انتشر الإسلام في اليمن بسرعة منذ ظهوره، وكان أهل اليمن من أوائل الذين آمنوا بالرسول (صلى الله عليه وآله) ونصروه، كما كان لهم أثر كبير في نشر الدعوة الإسلامية خارج الجزيرة العربية، وقد خرج أهل اليمن مع الفتح الإسلامي من اليمن، فاستقر عدد كبير من المجاهدين ومن القبائل اليمنية في بلاد الشام وفي مختلف أقطار العالم الإسلامي.
ومنذ دخول الإسلام إلى اليمن بدء المسلمون ببناء المساجد في أرجاء اليمن، ومن المدن اليمنية العريقة مدينة صنعاء حيث تشكّل المساجد بمآذنها الشاهقة وقبابها البيضاء الناصعة أهم معالم مدينة صنعاء، إذ يوجد في مدينة صنعاء الكثير من المساجد ومنها: جامع البكيرية، جامع الطاووس، جامع الزمر، جامع الأبهر، جامع قبة المهدي، وأشهرها الجامع الكبير بصنعاء وهو من أقدم المساجد الإسلامية وهو أول مسجد بني في اليمن ويعتبر من المساجد العتيقة التي بنيت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ومن المساجد المشهورة في صنعاء مسجد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الكائن في قلب مدينة صنعاء القديمة المصنّفة على قائمة التراث العالمي.
يعود بناء الجامع إلى السنة الثامنة للهجرة عندما زار الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) اليمن، وتقول الآثار بأن امرأة يمنية أسمها كما هو موضح بالنقش (سعيدة البزرجية) أسلمت على يد الإمام علي(عليه السلام) أثناء زيارته لليمن وقامت ببناء الجامع وأطلقت عليه اسم جامع الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ترتبط ذاكرة الكثير من اليمنيين ببركة الصلاة في جامع الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والحديث عن زيارة الإمام علي(عليه السلام) لليمن وامتداحه لليمنيين مؤكدين بأنه(عليه السلام) هو من قال:
لوكنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
كدليل على المكانة التي يحتلها اليمنيون لدى الإمام علي (عليه السلام) والذين ضربوا أروع الأمثلة منذ اللحظات الأولى لبزوغ فجر الإسلام، ومع هذه الأهمية التاريخية لهذا المسجد إلا أن وزارة الأوقاف لم تُولِه الرعاية اللازمة لأسباب عديدة، حيث اقتصر الاهتمام به على أهالي الحي الكائن فيه المسجد، فهم من يهتم بالجامع ونظافته وأعمال الترميم عند الحاجة.
وصف المسجد:
الطراز المعماري للمسجد قديم وتوحي النقوش الموجودة داخل الجامع بالمكانة العظيمة لآل البيت (عليهم السلام) التي تتربع قلوب اليمنيين، من خلال الكتابات المنقوشة على جدران الجامع والتي منها: (محمد رسول الله - على ولي الله - فاطمة أَمَة الله الحسنين صفوة الله).
أمير المؤمنين (عليه السلام) في اليمن:
ذكر أهل السير أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث خالدا إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فأقام فيهم ستة أشهر فلم يجبه أحد فساء ذلك النبي (صلى الله عليه وآله)، فبعث علياً (عليه السلام) وأمره أن يعزل خالدا، فلما بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) القوم صلّى بهم الفجر ثم قرأ على القوم كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأسلمت قبيلة همدان كلها في يوم واحد، وتبايع أهل اليمن على الإسلام، فلما بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) خر لله ساجدا وقال: (السلام على همدان) مرتين[1].
وأنفذ النبي (صلى الله عليه وآله) علياً مرة أخرى إلى اليمن قاضيا وضرب على صدره وقال: (اللهم سدّده ولقّنه فصل الخطاب)، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك اليوم[2]. وقد رويت عنه قضايا كثيرة قضاها باليمن وذلك يدل على بقائه باليمن مدة طويلة كان يتعاطى فيها القضاء[3].
شيعة اليمن تصميم على الارتقاء رغم عوادي الاضطهاد:
يزعم البعض أن الفكر الشيعي دخيل على تلك البلاد، أو مستورد من بلاد العجم، إلا أن مراجعة سريعة للتاريخ يثبت خلاف ذلك، وأن نداء الإسلام قد بلغ اليمن بجهود أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) الذي باشر بدعوة قبائل اليمن إلى الإسلام بنفسه(عليه السلام).. فكانت هذه القبائل تدخل الإسلام طواعية وباندفاع ذاتي، ويشهد لذلك وفودها التي كانت تتقاطر على المدينة المنورة معلنة إسلامها، لقد شاركت بعض وفود القبائل اليمنية في حجة الوداع، وحضروا مراسم (غدير خم) وسمعوا مقالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من كنت مولاه فهذا علي مولاه). إن أهل اليمن امتلكوا معرفة حسنة لشخصية أمير المؤمنين(عليه السلام).. وكانوا من محبيه ومتبعيه (عليه السلام)..
اليمن الموقع الجغرافي:
تقع الجمهورية اليمنية في الجزء الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية، وجنوب غرب قارة آسيا، وتبلغ مساحتها حوالي نصف مليون كيلو متر مربع، بلغ سكان اليمن أكثر من ٢٠ مليون نسمه، يشكّل المسلمون الأعم الأغلب من سكان اليمن، ويشكل الشيعة نسبة كبيرة من تركيبة سكانها، حيث تبلغ نسبتهم ٤٧%، علما أن كثيرا من الشيعة خارج الإحصائيات بسبب الاضطهاد العقائدي السياسي.
يتواجد الشيعة الاثنا عشرية بكثرة في مدينتي (عدن وصنعاء)، كما أن لهم تواجدا في مدن أخرى مثل الجوف، مأرب، ذمار، ورداع.
تاريخ الشيعة في اليمن:
يعتبر اليمن من أقدم البلدان الإسلامية والعربية في التشيع والولاء المحض لآهل البيت (عليهم السلام)، والطينة اليمنية عجنت بحب الآل الطاهرين (عليهم السلام) بل لم ترض أن تُسلِم إلا على يدي سيد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم تزل اليمن محتفظة بمسجد يعود تأسيسه لعام ٨ هـ على يد امرأة همدانية، هي أول من أسلم على يدي أمير المؤمنين(عليه السلام).
شيعة اليمن والاضطهاد:
يذكر المؤرخون أن صنعاء كانت تاريخيا تضاهي الكوفة في التمذهب لأهل البيت (عليهم السلام)، ولكنهم تعرضوا إلى مآس لا يتصورها العقل كما يذكر ذلك تاريخ اليمن، فمن قتل وسبي وصلب وتشريد، وكانت قوة التشيع في اليمن سبباً في ضرب بني أمية للتشيع هناك، حيث أرسل معاوية بسر بن أرطأة إلى اليمن فقتل أكثر من ثلاثين ألفا صبرا بسبب ولائهم لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومنهم أولاد عبيد الله بن عباس وقد قتلهم فوق المصحف.
المصدر: بيوت المتقين (22) ـ شهر رجب 1436هـ