ومن المعارف والحكم القرآنية أن القرآن الكريم نقل إلينا أخباراً وقصصاً يحكي فيها مظلوميّة الشّهداءِ منَ الأنبياءِ والصِّدّيقينَ وغيرِهم ؛ فقد نقل قصة قتل قابيل هابيل، ابني آدم، مع الحوار الذي دار بينهما، في قوله تعالى: (وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ ابنى ءَادَمَ بِالحَقِّ إِذ قَرّبَا قُربَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَ لَم يُتَقَبّل مِنَ الاَخَرِ قَالَ لأَقتُلَنّك قَالَ إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللهُ مِنَ المُتّقِينَ لَئن بَسطت إِلىّ يَدَك لِتَقتُلَني مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِى إِلَيك لأَقتُلَك إِنى أَخَاف الله رَب العَلَمِينَ إني أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثمِي وَ إِثمِك فَتَكُونَ مِن أَصحَبِ النّارِ وَ ذَلِك جَزؤُا الظلِمِينَ فَطوّعَت لَهُ نَفسهُ قَتلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخاسِرِينَ)[1].
فيمكن أن نستدّل من نقل هذه القصّة وغيرها من القصص على رجحان نقل وإعلان قصص المظلومين الذين نالهم التعذيب والقتل والسبي في سبيل دين الله الحق، وإلا فإنه يكون ذكر تلك القصص لغواً وعبثاً بلا مغزىً، كيف وهي صادرة من حكيم عليم، ولابد أن يكون ذكرها ذا هدف وغرض عقلائي، فإن نشر وإعلان ونقل قصص المظلومين الذين لاقوا ما لاقوا بسبب الجور والفساد في أزمانهم وصفه الله تعالى أنه: (هُدىً ورحمةً لقومٍ يُؤمنون).
وهنا نفهم أمرين:
أحدهما: أن ذكر هذه القصص له علاقة بمنظومة الهداية الإلهية، كون القرآن قد عبر عن القصص بالهدى والرحمة، وذلك لِما فيها من عبرةٍ لأولي الألبابِ، فهي من محصّلات الهداية، ولا يقال إن ذلك صحيح فيما ينقل من قصص المؤمنين وصفاتهم وسلوكهم؛ لأن القرآن إلى جانب ذكر قصص المؤمنين ذكر قصص الفاسقين والظلمة، مثل قابيل وفرعون وابن النبي نوح(عليه السلام) والذين عقروا الناقة وغيرهم، ولا يمكن تصور أنها بلا هدف وغاية، لصدورها من حكيم عليم كما قدمنا.
وعليه فيمكن من باب الاقتداء بالقرآن الكريم أن نتوصّل إلى أصل شرعيّ يقضي برجحان نشرِ وإعلانِ قصصِ عامّةِ الأنبياءِ وما جرى على الشّهداءِ، ومقاتِلهُم من جهة، ومن جهة ثانية قصص َ الطّغاةُ وأفعالهم، والظالمين وأتباعُ الشّيطانِ وأحوالهم، لاشتراك الفئتين في العلة، وهي أنهم عبرة لأولي الألبابِ، ولكون تلك القصص (هدايةٍ ورحمةٍ لقومٍ يؤمنونَ).
ومن هذا المنطلق يمكن القول برجحان ذكر أحداث عاشوراء وما جرى على الإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته(عليهم السلام) بدليل قرآني، وبيانه أن القرآن الكريم كان قد ذكر قابيل وهابيل ليعتبر أولو الألباب، ولما كان الإمام الحسين(عليه السلام) أعلى مرتبة من قابيل وهابيل وقد حصل عليه ما حصل من الظلم والقتل، فمن باب أولى أن يكون في ذكر قصة الحسين(عليه السلام) عبرة لألي الألباب، بل لجميع العالمين، ولننظرْ أنموذجاً قرآنياً آخر نستفيد منه في رجحان ذكر ونقل قصة عاشوراء، فقد نقل القرآن الكريم قصة عقر الناقة، فقال جل شأنه: (إِذِ انبَعَث أَشقَاهَا فَقَالَ لهَم رَسولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسقيَهَا فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمدَمَ عَلَيهِم رَبّهُم بِذَنبِهِم فَسوّاهَا ولا يخَاف عُقبَهَا).
فإن النبي صالح(عليه السلام) لم يذكر للناقة صفة مقدّسة غير أنّ لها حصّةً في السقيا: (هَٰذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله)[2]، وقال تعالى: (وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله)[3]، وقال تعالى أيضاً: (قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)[4]، وقال أيضاً: (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللِه نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا)[5].
ومع ذلك لمّا عقروها غضبَ اللهُ عليهم جميعاً (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا)[6]، وقد ذكر القرآن الكريم قصتها في أكثر من سورة، لتكون عبرة لأولي الألباب، في حينِ أن نبينا الكريم(صلى الله عليه وآله) قال في الإمام الحسين(عليه السلام): «الحُسينُ سيّدُ شبابِ أهل الجنّةِ» وقد ذُبح كما يُذبحُ الكِبشُ عطشاناً، أفلا يكون من العبرة ذكر الأمور الأكثر قداسة والأشد علاقة بالنبوّة والرسالة؟
لذا فإنَّ الذين لا يرضون بذكرِ الحُسينِ(عليه السلام) ومقتلِه الأليم إنّما يخافون من كشف هوية الطغاة الظالمين، في حين هو أمر راجح ودخيل في الهداية بنص القرآن الكريم.
مجلة اليقين العدد (66)