التجسس

قال تعالى: (وَلا تَجَسَّسُوا)[1].

 تذكر الآية موضوع التجَسّس فتنهى عنه بالقول: (وَلا تَجَسَّسُوا)!

  والتحَسّس والتجَسّس كلاهما بمعنى البحث والتقصّي وتتبع ما استتر من أمور الناس للاطلاع عليها، إلا أن الكلمة الأولى تستعمل في الخير وعند البحث عن الأمور المطلوبة أو المحبوبة، ومنه ما ورد على لسان يعقوب (عليه السلام) في وصيته لولده: (يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)[2]، والكلمة الثانية على العكس حيث تستعمل في الشر وعند البحث عن الأمور غير المطلوبة، ولذا قيل: معنى الآية لا تتبعوا عيوب المسلمين لتهتكوا الأمور التي سترها أهلها[3].

 والتجَسّس باعث على كشف الأسرار وما خفي من أمور الناس، والإسلام لا يبيح أبدا كشف أسرار الناس!

وبتعبير آخر: إن الإسلام يريد أن يكون الناس في حياتهم الخاصة آمنين من كل الجهات، وبديهي أنه لو سمح الإسلام لكل أحد أن يتجَسّس على الآخرين فإن كرامة الناس وحيثياتهم تتعرض للزوال، وتتولد من ذلك حياة جهنمية يحس فيها جميع أفراد المجتمع بالقلق والتمزق![4].

فالتَجسّسُ خلق ذميم، ووصف قبيح، يوغر الصّدور ويُورث الفجور، وهو داء يؤدّي إلى فساد الحياة وكشف العورات، ويورد صاحبه موارد الهلاك.. داء يدل على ضعف الإيمان وفساد الخلق، ودناءة النّفس وخسّتها.

 وفي قوله تعالى: (وَلا تَجَسَّسُوا) نهي صـــريح وواضح عن التجسس، وهناك نصوص كثيرة وردت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) تنهى عن التجســــس وتؤكّد على حرمة الناس، وحرمة التعدي عليها، فقد روي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله(الصادق) (عليه السلام) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله): (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِه ولَمْ يُخْلِصِ الإِيمَانَ إِلَى قَلْبِه لَا تَذُمُّوا الْمُسْلِمِينَ ولَا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّه مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِهِمْ تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَه ومَنْ تَتَبَّعَ الله تَعَالَى عَوْرَتَه يَفْضَحْه ولَوْ فِي بَيْتِه)[5].

استثناءات من حرمة التجسس:

 النصوص السابقة وغيرها الكثير تؤكد على أن التجسس على أسرار الناس بجميع أنواعه في أصله حرام، إلا أن القرائن تدل على أن هذا الحكم متعلق بحياة الأفراد الشخصية والخاصة.

  ويصدق هذا الحكم أيضاً في الحياة الاجتماعية في صورة أن لا يؤثر في مصير المجتمع، لكن من الواضح أنه إذا كان لهذا الحكم علاقة بمصير المجتمع أو مصير الآخرين فإن المسألة تأخذ طابعا آخر، فكل ما يستلزمه حفظ النظام وحفظ مصلحة الدين والمجتمع والأمة فهو جائز ضمن الضوابط الشرعية، لذلك ذكرت استثناءات لحرمة التجسس وأبرزها:

1- تجسس الدولة على موظفيها في مجال عملهم: فمن حق الدولة بل من واجبها أن تراقب أداء الموظفين لأعمالهم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما يبعث جيشاً يعيّن عليه أميراً، ويعيّن مراقباً يتتبع أخبار هذا الأمير وطريقة إدارته ويوافي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخبر.

وأمير المؤمنين كذلك كان يأمر ولاته أن يراقب أداء الموظفين عليهم في مجال أدائهم لوظيفتهم، شريطة ألا يتعدى الأمر إلى الأمور الخاصة.

2- التجسس على الأعداء: فلابد أن يكون للدولة الإسلامية جهاز رقابي وظيفته متابعة ما يحاك للأمة الإسلامية من مؤامرات من قبل الأعداء.

3- التجسس على الأشرار ومن يسيئون لأمن الناس: إذا علمت الدولة أن هناك لصوصاً وعصابات تفسد وتعتدي على أمن الناس وأعراضهم، هنا يجب على الدولة أن تسعى لكشف هذه العصابات عبر نظام معين بحيث لا تنتهك فيه الخصوصيات إلا بمقدار الحاجة. ومن هنا فإن النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أعدّ أشخاصا وأمرهم أن يكونوا عيونا لجمع الأخبار واستكشاف المجريات واستقصائها ليحيطوا بما له علاقة بمصير المجتمع.
ومن هذا المنطلق أيضاً يمكن للحكومة الإسلامية أن تتخذ أشخاصا يكونون عيونا لها، أو منظمة واسعة للإحاطة بمجريات الأمور، وأن يواجهوا المؤامرات ضد المجتمع أو التي يراد بها إرباك الوضع الأمني في البلاد، فيتجسسوا للمصلحة العامة حتى لو كان ذلك في إطار الحياة الخاصة للأفراد!

إلا أن هذا الأمر لا ينبغي أن يكون ذريعة لهتك حرمة هذا القانون الإسلامي الأصيل، وأن يُسوِّغ بعضُ الأفراد لأنفسهم أن يتجسسوا في حياة الأفراد الخاصة بذريعة التآمر والإخلال بالأمن، فيفتحوا رسائلهم مثلا، أو يراقبوا الهاتف ويهجموا على بيوتهم بين حين وآخر!!

أضرار التجسس:

1- التجسس دليل على ضعف الإيمان وفساد الخلق.

2- هو دليل دناءة النفس وخستها.

3- يوغر الصدور ويورث الفجور.

4- يؤدي إلى فساد الحياة وكشف العورات.

5- يستحق صاحبه غضب الله ودخول النار، والعياذ بالله -تعالى-.

مجلة بيوت المتقين العدد (43)

 


[1] الحجرات: 49.

[2] يوسف: 87.

[3] الميزان: ج18، ص323.

[4] الأمثل: ج16، ص155.

[5] الكافي: ج2، ص354، ح2.