لما أصاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصحاب بدر وقَدِم المدينة، بغت يهود (بني قينقاع) وقطعت ما كان بينها وبين النبي (صلى الله عليه وآله) من عهد، وكانوا أول من غدر من اليهود.
ثم انهم لم يكتفوا بذلك حتى إذا جاءت امرأة من العرب كانت تحت رجل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع وجلست عند صائغ في حليٍّ لها، جاء رجل من يهود قينقاع فجلس من ورائها وهي لا تشعر فربط ثوبها إلى ظهرها بشوكة، فلما قامت المرأة بدت عورتها فضحكوا منها، فقام رجل من المسلمين واتبع (الرجل اليهودي الذي فعل ذلك بها) فقتله! فاجتمعت بنو قينقاع على المسلم فقتلوه! وبذلك حاربوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونبذوا العهد بينهم وبينه.
فاستخلف النبي(صلى الله عليه وآله) على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وسار إليهم فحاصرهم في حصنهم خمس عشرة ليلة أشد الحصار ابتداءً من يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً (من الهجرة) إلى هلال ذي القعدة وكان لواء رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع عمه الحمزة بن عبد المطلب وهو لواء أبيض، ولقد كانوا أشجع اليهود ولكنهم لزموا حصنهم فما رموا بسهم ولا قاتلوا إذ قذف الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: أفننزل وننطلق؟ قال رسول الله: لا، إلاّ على حكمي. فنزلوا على صلح رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحكمه، على أن تكون أموالهم لرسول الله وكانوا صاغة، فكانت لهم آلات صياغة وسلاح كثير، ولم تكن لهم مزارع ولا أرضون فكانت أموالهم لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولهم الذرية والنساء فلما نزلوا وفتحوا حصنهم، أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأخذ اموالهم وأن يربطوا حتى يقتلوا، فكانوا يكتفون كتافاً.
ولكن النبي(صلى الله عليه وآله) قَبِل شفاعة بعض المسلمين فيهم فترك قتلهم، وأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) عبادة بن الصامت أن يخرجهم من المدينة بعد أن طلبوا إمهالهم ثلاثة أيام ليأخذوا ديونهم من الناس.
وقبض محمد بن مسلمة أموالهم وخمَّسَ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما أصاب منهم (وهو أول خمس خمَّسه بعد آية الخمس) وقسَّم ما بقي على أصحابه.