أخلاقنا والحسين (عليه السلام)

يهل علينا كل عام هلال شهر محرم الحرام، شهر فجائع أهل البيت عليهم السلام وشهر الحزن والمصائب التي تتقطع لها الأفكار، وتتيه فيها القلوب، لما قد وقع في هذا الشهر من المواقف من كلا الجانبين: جانب الإيمان والعقيدة، وجانب الكفر والجريمة، تلك المواقف التي عَلِم الشيطان (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)[1].

ونحن اليوم نحاول أن نكتب أسماءنا في سجل هذا الشهر،  و في صفحات الأيمان، بأن نكرّس جهودنا العقائدية والأخلاقية، ونرفع راية الأئمة عليهم السلام (شيعَتُنا جُزءٌ مِنّا، خُلِقوا مِن فَضلِ طينَتِنا، يَسوؤُهُم ما يَسوؤُنا، ويَسُرُّهُم ما يَسُرُّنا، فَإِذا أرادَنا أحَدٌ فَليَقصِدهُم، فَإِنَّهُمُ البَابُ الَّذينَ يوصِلُ مِنهُ إلَينا)[2].

يجب أن ننظر الى أنفسنا في هذا الشهر، فهو من أشهر الإخلاص وتربية الروح، لأننا سوف نجتمع باسم الحسين (عليه السلام)، ونتكلم باسم الحسين(عليه السلام)،  ونأكل ونشرب باسم الحسين (عليه السلام)، لأننا جزء منه، وخلقنا من فاضل طينته, فلابد لنا أن نعي هذه المسألة، ونترجم مفرداتها، ولا يكون السواد الذي يملأ الأرض مجرد قماش يلف الجدران حولنا، بل ليكن كتاباً عقائدياً أخلاقياً تربوياً، ألّفه لنا الإمام عليه السلام، ولتكن المواكب الكثيرة المتصلة بقبر الحسين عليه السلام إذاعات عالية تصعد من الأرض الى السماء، تعلن للغائب والحاضر، وللعدو والناصر أننا نتاج مدرسة الحسين (عليه السلام)،أفراداً وجماعات، نتعامل مع الكون بأرواح حسينية، وصفات حسينية، وأخلاق دمثة، كما قال الصادق (عليه السلام)لجابر:(يَا جَابِرُ إِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ ع مَنْ لاَ يَعْدُو صَوْتُهُ سَمْعَهُ وَ لاَ شَحْنَاؤُهُ بَدَنَهُ لاَ يَمْدَحُ لَنَا قَالِياً وَ لاَ يُوَاصِلُ لَنَا مُبْغِضاً وَ لاَ يُجَالِسُ لَنَا عَائِباً شِيعَةُ عَلِيٍّ ع مَنْ لاَ يَهِرُّ هَرِيرَ اَلْكَلْبِ وَ لاَ يَطْمَعُ طَمَعَ اَلْغُرَابِ وَ لاَ يَسْأَلُ اَلنَّاسَ وَ إِنْ مَاتَ جُوعاً أُولَئِكَ اَلْخَفِيفَةُ عَيْشَتُهُمْ اَلْمُنْتَقِلَةُ دِيَارُهُمْ إِنْ شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا وَ إِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعَادُوا وَ إِنْ مَاتُوا لَمْ يُشْهَدُوا فِي قُبُورِهِمْ يَتَزَاوَرُونَ قُلْتُ وَ أَيْنَ أَطْلُبُ هَؤُلاَءِ قَالَ فِي أَطْرَافِ اَلْأَرْضِ بَيْنَ اَلْأَسْوَاقِ وَ هُوَ قَوْلُ اَللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَ جَلَّ- أَذِلَّةٍ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى اَلْكافِرِينَ)[3].

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أصحاب على عليه السلام كانوا المنظور إليهم في القبائل وكانوا أصحاب الودائع مرضيين عند الناس سهار الليل، مصابيح النهار[4].

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله) (ألا اُخبِرُكُمبِاَشبَهِكُمبى؟ قَالوا: بَلى يا رَسولَ اللّهِ. قالَ: اَحسَنُكُم خُلقا وَ اَلينُكُم كَنَفا وَ اَبَرُّكُم بِقَرَابَتِهِ وَ اَشَدُّكُم حُبّا لاِِخوانِهِ فى دينِهِ وَ اَصبَرُكُم عَلَى الحَقِّ وَ اَكظَمُكُم لِلغَيظِ وَ اَحسَنُكُم عَفوا وَ اَشَدُّكُم مِن نَفسِهِ اِنصافا فِى الرِّضا وَالغَضَبِ)[5].

وعن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) أنه أوصى بعض شيعته فقال(يا مَعشَرَ شيعَتِنا ؛ اِسمَعوا وَافهَموا وَصايانا وعَهدَنا إلى أولِيائِنَا، اُصدُقوا في قَولِكُم، وبَرّوا في أيمانِكُم لِأَولِيائِكُم وأعدائِكُم، وتَواسَوا بِأَموالِكُم، وتَحابّوا بِقُلوبِكُم، وتَصَدَّقوا عَلى فُقَرائِكُم، وَاجتَمِعوا عَلى أمرِكُم، ولا تُدخِلوا غِشّا ولا خِيانَةً عَلى أحَدٍ، ولا تَشُكّوا بَعدَ اليَقينِ، ولا تَرجِعوا بَعدَ الإِقدامِ جُبنا، ولا يُوَلِّ أحَدٌ مِنكُم أهلَ مَوَدَّتِهِ قَفاهُ، ولا تَكونَنَّ شَهوَتُكُم في مَوَدَّةِ غَيرِكُم، ولا مَوَدَّتُكُم فيما سِواكُم، ولا عَمَلُكُم لِغَيرِ رَبِّكُم، ولا إيمانُكُم وقَصدُكُم لِغَيرِ نَبِيِّكُم، وَاستَعينوا بِاللّهِ وَاصبِروا، «إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»، وإنَّ الأَرضَ للّهِِ يورِثُها عِبادَهُ الصّالِحينَ . ـ ثُمَّ قالَ عليه السلام ـ : إنَّ أولِياءَ اللّهِ وأولِياءَ رَسولِهِ مِن شيعَتِنا : مَن إذا قالَ صَدَقَ، وإذا وَعَدَ وفى، وإذَا ائتُمِنَ أدّى، وإذا حُمِّلَ فِي الحَقِّ احتَمَلَ، وإذا سُئِلَ الواجِبَ أعطى، وإذا اُمِرَ بِالحَقِّ فَعَلَ . شيعَتُنا مَن لا يَعدو عِلمَهُ سَمعُهُ، شيعَتُنا مَن لا يَمدَحُ لَنا مُعَيِّبا، ولا يُواصِلُ لَنا مُبغِضا، ولا يُجالِسُ لَنا قالِيا، إن لَقِيَ مُؤمِنا أكرَمَهُ، وإن لَقِيَ جاهِلاً هَجَرَهُ . شيعَتُنا مَن لا يَهِرُّ هَريرَ الكَلبِ، ولا يَطمَعُ طَمَعَ الغُرابِ، ولا يَسأَلُ أحَدا إلّا مِن إخوانِهِ وإن ماتَ جوعاً. شيعَتُنا مَن قالَ بِقَولِنا وفارَقَ أحِبَّتَهُ فينا، وأدنَى البُعَداءَ في حُبِّنا، وأبعَدَ القُرَباءَ في بُغضِنا)[6].

 


[1] الحجر: 42.

[2] أمالي الطوسي ج:1ص337 .

[3] بحار الأنوار: ج،65ص168.

[4] مشكاة الأنوار ص63.

[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج15 ،ص190.

[6] دعائم الإسلام ج: 1 ص: 65.