فضل التزاور وآثاره

إنّ التزاور بين المؤمنين من أهم المظاهر الاجتماعية التي دعا الإسلام إليها، وقد طفحت كتب الأحاديث الشريفة عن فضل التزاور وآثاره المهمة، وسنستعرض فيما يلي بعضاً من هذه الروايات.

فعن رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله): (أكرم أخلاق النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، التزاور في الله، وحقّ على المزور أن يقرّب إلى أخيه ما تيسّر عنده، ولو لم يكن إلّا جرعة من ماء، فمن احتشم أن يقرّب إلى أخيه ما تيسّر عنده، لم يزل في مقت الله يومه وليلته)[1].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (تزاوروا في بيوتكم فإنَّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا)[2].

الزيارة في اللَّه‏: إنَّ الأجرَ الّذي وضعه الله تعالى للزيارة إنّما وضعه في الزيارة التي يكون الله تعالى هو المراد منها فتكون قُربة إليه، ولا يكون فيها غاية من الغايات أو المصالح، بل تكون امتثالاً لما يحبّه الله تعالى ومحبة من الزائر للأخ المزار، وإلى هذا المعنى أشار الحديث المرويّ عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): (إنّ ملكاً لقي رجلاً قائماً على باب دار، فقال له: يا عبد الله، ما حاجتك في هذه الدار؟ فقال: أخٌ لي فيها أردت أن أسلِّم عليه، فقال: بينك وبينه رحم ماسّة، أو نزعتك إليه حاجة؟ فقال: ما لي إليه حاجة غير أنّي أتعهّده في الله ربّ العالمين، ولا بيني وبينه رحم ماسّة أقرب من الإسلام، فقال له الملك: إنّي رسول الله إليك، وهو يُقرئُك السلام ويقول لك: إيّاي زُرت فقد أوجبتُ لك الجنّة، وقد عافيتك من غضبي ومن النار لحبّك إيّاه فيَّ)[3].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (من زار أخاه لله لا لغيره التماس موعد الله وتنجز ما عند الله، وكّل الله به سبعين ألف ملك ينادونه: ألا طبت وطابت لك الجنة)[4]. والروايات الشريفة الحاثة في هذا المقام كثيرة جداً، ولكن هنا شرط جوهري، وهو أن تكون الزيارة لله وطلباً لمرضاة الله وما عند الله. فإذا كانت الزيارة كذلك فهذا ينعكس تماماً على ما تحويه الزيارة من أحاديث، فلا تجد الغِيبة ولا أي محرّم آخر في تلك المجالس.

أما إذا كانت الزيارة لمجرد التسلية أو قضاء الوقت أو لمصلحة دنيوية فهي خالية من المضمون والجوهر الإلهي.

فكل أمر بمقدار انتسابه إلى الله تعالى يكتسب قيمة وحرمة وقدسية ومكانة، فالحجر (مثلاً) لا قيمة له، ولكن عندما يدخل في بناء الكعبة المشرفة يصبح محترماً. والحبر عندما يكتب به اسماً من أسماء الله يكتسب مكانة هو والورقة التي كتب عليها، فلا يلمس ذلك الحبر إلا بطهارة، ولا يلقي بالورقة مع باقي النفايات، وهكذا الزيارة عندما تكون لمصلحة دنيوية فلا قيمة لها، وعندما تكون لله تعالى فقيمتها الجنة. روى خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) أودّعه فقال: (يا خثيمة أبلغ من ترى من موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم وأن يعود غنيهم على فقيرهم، وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا بعضهم بعضا حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا...)[5].

 وفي المقابل حذّرت الروايات من الهجران بين الإخوان المؤمنين، ومن وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: (يا أبا ذر، إيّاك وهجران أخيك، فإنّ العمل لا يُتقبّل مع الهجران، يا أبا ذر، إيّاك عن الهجران وإن كنت لا بُدّ فاعلاً، فلا تهجره ثلاثة أيام كملاً...)[6].

 


[1] دعائم الإسلام للقاضي النعمان: ج2، ص107.

[2] الخصال للشيخ الصدوق: ص23.

[3] مشكاة الأنوار علي الطبرسي: ص364.

[4] الكافي: ج2، ص275.

[5] الكافي: ج2، ص175.

[6] وسائل الشيعة للحر العاملي: ج12، ص264.