قال العلامة المظفّر: «نعتقد أنّ الإمامة كالنّبوة لا تكون إلاّ بالنّص من الله تعالى على لسان رسوله أو لسان الإمام المنصوب بالنّص إذا أراد أنْ ينصّ على الإمام من بعده، وحكمها في ذلك حكم النّبوة بلا فرق، فليس للناس أنْ يتحكّموا فيمن يعينه الله هادياً ومرشداً لعامة البشر، كما ليس لهم حقّ تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه، لأنّ الشخص الذي له من نفسه القدسيّة استعداد لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألاّ يعرف إلاّ بتعريف الله ولا يعيّن إلاّ بتعيينه»[1].
يقر الشيخ المظفر رحمه الله أن مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشريّة في تنصيب الإمام والخليفة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) يكون بالنص لا باختيار الأمة ولا أهل الحل والعقد، بل يجب فيه أنْ يكون منصوصاً عليه من قبل الله سبحانه وتعالى، وإجماعهم على أنّ منصب الإمامة كمنصب النبوّة منصب إلهي، وهو سبحانه وتعالى يختار من يراه مناسباً لشغل هذا المنصب، وليس للنّاس دخل في هذا الاختيار ولا هو من اختصاصهم.
والسبب في ذلك أنه لو كان الأمر موكلاً إلى اختيار الناس من المستبعد جدّاً اتفاقهم على شخص واحد، بل وإنّ اختيارهم سيكون عاملاً من عوامل الفرقة وحدوث التنازع بينهم، لأنّ كل فرقة منهم ستختار شخصاً لا ترغب فيه الفرقة الأخرى، فتقع الفتنة، وتكثر الاختلافات، فللاحتراز من كل ذلك كان تعيين الإمام والخليفة من مختصات الباري عز وجل.
ثم أنه من شروط الإمامة العصمة حتى لا يأمر الرعية بالخطأ أو المعاصي أو بما هو خلاف المصلحة، والعصمة هي قوّة باطنيّة ليست بظاهرة للناس ولا يعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى الذي لا تخفى عليه خافية، وعليه فلا يمكن للنّاس أنْ يختاروا الإمام لأنهم لا يعرفون المعصوم من بينهم بدون النّص عليه.
عهد الله:
ويستند الشيعة إلى أدلة قرآنية كثيرة لإثبات نظريتهم في وجوب النص على الإمام، منها قوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[2]، فهذه الآية الكريمة صريحة الدلالة على أنّ الإمامة عهد الله سبحانه وتعالى كالنّبوّة، وعهده سبحانه لا ينال إلاّ من قبله، فكما أنّ اختيار النبي وتعيينه يكون من قبل الله جلّ شأنه فكذلك الإمام لا يختار ولا يعيّن إلاّ من قبله، فقوله تعالى: (... إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً...) صريح في أنّ تعيين الإمام واختياره إماماً على النّاس وهادياً لهم وقائماً بأمورهم وشؤونهم الدينيّة والدنيوية إنّما يكون منه سبحانه.
وثمة أمر آخر وهو أنه لو كانت الإمامة تصحُّ بالاختيار لما سأل إبراهيم (عليه السلام) ربّه بأنْ يجعل إماماً من ذرّيته، وإنّما كان له أن يختار من يشاء من مواليه ومحبيه وناصريه، ومن اتبعه وينصّبه إماماً، لكنه لم يفعل ذلك، بل طلب من ربّه أنْ يجعل من ولده إماماً أو أئمة، وهذا يدل أنّ الله هو من يعين الإمام ويختاره من بين النّاس وينص عليه وليس غيره.
كما أنه لو كان يجوز الاختيار من قبل النّاس في هذا المنصب لأجاب الله خليله إبراهيم (عليه السلام) بأنّ الاختيار والتنصيب لمنصب الإمام ليس متوقّفاً على اختياري وجعلي بل يمكنك يا إبراهيم أنْ تختار من تشاء من ذرّيتك وتجعله إماماً، في حين كان جوابه عز وجل تأكيداً أن الأمر ليس للبشر حتى الأنبياء، فقال جل وعلا: (...لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وهذا يدل على أنّ التعيين لمنصب الإمامة لا يكون إلاّ بالنّص منه سبحانه لأنّه هو الأعلم بهذا الاستحقاق.
يؤيد ذلك ويؤكّده آيات أخرى، منها قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)[3]، وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[4]، فقوله في الآية الأولى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً...)، وقوله في الآية الثانية (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً...) يدلّان على أنّ الجعل لمنصب الإمامة هو من مختصّات الله سبحانه وتعالى فهو من يختار الإمام من بين النّاس ويجعله إماماً عليهم.
مجلة ولاء الشباب العدد (54)
[1]عقائد الإماميّة: ص 74.
[2] البقرة: 124.
[3] الأنبياء: 73.
[4] السجدة: 24.