يكثر السؤال عن معنى الفطرة التي جاءت في الآية الكريمة: (فطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيّمُ)[1] ، وما هو دورها في حياة الإنسان؟
الفطرة لغة: هي الخِلْقة والإِيجاد، قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ)[2]، فاطر أي: خالقها وموجدها.
واصطلاحاً: هي مجموعة من الصفات والقابليات التي تُوجد في المولود، ويتّصف بها الإنسان في أصل خلقته، سواء القابليات البدنية أم النفسية أم العقليّة، وهي تهدي الإنسان إلى تتميم نواقصه، ورفع حوائجه، إذا تحققت شروطها وارتفعت الموانع من تأثيرها، وفي الحديث: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى فَطْرَةٍ حَتَّى يَكُونَ أبَواهُ يُهَوِّدانِهِ ويُنَصّرانه ويُمَجّسَانه»[3].
فالفطرة هي الخِلقة الأصلية التي خلق اللهُ الناسَ عليها، والأشياء الفطرية هي التي لا تحتاج إلى تلقين ولا إلى تعليم ولا إلى اكتساب، وإنما يُولد الإنسان عليها، ويتحرك نحوها لما يشعر به من نقص في نفسهِ فيسعى لإكماله، فهذا التحرّك نحو الكمال مصدرهُ الفطرة، والله عز وجل للطفهِ بعبادهِ فإنه خَلَقَهُم وفَطَرَهم على الإِيمان، فالإِنسان بفطرتهِ يدرك أن لهذا العالم قوّةً عظيمةً تُحيط به من جميع الجهات، وأن الأمر كلَّهُ بيدها، وأنه لا مفرَّ إِلّا إِليها، وهذا ما يستشعرهُ الإنسان في أَعماق نفسه، لا سيما عندما يقع في موقف خطير، بحيث لا يمكن لاحدٍ أَن يخلصه إِلّا تلك القوة القاهرة التي تعلّق بها قلبُهُ، كما ورد ذلك عن الإمام الصادق (عليه السلام) في محادثته للزنديق، فقد رُوي في الوافي: ج1، ص477: أَن زنديقاً دخل على الإمام الصادق(عليه السلام) فسأله عن الدليل على إثبات الصانع، فأعرض(عليه السلام) عنه ثم التفت إليه وسأله: من أين أقبلت؟ وما قصتك؟ فقال الزنديق: إني كنتُ مسافراً في البحر فعصفتْ علينا الريحُ، وتقلبتْ بنا الأمواجُ، فانكسرتْ سفينتنا، فتعلّقتُ بساجة منها، ولم يزل الموج يقلّبها حتى قَذَفت بي إلى الساحل فنجوتُ عليها، فقال (عليه السلام): أرأيتَ الذي كان قلبك إذا انكسرتْ السفينة، وتلاطمتْ عليكم الأمواج فزعاً عليه مخلصاً له في التضرّع طالباً منه النجاة فهو إلهك، فاعترف الزنديق بذلك، وحسن اعتقاده، وذلك قوله تعالى: (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)[4].
مجلة اليقين العدد (39)