدليل في الإمام.
أما علم الإمام (عليه السلام) فإنه يوجد خلاف بين متكلمي الإمامية في أنّ علم الإمام (عليه السلام) هل هو حضوري أو إرادي؟ والمراد بالحضوري هو العلم الفعلي بالأشياء غير المعلق على الإرادة، والمراد بالإرادي هو العلم المعلق على الإرادة والمشيئة، فإذا كان من النوع الثاني إذا استجد شيء فالإمام لا بد أن يعلمه متى أراد وشاء، وليس له علم فعليّ سابق بالأشياء، بخلافه النوع الأوّل الذي هو العلم السابق بالأشياء بغض النظر عن الإرادة والمشيئة. ولا يكون في ذلك أي إشكال أو محذور لأنّه على كلا التقديرين ليس ذاتياً، بل هو موهوب وممنوح من الله سبحانه وتعالى بطريقة من الطرق المذكورة في محلها كمناشيء لعلم الإمام كالإلهام وهو الإدراك الصحيح لواقع الأشياء والنقر في الاسماع بمعنى أن الله جل وعلا يرشد الإمام (عليه السلام) إلى أحكام الحوادث وبعض ما يجري في مستقبل الزمان، والإيحاء بهذا المعنى ليس من مختصات الأنبياء فقد ورد في القرآن في مختلف المناسبات ومن ذلك قوله سبحانه : (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) النحل:68 والتعليم من الرسول (صلى الله عليه وآله) وغير ذلك، روي عن علي بن إبراهيم عمن حدثه عن المفضل بن عمر أنّه قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر: جاءنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال : (إن علمنا غابر ومزبور ونكث في القلوب ونقر في الأسماع ، فقال (عليه السلام): أما الغابر فما تقدم من علمنا ، وأما المزبور فما يأتينا وأما النكث في القلوب فإلهام ، وأما النقر في الأسماع فأمر الملك)[1].
ومعنى حضور العلم عندهم يعني انكشاف المعلومات لديهم فعلاً كأنها حاصلة عندهم بالطبع، فمادام هو إمام فهو يعلم الأشياء، في مقابل الإرادي الذي هو انكشاف المعلومات لديهم إذا أرادوا أن يعلموها، ومن الواضح أنّ هذا المعنى للعلم الحضوري لا ينافي كونه مستمداً من الله سبحانه وتعالى وممنوحاً منه.
ومنه يظهر الفرق بينهم (عليهم السلام) وبين غيرهم من البشر، فإنّ علم غيرهم ينحصر بالاكتساب والتحصيل بالطرق المتعارفة من الأمارات والحواس الظاهرية والدرس ونحو ذلك ـ وهذا معنى العلم الاكتسابي في المقام ـ بخلاف الأئمة عليهم السلام، فإنّ لهم طرقاً اُخرى غير هذه الطرق الإكتسابية يعلمون بواسطتها الأشياء.
وتجدر الإشارة أيضاً أنه على التقديرين العلم الضروري والإرادي فإن للإمام علم خاص بطرق غير عادية، مثل ما انتقل الى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكشف وتنوير الباطن كما نقل عنه (عليه السلام): (إنَّ رَسولَ اللهِ (صلى الله عليه و آله) عَلَّمَني ألفَ بابٍ مِنَ الحَلالِ وَالحَرامِ ، ومِمّا كانَ ومِمّا يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، كُلُّ بابٍ مِنها يَفتَحُ ألفَ بابٍ ، فَذلِكَ ألفُ ألفِ بابٍ حَتّى عُلِّمتُ عِلمَ المَنايا وَالبَلايا وفَصلَ الخِطابِ) وهذا الحديث مروي عند الفريقين، فقد رواه الكافي للكليني: ج:1 ص:239 كما رواه القندوزي في ينابيع المودّة ج:1 ص:75.
ومنها كتاب الجفر ورد عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) عندما سئل: (مَا الْجَفْرُ؟ قَالَ : « وِعَاءٌ مِنْ أَدَمٍ [١٤] فِيهِ عِلْمُ النَّبِيِّينَ وَالْوَصِيِّينَ ، وَعِلْمُالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ مَضَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ »، قَالَ : قُلْتُ : إِنَّ هذَا هُوَ الْعِلْمُ ، قَالَ : « إِنَّهُ لَعِلْمٌ ، وَلَيْسَ بِذَاكَ)[2].
ومنها مصحف فاطمة (عليها السلام) وهو ما أملته (عليها السلام) على عليّ (عليه السلام) عن جبرئيل عليه السلام قال عنه الإمام الصادق (عليه السلام) كما جاء في رواية: (مَا أَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ قُرْآناً، وَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْنَا وَ لَا نَحْتَاجُ إِلى أَحَدٍ ، حَتّى فِيهِ الْجَلْدَةُ وَنِصْفُ الْجَلْدَةِ، وَرُبُعُ الْجَلْدَةِ، وَأَرْشُ الْخَدْشِ)[3].
وقوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير: (والله إن مصحف فاطمة مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد)[4].
ويتبيّن من كل هذا مقدار علم الأئمة (عليهم السلام) فإنه بلغ الى حد لا يحتاج أحد الى شيء من أمور دينه ودنياه إلا كان علمه عندهم، وقد سجّل التأريخ سيرتهم أنهم أرشدوا وعلموا الناس الى الحياة الطيّبة الهنيئة، ولم يقفوا أمام سؤال سائل مهما كان، ومنها مسائل المخالفين والملحدين، بل حتى الحيوانات والجنّ مما كتبت فيه الكتب المخصوصة.