لقد نصّ جماعة من المؤرّخين أنّ معاوية بن أبي سفيان قد غزا القسطنطينية في محاولات عدّة، إحداها في سنة (51 هـ) بقيادة ابنه يزيد، وفيها ادّعى بعضهم مشاركة أبو أيوب الأنصاري والإمام الحسين(عليه السلام)! ومنهم ابن كثير في تاريخه، على أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يفد على معاوية بن ابي سفيان كثيرا بعد وفاة أخيه الإمام الحسن(عليه السلام)! فصادف أن وفد عليه سنة (51 هـ)، وتوجه عندها مع الجيش إلى القسطنطينية غازياً تحت لواء يزيد بن معاوية، ووافقه على ذلك عليّ بن الحسين بن عساكر في تاريخه[1].
وبعد التتبّع اتضح أنه لم يدّع أحد من المؤرخين اشتراك الإمام الحسين(عليه السلام) في تلك الغزوة سوى ابن عساكر وابن كثير في تاريخهما كما ذكرنا، ولم يذكر ابن جرير الطبري في تاريخه ـ (ج4، ص173) ـ سوى غزوة واحدة في سنة (49 هـ)، والتي نصّ فيها على اشتراك ابن عباس وابن عمر، وابن الزبير، وأبي أيوب الانصاري، ولم يذكر اشتراك الإمام الحسين(عليه السلام) معهم، وكلّ من كتب عن معارك المسلمين في تلك الفترة لم يتعرضوا لاشتراك الإمام الحسين(عليه السلام) في تلك الغزوة المزعومة، واتفقوا على أن أبا أيوب الأنصاري قد توّفي خلال تلك الغزوة! وأنه دفن في إسطنبول بناءً على وصيّته.
ورداً على هذه الشبهة نقول:
أولاً: أن الواقدي قال: (مات أبو أيوب الأنصاري بأرض الرّوم سنة اثنتين وخمسين ... وعلى قبره مزار ومسجد، وهم يعظّمونه). (البداية والنهاية لابن كثير: ج8، ص65)، مع العلم أنّ الغزوة وقعت في سنة (51 هـ)، وتوفّي على إثرها أبو أيوب ودفن هناك، وباختلاف تاريخ وفاة أبي أيوب نلاحظ تناقض كلام ابن كثير كما هو واضح.
وثانيا: (لا صِحّة لرواية وفود الإمام الحسين(عليه السلام) على معاوية بالشام، وإنما وفد عليه الإمام الحسن(عليه السلام) لا لأجل الصلة والعطاء كما يذهب لذلك بعض السذّج من المؤرخين، وإنما كان الغرض إبراز الواقع الأموي، وإظهار مساوئ معاوية، كما أثبتت ذلك مناظراته مع معاوية وبطانته، والتي لم يقصد فيها إلا تلك الغاية)[2].
المصدر: مجلة اليقين، العدد (58)، الصفحة (10).