الغسل

كتاب الطهارة » الغسل

المبحث الرابع الغُسل

والواجب منه لغيره: غسل الجنابة، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومسّ الأموات.
والواجب لنفسه: غسل الأموات.
فهنا مقاصد:

المقصد الأوّل غسل الجنابة



وفيه فصول:

الفصل الأوّل سبب الجنابة


وهو أمران:
الأوّل: خروج المنيّ بشهوة أو بدونها من الموضع المعتاد، وكذا من غيره إذا كان الخروج طبيعيّاً، وإلّا فالأحوط لزوماً الجمع بين الغسل والوضوء إذا كان محدثاً بالأصغر، هذا في الرجل.
وأمّا المرأة فهي وإن لم­ يكن لها منيّ بالمعنى المعروف، إلّا أنّ السائل الخارج من قُبُلها بشهوة بحيث يصدق معه الإنزال عرفاً بحكم المنيّ فيما إذا اقترن ذلك بوصولها إلى ذروة التلذّذ الجنسيّ (الرعشة) بل وإن لم­ ىقترن بذلك على الأحوط لزوماً.
وأمّا السائل الخارج بغير شهوة والبلل الموضعيّ الذي لا يتجاوز الفرج ويحصل بالإثارة الجنسيّة الخفيفة فهما لا يوجبان شيئاً.
مسألة 169: إذا علم أنّ السائل الخارج منيّ جرى عليه حكمه، وإن لم ‏يعلم ذلك فالشهوة والدفق وفتور الجسد أمارة عليه في الشخص السليم، ومع انتفاء واحد منها لا يحكم بكونه منيّاً، وأمّا المريض فيكفي خروجه منه بشهوة.
مسألة 170: من وجد على بدنه أو ثوبه منيّاً، وعلم أنّه منه بجنابة لم ‏يغتسل منها وجب عليه الغسل، ويعيد كلّ صلاة لا يحتمل سبقها على الجنابة المذكورة، دون ما يحتمل سبقها عليها فإنّه لا تجب إعادتها وإن علم تاريخ الجنابة وجهل تاريخ الصلاة ولكنّ الإعادة أحوط استحباباً، وإن لم ‏يعلم أنّه منه لم ‏يجب عليه شيء.
مسألة 171: إذا دار أمر الجنابة بين شخصين يعلم واحد منهما أو كلاهما أنّها من أحدهما ففيه صورتان:
الأُولى: أن تكون جنابة الآخر واقعاً موضوعاً لحكم إلزاميّ بالنسبة إلى العالم بالجنابة إجمالاً، وذلك كعدم جواز الاقتداء به في الصلاة - إذا كان ممّن يُقتدى به لولا ذلك - وعدم جواز استئجاره للنيابة عن الميّت في الصلاة التي وظيفته تفريغ ذمّته منها، ففي هذه الصورة يجب على العالم بالإجمال ترتيب آثار العلم فيجب على نفسه الغُسل - وكذا الوضوء أيضاً إذا كان مسبوقاً بالحدث الأصغر تحصيلاً للعلم بالطهارة - ولا يجوز له استئجار الآخر للنيابة في الصلاة قبل اغتساله، ولا الاقتداء به بعد تحصيل الطهارة لنفسه، وأمّا قبل تحصيلها فلا يجوز الاقتداء به للعلم التفصيليّ ببطلان الصلاة حينئذٍ.
الثانية: أن لا تكون جنابة الآخر موضوعاً لحكم إلزاميّ بالإضافة إلى العالم بالجنابة إجمالاً، ففيها لا يجب الغسل على العالم بالجنابة.
هذا بالنسبة إلى حكم الشخصين نفسيهما.
وأمّا غيرهما العالم بجنابة أحدهما إجمالاً - ولو لم يعلما هما بذلك - فلا يجوز له الائتمام بأيّ منهما إن كان كلّ منهما مورداً للابتلاء، فضلاً عن الائتمام بهما جميعاً، كما لا يجوز له استنابة أحدهما في صلاة أو غيرها ممّا يعتبر فيه الطهارة الواقعيّة.
مسألة 172: البلل المشكوك الخارج بعد خروج المنيّ وقبل الاستبراء منه بالبول بحكم المنيّ ظاهراً.
الثاني: الجماع ولو لم‏ يُنزِل، ويتحقّق بدخول الحشفة في القُبُل أو الدُّبُر من المرأة، وأمّا في غيرها فالأحوط لزوماً الجمع بين الغُسل والوضوء للواطئ والموطوء فيما إذا كانا محدثين بالحدث الأصغــر، وإلّا يكتــفي بالغُســل فقـــط، ويكــفي في مقطــوع الحشفــة ما يصدق معه الإدخال عرفاً وإن لم ‏يكن بمقدارها.
مسألة 173: إذا تحقّق الجماع تحقّقت الجنابة للطرفين، من غير فرق بين الصغير والكبير، والعاقل والمجنون، والقاصد وغيره، والحيّ والميِّت.
مسألة 174: إذا خرج المنيّ ممتزجاً بشيء من الدم وجب الغُسل بعد العلم بامتزاجه به، وإذا نزل إلى المثانة واستهلك في البول لم يجب الغسل بخروجه.
مسألة 175: إذا تحرّك المنيّ عن محلّه بالاحتلام أو بغيره ولم‏ يخرج إلى الخارج لا يجب الغسل.
مسألة 176: يجوز للشخص إجناب نفسه بمقاربة زوجته بعد دخول الوقت وإن كان لا يقدر على الغسل، وإذا لم ‏يكن متمكّناً من التيمّم أيضاً لا يجوز له ذلك، وأمّا من كان متوضّئاً ولم ‏يكن يتمكّن من الوضوء لو أحدث فالأحوط لزوماً أن لا يبطل وضوءه إذا كان بعد دخول الوقت.
مسألة 177: إذا شكّ في أنّه هل حصل الدخول أم لا؟، لا يجب عليه الغُسل وكذا لا يجب لو شكّ في أنّ المدخول فيه فرج أو دُبُر أو غيرهما.
مسألة 178: لا فرق في كون إدخال الحشفة - مثلاً - موجباً للجنابة بين أن يكون الذكر مجرّداً أو ملفوفاً بخرقة أو مغطّى بكيس أو غير ذلك.

الفصل الثاني فيما يتوقّف صحّته أو جوازه على غسل الجنابة


وهو أُمور :
الأوّل: الصلاة مطلقاً - عدا صلاة الجنائز - وكذا أجزاؤها المنسيّة، بل وسجود السهو على الأحوط استحباباً.
الثاني: الطواف الفريضة وإن كان جزءاً من حجّة أو عمرة مندوبتين مثل ما تقدّم في الوضوء، وفي صحّة الطواف المندوب من المجنب إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.
الثالث: الصوم، بمعنى أنّه لو تعمّد البقاء على الجنابة في شهر رمضان أو قضائه حتّى طلع الفجر بطل صومه، وكذا صوم ناسي الغُسل في شهر رمضان دون قضائه، على ما سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.
الرابع: مسّ كتابة القرآن الشريف، ومسّ اسم الله تعالى مثل ما تقدّم في الوضوء.
الخامس: اللبث في المساجد، بل مطلق الدخول فيها وإن كان لوضع شيء فيها، بل الأحوط لزوماً عدم وضع شيء فيها ولو في حال الاجتياز أو من خارجها، كما لا يجوز الدخول لأخذ شيء منها، ويجوز الاجتياز فيها بالدخول من باب مثلاً والخروج من آخر إلّا في المسجدين الشريفين (المسجد الحرام، ومسجد النبيّ صلّى الله علىه وآله) فإنّه لا يجوز الدخول فيهما وإن كان على نحو الاجتياز .
والأحوط وجوباً إلحاق المشاهد المشرّفة للمعصومين (علىهم السلام) بالمساجد في الأحكام المذكورة، ولا يلحق بها أروقتها - فيما لم‏ يثبت كونه مسجداً كما ثبت في بعضها - كما لا يلحق بها الصحن المطهّر وإن كان الإلحاق أحوط استحباباً.
السادس: قراءة آية السجدة من سور العزائم، وهي (الم السجدة، وفصّلت، والنجم، والعلق) والأحوط استحباباً إلحاق تمام السورة بها حتّى بعض البسملة.
مسألة 179: لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها والخراب وإن لم‏ يصلِّ فيه أحد، بشرط بقاء العنوان عرفاً بأن يصدق أنّه مسجد خراب، وأمّا مع زوال العنوان فلا تترتّب عليه آثار المسجديّة، بلا فرق في ذلك كلّه بين المساجد في الأراضي المفتوحة عنوة وغيرها.
مسألة 180: ما يشكّ في كونه جزءاً من المسجد من صحنه وحجراته ومنارته وحيطانه ونحو ذلك ولم‏ تكن أمارة على جزئيّته - ولو كانت هي يد المسلمين عليه بعنوان المسجديّة - لا تجري عليه أحكامها.
مسألة 181: لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد ونحوه كالصبغ والترميم في حال الجنابة، بل الإجارة فاسدة ولا يستحقّ الأجرة المسمّاة، وفي استحقاقه أجرة المثل إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك، نعم يجوز استئجاره لذلك من غير تقييد بزمان الجنابة فيستحقّ الأجرة حينئذٍ وإن أتى به حالها، هذا إذا علم الأجير بجنابته، أمّا إذا جهل بها فيجوز استئجاره مطلقاً، وكذلك الصبيّ والمجنون الجنب.
مسألة 182: إذا علم إجمالاً جنابة أحد الشخصين وعلم الجنب منهما بجنابته لا يجوز استئجارهما ولا استئجار أحدهما لقراءة العزائم، أو دخول المساجد أو نحو ذلك ممّا يحرم على الجنب وإلّا فالظاهر جواز الاستئجار تكلىفاً ووضعاً.
مسألة 183: مع الشكّ في الجنابة لا يحرم شيء من المحرّمات المذكورة، إلّا إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة.

 

الفصل الثالث ما يكره للجنب

قد ذكر الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه يكره للجنب الأكل والشرب إلّا بعد الوضوء، أو بعد غسل اليدين والتمضمض وغسل الوجه، وتزول مرتبة من الكراهة بغسل اليدين فقط، ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم، بل الأحوط استحباباً عدم قراءة شيء من القرآن مادام جنباً، ويكره أيضاً مسّ ما عدا الكتابة من المصحف، والنوم جنباً إلّا أن يتوضّأ أو يتيمّم بدل الغسل.

 

الفصل الرابع واجبات غسل الجنابة

وهي أُمور :
فمنها: النيّة، ويجري فيها ما تقدّم في نيّة الوضوء.
ومنها: غَسل ظاهر البشرة على وجه يتحقّق به مسمّاه، فلا بُدَّ من رفع الحاجب، وتخليل ما لا يصل الماء معه إلى البشرة إلّا بالتخليل، ولا يجب غسل الشعر إلّا ما كان من توابع البدن كالشعر الرقيق وإن كان الأحوط استحباباً غسل مطلق الشعر، ولا يجب غسل البواطن كباطن العين والأذن والفم، نعم يجب غسل ما يشكّ في أنّه من الباطن أو الظاهر وإن علم أنّه كان من الباطن ثُمَّ شكّ في تبدّله فالأحوط وجوباً غسله أيضاً.
ومنها: الإتيان بالغُسل على إحدى كيفيّتين:
أُولاهما: الترتيب، والأحوط وجوباً فيه أن يغسل أوّلاً تمام الرأس والرقبة ثُمَّ بقيّة البدن، والأحوط الأولى أن يغسل أوّلاً تمام النصف الأيمن ثُمَّ تمام النصف الأيسر، ولا بُدَّ في غَسل كلّ عضو من إدخال شيء من الآخر ممّا يتّصل به إذا لم ‏يحصل العلم بإتيان الواجب إلّا بذلك، ولا ترتيب هنا بين أجزاء كلّ عضو، فله أن يغسل الأسفل منه قبل الأعلى، كما أنّه لا كيفيّة مخصوصة للغسل هنا، بل يكفي المسمّى كيف كان، فيجزىٔ رمس الرأس بالماء أوّلاً، ثُمَّ الجانب الأيمن، ثُمَّ الجانب الأيسر، كما يكفي رمس البعض، والصبّ على الآخر .
ثانيتهما: الارتماس، وهو على نحوين: دفعيّ وتدريجيّ، والأوّل هو تغطية الماء لمجموع البدن وستره لجميع أجزائه، وهو أمر دفعيّ يعتبر الانغماس التدريجيّ مقدّمة له، والثاني هو غمس البدن في الماء تدريجاً مع التحفّظ فيه على الوحدة العرفيّة، فيكون غمس كلّ جزء من البدن جزءاً من الغسل لا مقدّمة له كما في النحو الأوّل.
ويعتبر في الثاني أن يكون كل جزء من البدن خارج الماء قبل رمسه بقصد الغسل، ويكفي في النحو الأوّل خروج بعض البدن من الماء ثُمَّ رمسه فيه بقصد الغسل.
مسألة 184: النيّة في النحو الأوّل يجب أن تكون مقارنة للتغطية في زمان حدوثها فإذا تحقّق بها استيلاء الماء على جميع البدن مقروناً بالنيّة كفى، وأمّا إذا توقّف ذلك على أمر آخر كتخليل الشعر أو رفع القدم عن الأرض مثلاً فلا بُدَّ من استمرار النيّة من حين التغطية إلى حين وصول الماء إلى تمام الأجزاء، أو نيّة الغسل بالارتماس البقائيّ المقارن مع وصوله إليها، وأمّا في النحو الثاني فتجب النيّة مقارنة لغمس أوّل جزء من البدن في الماء واستمرارها إلى حين غمس الجميع.
مسألة 185: الأحوط وجوباً عدم الاكتفاء في الغسل بتحريك البدن تحت الماء بقصد الغسل، كأن يكون جميع بدنه تحت الماء فيقصد الغسل الترتيبيّ بتحريك الرأس والرقبة أوّلاً ثُمَّ الجانبين، وكذلك تحريك بعض الأعضاء وهو في الماء بقصد غسله، وأيضاً الأحوط وجوباً عدم الاكتفاء في الغسل بإخراج البدن من الماء بقصد الغسل، ومثله إخراج بعض الأعضاء من الماء بقصد غسله.
ومنها: إطلاق الماء، وطهارته - بل ونظافته على الأحوط لزوماً - وإباحته، والمباشرة اختياراً، وعدم المرض ممّا يتضرّر معه من استعمال الماء، وطهارة العضو المغسول على نحو ما تقدّم في الوضوء.
وقد تقدّم فيه أيضاً ما يتعلّق باعتبار إباحة الإناء والمصبّ، وحكم الجبيرة والحائل وغيرهما من أفراد الضرورة، وحكم الشكّ والنسيان وارتفاع السبب المسوّغ للوضوء الناقص في الأثناء وبعد الفراغ منه، والغُسل كالوضوء في جميع ذلك، نعم يفترق عنه في عدم اعتبار الموالاة فيه في الترتيبيّ منه، وكذلك عدم اعتبار مراعاة الأعلى فالأعلى في غسل كلّ عضو .
مسألة 186: الغسل الترتيبيّ مع مراعاة الترتيب فيه بين الأيمن والأيسر أفضل من الغسل الارتماسيّ.
مسألة 187: يجوز العدول من الغسل الترتيبيّ إلى الارتماسيّ بقسميه، وكذا العدول من القسم الثاني من الارتماسيّ إلى غيره، هذا في العدول الاستئنافيّ أي رفع اليد عمّا شرع فيه واستئناف غيره، وأمّا العدول التكميليّ من الترتيبيّ إلى الارتماسيّ فغير جائز، وكذا العكس فيما يتصوّر فيه ذلك.
مسألة 188: يجوز في الغسل الارتماس فيما دون الكرّ، وإن كان يجري على الماء حينئذٍ حكم المستعمل في رفع الحدث الأكبر .
مسألة 189: إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبيّن ضيقه صحّ غسله.
مسألة 190: ماء غُسل المرأة من الجنابة أو الحيض أو نحوهما من النفقة الواجبة على الزوج.
مسألة 191: إذا اغتسل ولم ‏يستحضر النيّة تفصيلاً ولكن كان بحيث لو سئل ماذا تفعل، لأجاب بأنّه يغتسل كفى ذلك، أمّا لو كان يتحيّر في الجواب - لا لعارض كخوف أو نحوه، بل من جهة عدم تأثّر النفس عن الداعي الإلهيّ - فعمله باطل، لانتفاء النيّة.
مسألة 192: المتعارف في الحمّام العموميّ أنّ الإذن بالاستفادة منه من قبيل الإباحة المشروطة بدفع نقد معيّن معجّلاً، فإن كان قاصداً حين الاغتسال عدم إعطاء العوض للحمّاميّ، أو كان قاصداً إعطاء غير العوض المعيّن، أو كان قاصداً للتأجيل، أو كان متردّداً في ذلك، بطل غسله وإن استرضاه بعد ذلك.
مسألة 193: إذا ذهب إلى الحمّام ليغتسل، وبعد الخروج شكّ في أنّه اغتسل أم لا، بنى على العدم، ولو علم أنّه اغتسل لكن شكّ في أنّه اغتسل على الوجه الصحيح أم لا، بنى على الصحّة.
مسألة 194: إذا كان ماء الحمّام مباحاً لكن سخّن بالوقود المغصوب لم ‏يمنع ذلك من الغُسل فيه.
مسألة 195: لا يجوز الغُسل في حوض المدرسة ونحوه، إلّا إذا علم بعموم الوقفيّة أو الإباحة، ولو من جهة جريان العادة باغتسال أهله أو غيرهم فيه من دون منع أحد.
مسألة 196: الماء المسبّل - كماء البرّادات في الأماكن العامّة - لا يجوز الوضوء ولا الغسل منه إلّا مع العلم بعموم المنفعة المسبّلة.
مسألة 197: لبس المئزر الغصبيّ حال الغُسل وإن كان محرّماً في نفسه لكنّه لا يوجب بطلان الغُسل.

 

الفصل الخامس مستحبّات غسل الجنابة وجملة من أحكام الأغسال

قد ذكر العلماء (رضوان الله تعالى عليهم): أنّه يستحبّ غَسل اليدين أمام الغُسل من المرفقين ثلاثاً، ثُمَّ المضمضة ثلاثاً، ثُمَّ الاستنشاق ثلاثاً، وإمرار اليد على ما تناله من الجسد خصوصاً في الترتيبيّ، بل ينبغي التأكّد في ذلك وفي تخليل ما يحتاج إلى التخليل، ونزع الخاتم ونحوه، والاستبراء بالبول قبل الغُسل.
مسألة 198: الاستبراء بالبول ليس شرطاً في صحّة الغُسل، لكن إذا تركه واغتسل ثُمَّ خرج منه بلل مشتبه بالمنيّ جرى عليه حكم المنيّ ظاهراً، فيجب الغُسل له كالمنيّ، سواء استبرأ بالخرطات لتعذّر البول أم لا، إلّا إذا علم - بذلك أو بغيره - عدم بقاء شيء من المنيّ في المجرى.
مسألة 199: إذا بال بعد الغُسل ولم‏ يكن قد بال قبله، لم ‏تجب إعادة الغسل وإن احتمل خروج شيء من المنيّ مع البول.
مسألة 200: إذا دار أمر المشتبه بين البول والمنيّ بعد الاستبراء بالبول والخرطات كفى الإتيان بالوضوء وإن كان قد اغتسل ولم ­يصدر منه الحدث الأصغر بعد الغُسل وقبل خروج البلل المشتبه.
مسألة 201: يجزىٔ غسل الجنابة عن الوضوء لكلّ ما اشترط به، وكذلك غيره من الأغسال التي ثبتت مشروعيّتها.
مسألة 202: إذا خرجت رطوبة مشتبهة بعد الغُسل وشكّ في أنّه استبرأ بالبول أم لا، بنى على عدمه، فيجب عليه الغسل.
مسألة 203: لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص والاختبار وبين أن يكون قبله ولو لعدم إمكان الاختبار من جهة العمى أو الظلمة أو نحو ذلك.
مسألة 204: لو أحدث بالأصغر في أثناء الغُسل من الجنابة فله أن يتمّه، والأحوط وجوباً ضمّ الوضوء إليه حينئذٍ، وله العدول الاستئنافيّ من الترتيبيّ إلى الارتماسيّ وبالعكس، ولا حاجة حينئذٍ إلى ضمّ الوضوء.
مسألة 205: إذا أحدث أثناء سائر الأغسال بالحدث الأصغر جرى عليه ما تقدّم في غُسل الجنابة، إلّا في الاستحاضة المتوسّطة فإنّه يجب فيها الوضوء على كلّ حال.
مسألة 206: إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغُسل، فإن كان مماثلاً للحدث السابق - كالجنابة في أثناء غُسلها أو مسّ الميّت في أثناء غسله - فلا إشكال في وجوب الاستئناف، وإن كان مخالفاً له لم ‏يبطل غسله فيتمّه ويأتي بالآخر، ويجوز الاستئناف بغُسلٍ واحدٍ لهما، ولا يجب الوضوء بعده في غير الاستحاضة المتوسّطة.
مسألة 207: إذا شكّ في غَسل الرأس والرقبة قبل الدخول في غَسل البدن رجع وأتى به، وكذا إذا كان بعد الدخول فيه على الأحوط لزوماً، ولو شكّ في غَسل الطرف الأيمن فاللازم الاعتناء به حتّى مع الدخول في غَسل الطرف الأيسر، نعم إذا شكّ معتاد الموالاة بعد فواتها في غسل بعض الأجزاء مع إحراز غسل معظمها لم ­ىعتنِ بشكّه.
مسألة 208: إذا غَسل أحد الأعضاء ثُمَّ شكّ في صحّته وفساده لم ‏يعتنِ بالشكّ، سواء أكان الشكّ بعد دخوله في غَسل العضو الآخر أم كان قبله.
مسألة 209: إذا شكّ في الإتيان بغُسل الجنابة بنى على عدمه، وإذا شكّ فيه بعد الفراغ من الصلاة لم‏ تجب إعادتها، إلّا إذا كانت موقّتة وحدث الشكّ في الوقت وصدر منه الحدث الأصغر بعد الصلاة فإنّ الأحوط لزوماً إعادتها حينئذٍ، ويجب عليه الغسل لكلّ عمل تتوقّف صحّته أو جوازه على الطهارة من الحدث الأكبر من غير فرق بين الصلاة وغيرها حتّى مثل مسّ كتابة القرآن.
وهذا الغُسل يمكن أن يقع على نحوين:
الأوّل: أن يقطع بكونه مأموراً به - وجوباً أو استحباباً - كأن يقصد به غُسل يوم الجمعة أو غُسل الجنابة المتجدّدة بعد الصلاة وحينئذٍ فله الاكتفاء به في الإتيان بأيّ عمل مشروط بالطهارة سواء سبقه الحدث الأصغر أم لا.
الثاني: أن لا يكون كذلك بأن أتى به لمجرّد احتمال بقاء الجنابة التي يشكّ في الاغتسال منها قبل الصلاة، وحينئذٍ يكتفى به في الإتيان بما هو مشروط بالطهارة عن الحدث الأكبر فقط كجواز المكث في المساجد، وأمّا ما هو مشروط بالطهارة حتّى عن الحدث الأصغر فلا يكتفى فيه بالغُسل بل يجب ضمّ الوضوء إليه إن سبقه صدور الحدث منه دون ما لم ‏يسبقه.
مسألة 210: إذا اجتمع عليه أغسال متعدّدة واجبة أو مستحبّة، أو بعضها واجب وبعضها مستحبّ، أجزأ غُسل واحد بقصد الجميع، وكذا لو قصد الجنابة فقط، ولو قصد غير الجنابة أجزأ عمّا قصده بل وعن غيره أيضاً.
نعم في إجزاء أيِّ غُسل عن غُسل الجمعة من دون قصده ولو إجمالاً إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك - ومثله الأغسال الفعليّة سواء أكانت للدخول في مكان خاصّ كالحرم المكّيّ أو للإتيان بفعل خاصّ كالإحرام -، ولو قصد الغسل قربة من دون نيّة الجميع تفصيلاً ولا واحد بعينه صحّ، إذ يرجع ذلك إلى نيّة الجميع إجمالاً.
ثُمَّ إنّ ما ذكر من إجزاء غُسل واحد عن أغسال متعدّدة يجري في جميع الأغسال الواجبة والمستحبّة - مكانيّة أو زمانيّة أو لغاية أُخرى - ولكن جريانه في الأغسال المأمور بها بسبب ارتكاب بعض الأفعال - كمسّ الميّت بعد غسله حيث يستحبّ له الغسل - مع تعدّد السبب نوعاً لا يخلو عن إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.
مسألة 211: إذا كان يعلم - إجمالاً - أنّ عليه أغسالاً لكنّه لا يعلم بعضها بعينه يكفيه أن يقصد جميع ما عليه، وإذا قصد البعض المعيّن كفى عن غيره على التفصيل المتقدّم، وإذا علم أنّ في جملتها غسل الجنابة وقَصَدَه في جملتها أو بعينه لم‏ يحتج إلى الوضوء، بل لا حاجة إليه مطلقاً في غير الاستحاضة المتوسّطة.

 

المقصد الثاني غسل الحيض


وفيه فصول:

الفصل الأوّل حدث الحيض

وسببه خروج دم الحيض، الذي يجتمع في الرحم وتراه المرأة في كلّ شهر مرّة في الغالب، سواء خرج من الموضع الأصليّ - للنوع أو لفرد شاذّ الخلقة من هذه الجهة - وإن كان خروجه بقطنة أو غيرها، أم خرج من الموضع العارضيّ ولكن بدفع طبيعيّ لا بمثل الإخراج بالآلة، وإذا انصبّ من الرحم إلى فضاء الفرج ولم ‏يخرج منه أصلاً لم‏ يوجب الحدث، وإذا خرج ولو بمقدار قطرة ثُمَّ انقطع يبقى الحدث ما دام باقياً في باطن الفرج.
مسألة 212: إذا افتضّت البكر فسال دم وشكّ في أنّه من دم الحيض أو من دم البكارة أو منهما، أدخلت قطنة وصبرت فترة تعلم بنفوذ الدم فيها، ثُمَّ استخرجتها برفق، فإنْ كانت مطوّقة بالدم فهو من دم البكارة، وإنْ كانت مستنقعة فهو من دم الحيض، وهذا الاختبار واجب وجوباً طريقيّاً لاستكشاف حالها، فلا يحكم بصحّة صلاتها ظاهراً، ولا يجوز لها الإتيان بها بقصد الأمر الجزميّ إلّا مع الاختبار .
مسألة 213: إذا تعذّر الاختبار المذكور تعمل وفق حالها السابق من حيض أو عدمه، وإذا جهلت الحالة السابقة فالأحوط استحباباً الجمع بين عمل الحائض والطاهرة وإن كان يجوز لها البناء على الطهارة.

الفصل الثاني من ترى الحيض



يعتبر في دم الحيض أن يكون بعد البلوغ وقبل سنّ الستّين، فكلّ دم تراه الصبيّة قبل بلوغها تسع سنين لا يكون دم حيض، وكذا ما تراه المرأة بعد بلوغها الستّين لا تكون له أحكامه،‏ والأحوط الأولى‏ في غير القرشيّة الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة فيما بين الخمسين والستّين فيما إذا كان الدم بحيث لو رأته قبل الخمسين لحكم بكونه حيضاً كالذي تراه أيّام عادتها، وأمّا سنّ اليأس الموجب لسقوط عدّة الطلاق - بعد انقطاع الدم وعدم رجاء عوده لكبر سنّ المرأة - فحدّه الخمسون سنة.
مسألة 214: يجتمع الحيض مع الحمل قبل ظهوره وبعد ظهوره، نعم الأحوط لزوماً أن تجمع الحامل ذات العادة الوقتيّة بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة في صورة واحدة، وهي ما إذا رأت الدم بعد مضيّ عشرين يوماً من أوّل عادتها وكان الدم بصفات الحيض، وفي غير هذه الصورة حكم الحامل وغير الحامل على حدٍّ سواء.

الفصل الثالث أقلّ الحيض وأكثره



أقلّ الحيض ما يستمرّ من حين خروج الدم ثلاثة أيّام ولو في باطن الفرج، ويكفي التلفيق من أبعاض اليوم، ولا يكفي وجوده في بعض كلّ يومٍ من الثلاثة ولا مع انقطاعه فيما يتوسّطها من الليالي، نعم الفترات اليسيرة المتعارفة ولو في بعض النساء لا تخلّ بالاستمرار المعتبر فيه.
وأكثر الحيض عشرة أيّام، وكذلك أقلّ الطهر بين حيضتين، وأمّا النقاء المتخلّل بين الدمين من حيض واحد فالأحوط لزوماً الجمع فيه بين أحكام الطاهرة والحائض.
وعلى ما تقدّم فكلّ دم تراه المرأة ناقصاً عن الثلاثة أو زائداً على العشرة أو قبل مضيّ عشرة من الحيض الأوّل، فليس بحيض.

الفصل الرابع أقسام الحائض وأحكامها



تعتبر المرأة ذات عادة بتكرّر الحيض مرّتين متواليتين من غير فصل بينهما بحيضة مخالفة، فإن اتّفقا في الزمان والعدد - كأنْ رأت في أوّل كلٍّ من الشهرين المتواليين سبعة أيّام مثلاً - فالعادة وقتيّــة وعدديّــة، وإن اتّفقــا في الزمــان خاصّــة دون العــدد - كأنْ رأت في أوّل الشهر الأوّل سبعة وفي أوّل الثاني خمسة - فالعادة وقتيّة خاصّة، وإن اتّفقا في العدد فقط - كأن رأت الخمسة في أوّل الشهر الأوّل وكذلك في آخر الشهر الثاني مثلاً - فالعادة عدديّة فقط.
مسألة 215: ذات العادة الوقتيّة - سواء أكانت عدديّة أم لا - تتحيّض بمجرّد رؤية الدم في أيّام عادتها وإن كان أصفر رقيقاً، وكذا إذا رأت الدم قبل العادة بيوم أو يومين أو أزيد ما دام يصدق عليه تعجيل الوقت والعادة بحسب عرف النساء، فتترك العبادة وتعمل عمل الحائض في جميع الأحكام، ولكن إذا انكشف أنّه ليس بحيــض - لانقطاعه قبل الثلاثة مثلاً - وجب عليها قضاء الصلاة.
مسألة 216: غير ذات العادة الوقتيّة - سواء أكانت ذات عادة عدديّة فقط أم لم‏ تكن ذات عادة أصلاً كالمبتدئة - إذا رأت الدم وكان جامعاً للصفات - مثل: الحرارة، والحمرة أو السواد، والخروج بحرقة - تتحيّض أيضاً بمجرّد الرؤية، ولكن إذا انكشف أنّه ليس بحيض لانقطاعه قبل الثلاثة وجب عليها قضاء الصلاة، وإذا كان الدم فاقداً للصفات فلا تتحيّض به إلّا من حين العلم باستمراره إلى ثلاثة أيّام - ولو كان ذلك قبل إكمال الثلاثة - وأمّا مع احتمال الاستمرار فالأحوط وجوباً الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.
مسألة 217: إذا تقدّم الدم على العادة الوقتيّة بأزيد ممّا يصدق عليه تعجيل الوقت بحسب عرف النساء، أو تأخّر عنها ولو قليلاً، فحكم المرأة في التحيّض به وعدمه حكم غير ذات العادة الوقتيّة المتقدّم في المسألة السابقة.
مسألة 218: لا تثبت العادة بالتمييز، أي بكون الدم في بعض أيّامه واجداً لبعض صفات الحيض وفي بعضها الآخر واجداً لصفة الاستحاضة، فالمرأة مستمرّة الدم إذا رأت خمسة أيّام مثلاً بصفة الحيض في أوّل الشهر ثُمَّ رأت الباقي بصفة الاستحاضة وكذلك رأت في أوّل الشهر اللاحق خمسة أيّام بصفة الحيض والباقي بصفة الاستحاضة لا تعتبر ذات عادة عدديّة ووقتيّة بل تعدّ غير ذات عادة، وحكم غير ذات العادة المتعارفة الرجوع إلى الصفات مطلقاً كما سيأتي.

 

الفصل الخامس حكم رؤية الدم مرّتين في شهر واحد

إذا تخلّل بين دمين لا يقلّ أيّ منهما عن ثلاثة أيّام ولا يزيد على عشرة نقاءٌ أقلّ من عشرة فهنا صورتان:
الأُولى: ما إذا لم يكن مجموع الدمين والنَّقاء المتخلِّل أزيد من عشرة أيّام، ففي هذه الصورة يحكم بكون الدمين حيضاً سواء أكان أحدهما أو كلاهما واقعاً في أيّام العادة أو ما بحكمها أم لا، وأمّا النقاء المتخلِّل بينهما فالأحوط لزوماً فيه الجمع بين أحكام الحائض والطاهرة.
الثانية: ما إذا تجاوز عن العشرة، ففي هذه الصورة لا يمكن أن يُجْعل الدمان معاً من حيض واحد، كما لا يمكن جعل كلّ واحد منهما حيضاً مستقلّاً، وحينئذٍ فإن كان أحدهما في العادة دون الآخر كان ما في العادة حيضاً والآخر استحاضة مطلقاً إلّا إذا كان ما في العادة متقدّماً زماناً وكان الدم الثاني متّصفاً بصفة الحيض، فإنّ المقدار الذي لم‏ يتجاوز عن العشرة يحكم بكونه من الحيضة الأُولى.
وأمّا إذا لم ‏يصادف شيء منهما العادة - ولو لعدم كونها ذات عادة - فإن كان أحدهما واجداً للصفات دون الآخر تجعل الواجد حيضاً والفاقد استحاضة، وإن تساويا في الصفات تجعل أوّلهما حيضاً سواء أكانا معاً متّصفين بصفة الحيض أم لا، والأحوط الأولى أن تحتاط في كلٍّ من الدمين خصوصاً في الصورة الثانية.
مسألة 219: إذا تخلّل بين الدمين المفروضين أقلّ الطهر كان كلّ منهما حيضاً مستقلّاً، سواء أكان كلّ منهما أو أحدهما في العادة أم لا، وسواء أكان كلّ منهما أو أحدهما واجداً للصفات أم لا.

 

الفصل السادس الاستبراء والاستظهار

إذا انقطع دم الحيض لدون العشرة عن ظاهر الفرج، فإن احتملت بقاءه في الداخل وجب عليها الاستبراء ولا يجوز لها ترك العبادة بدونه، فإن خرجت القطنة ملوّثة بقيت على التحيّض - كما سيأتي - وإن خرجت نقيّة اغتسلت وعملت عمل الطاهرة، إلّا مع اعتياد تخلّل النقاء على وجهٍ تعلم أو تطمئنّ بعود الدم قبل انتهاء العشرة من حين ابتدائه فإنّ عليها حينئذٍ أن تجمع بين أحكام الطاهرة والحائض على ما تقدّم.
وكيفيّة الاستبراء أن تدخل قطنة وتتركها في موضع الدم وتصبر أزيد من الفترة اليسيرة التي يتعارف انقطاع الدم فيها مع بقاء الحيض كما تقدّم.
وإذا تركت الاستبراء لعذر - من نسيان أو نحوه - واغتسلت، وصادف براءة الرحم صحّ غسلها، وإن تركته - لا لعذر - صحّ غسلها أيضاً إذا صادف براءة الرحم وحصل منها نيّة القربة.
وإن لم ‏تتمكّن من الاستبراء - لظلمة أو عمى مثلاً - فحكمها البقاء على التحيّض حتّى تعلم بالنقاء، وإن كان الأحوط الأولى لها أن تجمع بين أحكام الطاهرة - ومنها الاغتسال للصلاة - وأحكام الحائض إلى أن تعلم بالنقاء فتعيد الغُسل وتقضي الصوم.
مسألة 220: إذا انقطع الدم واستبرأت فخرجت القطنة ملوّثة ولو بالصفرة، فإن كانت مبتدئة، أو لم‏ تستقرّ لها عادة، أو كانت عادتها عشرة بقيت على التحيّض إلى تمام العشرة، أو يحصل لها العلم بالنقاء قبلها، وإن شكّت فيه أعادت الاستبراء، وإذا كانت ذات عادة دون العشرة فإن كان الاستبراء في أيّام العــــــادة، بقيــــت على التحيّض إلى أن تتمّها إلّا أن يحصل لها العلم بالنقاء قبله، وإن شكّت فيه أعادت الاستبراء كما تقدّم.
وإذا كان بعد انقضاء العادة فإن علمت انقطاع الدم قبل العشرة بقيت على التحيّض إلى حين الانقطاع، وإن علمت تجاوزه عنها اغتسلت وأتت بأعمال المستحاضة، ومع التردّد بين الأمرين بأن احتملت الانقطاع في اليوم العاشر أو قبله فالأحوط الأولى أن تستظهر بيوم (والاستظهار هو الاحتياط بترك العبادة) ثُمَّ تغتسل من الحيض وتعمل عمل المستحاضة، ولها أن تستظهر أزيد من يوم إلى تمام العشرة ما لم ‏يظهر لها حال الدم، وأنّه ينقطع على العشرة أو يستمرّ إلى ما بعد العشرة، وإلّا عملت حسب علمها كما مرّ آنفاً.
ثُمَّ إنّ ما ذكر من الاستظهار لـذي العادة يختــصّ بالحائــض التي تمادى بهــا الــدم - كما هو محلّ الكلام - ولا يشمل من استحاضت قبل أىّام عادتها واستمرّ بها الدم حتّى تجاوز العادة، فإنّه لا ىشرع لها الاستظهار، بل أنّ عليها أن تعمل عمل المستحاضة بعد انقضاء أيّام العادة.

 

الفصل السابع حكم تجاوز الدم عن العشرة وبعض المسائل المتعلّقة بالعادة

مسألة 221: قد عرفت حكم الدم المستمرّ إذا انقطع على العشرة في ذات العادة وغيرها، وأمّا إذا تجاوز العشرة قليلاً كان أو كثيراً وكانت المرأة ذات عادة وقتيّة وعدديّة جعلت ما في العادة حيضاً وإن كان فاقداً للصفات، والزائد عليها استحاضة وإن كان واجداً لها، سواء أمكن جعل الواجد أيضاً حيضاً - منضمّاً أو مستقلّاً - أم لم يمكن، هذا إذا لم ‏يتخلّل نقاء في البين - كما هو مفروض الكلام - وإلّا فربّما يحكم بحيضيّة الواجد منضمّاً كما إذا كانت عادتها ثلاثة مثلاً ثُمَّ انقطع الدم، ثُمَّ عاد بصفات الحيض ثُمَّ رأت الدم الأصفر فتجاوز العشرة فإنّ الظاهر في مثله جعل الدم الواجد للصفات مع ما في العادة حيضاً، وأمّا النقاء المتخلّل بين الدمين فالأحوط لزوماً أن تجمع فيه بين أحكام الطاهرة والحائض.
مسألة 222: المبتدئة وهي: المرأة التي ترى الدم لأوّل مرّة، والمضطربة وهي: التي تكرّرت رؤيتها للدّم ولم‏ تستقرّ لها عادة، إذا رأت الدم وقد تجاوز العشرة فله حالتان:
الأُولى: أن يكون واجداً للتمييز بأن يكون الدم المستمرّ بعضه بصفة الحيض وبعضه بصفة الاستحاضة.
والثانية: أن يكون فاقداً له بأن يكون ذا لون واحد وإن اختلفت مراتبه كما إذا كان الكلّ بصفة دم الحيض ولكن بعضه أسود وبعضه أحمر أو كان الجميع بصفة دم الاستحاضة، ـــ أي أصفر ـــ مع اختلاف درجات الصفرة.
ففي الحالة الأُولى: تجعل الدم الفاقد لصفة الحيض استحاضة كما تجعل الدم الواجد لها حيضاً مطلقاً إذا لم‏ يلزم من ذلك محذور عدم فصل أقلّ الطهر - أي عشرة أيّام - بين حيضتين مستقلّتين وإلّا جعلت الثاني استحاضة أيضاً، هذا إذا لم يكن الواجد أقلّ من ثلاثة أيّام ولا أكثر من العشرة، وأمّا مع كونه أقلّ أو أكثر فلا بُدَّ في تعيين عدد أيّام الحيض من الرجوع إلى أحد الطريقين الآتيين في الحالة الثانية بتكميل العدد إذا كان أقلّ من ثلاثة بضمّ بعض أيّام الدم الفاقد لصفة الحيض، وتنقيصه إذا كان أكثر من العشرة بحذف بعض أيّام الدم الواجد لصفة الحيض، ولا يحكم بحيضيّة الزائد على العدد.
وأمّا في الحالة الثانية: فالمبتدئة تقتدي ببعض نسائها في العدد، ويعتبر فيمن تقتدي بها أمران:
الأوّل: عدم العلم بمخالفتها معها في مقدار الحيض، فلا تقتدي المبتدئة بمن كانت قريبة من سنّ اليأس مثلاً.
الثاني: عدم العلم بمخالفة عادة من تريد الاقتداء بها مع عادة من يماثلها من سائر نسائها.
وإذا لم ‏يمكن الاقتداء ببعض نسائها كانت مخيّرة في كلّ شهر في التحيّض فيما بين الثلاثة إلى العشرة، ولكن ليس لها أن تختار عدداً تطمئنّ بأنّه لا يناسبها، والأحوط استحباباً اختيار السبع إذا لم ‏يكن غير مناسب لها.
وأمّا المضطربة فالأحوط وجوباً أن ترجع إلى بعض نسائها فإن لم ‏يمكن رجعت إلى العدد على النحو المتقدّم، هذا إذا لم‏ تكن ذات عادة أصلاً، وأمّا إذا كانت ذات عادة ناقصة بأن كان لأيّام دمها عدد (فوق الثلاثة) لا ينقص عنه كأن لم‏ تكن ترى الدم أقلّ من خمسة أيّام، أو كان لها عدد (دون العشرة) لا تزيد عليه كأن لم‏ تكن ترى الدم أكثر من ثمانية أيّام، أو كان لها عدد من كلا الجانبين (قلّة وكثرة) كأن لم‏ تكن ترى الدم أقلّ من خمسة ولا أكثر من ثمانية فليس لها أن تأخذ بأحد الضوابط الثلاثة في مورد منافاتها مع تلك العادة الناقصة.
مسألة 223: إذا كانت ذات عادة عدديّة فقط ونسيت عادتها ثُمَّ رأت الدم ثلاثة أيّام أو أكثر ولم‏ يتجاوز العشرة كان جميعه حيضاً، وأمّا إذا تجاوزها فحكمها في ذلك كلّه حكم المبتدئة المتقدّم في المسألة السابقة، ولكنّها تمتاز عنها في موردين:
1. ما إذا كان العدد الذي يقتضيه أحد الضوابط الثلاثة المتقدّمة أقلّ من المقدار المتيقّن من عادتها، كما إذا كان العدد المفروض سبعة وهي تعلم أنّ عادتها المنسيّة إمّا كانت ثمانية أو تسعة، ففي مثل ذلك لا بُدَّ أن تجعل القدر المتيقّن من عادتها حيضاً وهو الثمانية في المثال.
2. ما إذا كان العدد المفروض أكبر من عادتها كما إذا كان ثمانية وهي تعلم بأنّ عادتها كانت خمسة أو ستّة، ففي مثل ذلك لا بُدَّ أن تجعل أكبر عدد تحتمل أنّه كان عادة لها حيضاً وهو الستّة في المثال.
وأمّا في غير هذين الموردين فلا عبرة بالعدد المنسيّ، ولكنّها إذا احتملت العادة فيما زاد على العدد المفروض فالأحوط الأولى أن تعمل فيه بالاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.
مسألة 224: إذا كانت ذات عادة وقتيّة فقط فنسيتها وتجاوز الدم عن العشرة، فحكمها ما تقدّم في المبتدئة من لزوم الرجوع إلى التمييز أو الرجوع إلى بعض نسائها أو اختيار العدد على التفصيل المتقدّم، ولا خصوصيّة للمقام إلّا في موردين:
الأوّل: ما إذا علمت بأنّ زماناً خاصّاً - أقلّ من الثلاثة - ترى فيه الدم فعلاً جزء من عادتها الوقتيّة ولكنّها نسيت مبدأ الوقت ومنتهاه، فحكمها حينئذٍ لزوم التمييز بالدم الواجد للصفات المشتمل على ذلك الزمان، وأمّا مع عدم الاشتمال عليه فتعتبر فاقدة للتمييز فتختار العدد المشتمل عليه على التفصيل المتقدّم.
الثاني: ما إذا لم‏ تعلم بذلك، ولكنّها علمت بانحصار زمان الوقت في بعض الشهر كالنصف الأوّل منه وحينئذٍ فلا أثر للدم الواجد للصفة إذا كان خارجاً عنه، كما أنّه ليس لها اختيار العدد في غيره، هذا والأحوط الأولى لها أن تحتاط في جميع أيّام الدم مع العلم بالمصادفة مع وقتها إجمالاً.
مسألة 225: إذا كانت ذات عادة عدديّة ووقتيّة فنسيتها ففيها صور :
الأُولى: أن تكون ناسية للوقت مع حفظ العدد والحكم فيها هو الرجوع في العدد إلى عادتها وفي الوقت إلى التمييز على التفصيل المتقدّم في المسألة السابقة، ومع عدم إمكان الرجوع إليه تجعل العدد في أوّل رؤية الدم إذا أمكن جعله حيضاً، وإلّا فتجعله بعده كما إذا رأت الدم المتجاوز عن العشرة بعد الحيض السابق من دون فصل عشرة أيّام بينهما.
الثانية: أن تكون حافظة للوقت وناسية للعدد، ففي هذه الصورة مع تذكّرها مبدأ الوقت تجعل ما تراه من الدم في وقتها المعتاد - بصفة الحيض أو بدونها - حيضاً، فإن لم‏ يتجاوز العشرة فجميعه حيض، وإن تجاوزها فعليها أن ترجع في تعيين العدد إلى التمييز إن أمكن، وإلّا فإلى بعض أقاربها، وإن لم يمكن الرجوع إلى الأقارب أيضاً فعليها أن تختار عدداً مخيّرة بين الثلاثة إلى العشرة، نعم لا عبرة بشيء من الضوابط الثلاثة في موردين تقدّم بيانهما في المسألة (223).
الثالثة: أن تكون ناسية للوقت والعدد معاً، والحكم في هذه الصورة وإن كان يظهر ممّا سبق إلّا أنّا نذكر فروعاً للتوضيح:
الأوّل: إذا رأت الدم بصفة الحيض أيّاماً لا تقلّ عن ثلاثة ولا تزيد على عشرة كان جميعه حيضاً، وأمّا إذا كان أزيد من عشرة ولم‏ تعلم بمصادفته لأيّام عادتها تحيّضت به وترجع في تعيين عدده إلى بعض أقاربها، وإلّا فتختار عدداً بين الثلاثة والعشرة على التفصيل المشار إليه في الصورة الثانية.
الثاني: إذا رأت الدم بصفة الحيض أيّاماً لا تقلّ عن ثلاثة ولا تزيد على عشرة، وأيّاماً بصفة الاستحاضة ولم‏ تعلم بمصادفة ما رأته من الدم مع أيّام عادتها جعلت ما بصفة الحيض حيضاً وما بصفة الاستحاضة استحاضة إلّا في موردين تقدّم بيانهما في المسألة (223).
الثالث: إذا رأت الدم وتجاوز عشرة أيّام وعلمت بمصادفته لأيّام عادتها فوظيفتها الرجوع إلى التمييز إن أمكن وإلّا فإلى بعض نسائها، فإن لم ‏يمكن الرجوع إليهن أيضاً فعليها أن تختار عدداً بين الثلاثة والعشرة، ولا أثر للعلم بالمصادفة مع الوقت إلّا في موردين تقدّم التعرّض لهما في المسألة (224) وإنّما ترجع إلى العدد الذي يقتضيه أحد الضوابط الثلاثة المتقدّمة فيما إذا لم يكن أقلّ من القدر المتيقّن من عددها المنسيّ ولا أزيد من أكبر عدد تحتمل أن تكون عليه عادتها، وأمّا في هذين الموردين فحكمها ما تقدّم في المسألة (223).
مسألة 226: لا تثبت العادة الشرعيّة المركّبة، فإذا رأت المرأة الدم في الشهر الأوّل ثلاثة وفي الشهر الثاني أربعة وفي الشهر الثالث ثلاثة وفي الشهر الرابع أربعة لا تكون بذلك ذات عادة في شهر الفرد ثلاثة وفي شهر الزوج أربعة بل حكمها حكم المضطربة المتقدّم في المسألة (222)، نعم لو تكرّرت رؤية الدم بالكيفيّة المذكورة أو ما يشبهها مراراً كثيرة بحيث صدق عرفاً أنّها عادتها وأيّامها لزم الأخذ بها.

 

الفصل الثامن أحكام الحيض

مسألة 227: لا يصحّ من الحائض شيء ممّا يشترط فيه الطهارة من العبادات كالصلاة والصيام والاعتكاف والطواف الواجب بل والمندوب أيضاً على الأحوط وجوباً، ويحرم عليها جميع ما يحرم على الجنب ممّا تقدّم، ومنه المكث في المساجد الملازم للأخيرين.
مسألة 228: يحرم وطؤها في القُبُل - عليها وعلى الفاعل - بل قيل إنّه من الكبائر، بل الأحوط وجوباً ترك إدخال بعض الحشفة أيضاً، أمّا وطؤها في الدُّبُر فيكره كراهة شديدة مع رضاها، وأمّا مع عدمه فالأحوط لزوماً تركه.
ولا بأس بالاستمتاع بها بغير ذلك وإن كره بما تحت المئزر ممّا بين السرّة والركبة، وإذا نقيت من الدم جاز وطؤها وإن لم ‏تغتسل، ولكن الأحوط وجوباً أن تغسل فرجها قبل الوطء.
مسألة 229: الأحوط استحباباً للزوج - دون الزوجة - الكفّارة عن الوطء في أوّل الحيض بدينار، وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره بربع دينار .
والدينار هو (18) حُمّصة من الذهب المسكوك، والأحوط استحباباً أيضاً دفع الدينار نفسه مع الإمكان، وإلّا دفع القيمة وقت الدفع، ولا شيء على الساهي والناسي والجاهل بالموضوع أو الحكم.
مسألة 230: لا يصحّ طلاق الحائض وظهارها إذا كانت مدخولاً بها - ولو دُبُراً - وكان زوجها حاضراً أو في حكمه - على ما سيأتي تفصيله في كتاب الطلاق - إلّا أن تكون مستبينة الحمل فلا بأس به حينئذٍ، وإذا طلّقها على أنّها حائض فبانت طاهرة صحّ، وإن عكس فسد.
مسألة 231: يجب الغُسل من حدث الحيض لكلّ مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر، ويستحبّ للكون على الطهارة، وهو كغسل الجنابة في الكيفيّة من الارتماس والترتيب، ويجزئ عن الوضوء كغسل الجنابة، وإن كان الأحوط استحباباً بل الأفضل الوضوء قبله.
مسألة 232: يجب على الحائض قضاء ما فاتها من الصوم في شهر رمضان، بل والمنذور في وقت معيّن على الأحوط لزوماً، ولا يجب عليها قضاء الصلاة اليوميّة وصلاة الآيات والمنذورة في وقت معيّن.
مسألة 233: تصحّ طهارة الحائض من الحدث الأكبر غير الحيض، فإذا كانت جنباً واغتسلت عن الجنابة صحّ، وكذلك يصحّ منها الوضوء والأغسال المندوبة، نعم لا يصحّ منها غسل الجمعة قبل النقاء على الأحوط لزوماً كما سيأتي.
مسألة 234: يستحبّ لها التحشّي والوضوء في وقت كلّ صلاة واجبة، والجلوس في مكان طاهر مستقبلة القبلة ذاكرة لله تعالى، والأولى لها اختيار التسبيحات الأربع.
مسألة 235: يكره لها الخضاب بالحنّاء أو غيرها، وحمل المصحف، ولمس هامشه وما بين سطوره، وتعليقه.

 

المقصد الثالث غُسل الاستحاضة

فصل حدث الاستحاضة وأقسامها


مسألة 236: دم الاستحاضة - وهو ما تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس والبكارة والقروح والجروح - في الغالب أصفر بارد رقيق يخرج بلا لذع وحرقة، عكس دم الحيض، وربّما كان بصفاته، ولا حدّ لكثيره ولا لقليله، ولا للطهر المتخلّل بين أفراده، ولا يتحقّق قبل البلوغ، وفي تحقّقه بعد الستّين إشكال، فالأحوط وجوباً العمل معه بوظائف المستحاضة.
وهو ناقض للطهارة بخروجه - ولو بمعونة القطنة - من المحلّ المعتاد بالأصل أو بالعارض، وفي غيره إشكال فلا يترك معه مراعاة الاحتياط، وإذا خرج ثُمَّ انقطع يبقى الحدث ما دام باقياً في فضاء الفرج، ولو لم‏ يخرج منه شيء لم‏ يوجب الحدث وإنْ علم بوجوده في فضائه.
مسألة 237: الاستحاضة على ثلاثة أقسام: قليلة، ومتوسّطة، وكثيرة.
الأُولى: ما يكون الدم فيها قليلاً، بحيث ىلوّث القطنة ولا‏ يغمسها.
الثانية: ما يكون فيها أكثر من ذلك، بأن يغمس القطنة ولكن لا يتجاوزها إلى الخرقة التي فوقها.
الثالثة: ما يكون فيها أكثر من ذلك، بأن يغمسها ويتجاوزها إلى الخرقة فيلوّثها.

 

فصل أحكام المستحاضة

مسألة 238: الأحوط وجوباً للمستحاضة أن تختبر حالها قبل الصلاة لتعرف أنّها من أيّ الأقسام الثلاثة، فلو شكّت أن استحاضتها قليلة أو متوسّطة تقوم بإدخال قطنة في الموضع وتصبر قليلاً ثُمَّ تخرجها وتنظر هل لوّثها الدم أم غمسها؟ فتعمل بمقتضى ذلك، وإذا صلّت من دون اختبار بطلت إلّا إذا طابق عملها الوظيفة اللازمة لها، هذا فيما إذا تمكّنت من الاختبار، وإلّا تبني على أنّها ليست بمتوسّطة أو كثيرة إلّا إذا كانت مسبوقة بها فتأخذ بالحالة السابقة حينئذٍ.
مسألة 239: حكم القليلة وجوب الوضوء لكلّ صلاة، فريضة كانت أو نافلة، دون الأجزاء المنسيّة وصلاة الاحتياط فلا يحتاج فيها إلى تجديد الوضوء، كما لا يحتاج إلى تبديل القطنة أو تطهيرها لكلّ صلاة وإن كان ذلك أحوط استحباباً.
مسألة 240: حكم المتوسّطة ما تقدّم في القليلة، ويضاف إليه على الأحوط لزوماً الغُسل كلّ يوم مرّة واحدة قبل الإتيان بالوضوء، بتفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى.
مسألة 241: حكم الكثيرة ثلاثة أغسال في كلّ يوم: غُسل لصلاة الصبح وغسل للظهرين تجمع بينهما وغسل للعشاءين كذلك، ولا يجوز لها الجمع بين أكثر من صلاتين بغُسل واحد، ولكن يجوز لها التفريق بين الظهرين أو العشاءين إلّا أنّه يجب عليها حينئذٍ الغُسل لكلٍّ منها.
ويكفي للنوافل أغسال الفرائض، ولا يجب عليها الوضوء مطلقاً، وإن كان الأحوط استحباباً أن تتوضّأ قبل كلّ غسل، والأحوط وجوباً أن تجدّد القطنة والخرقة لكلّ صلاة مع الإمكان.
ثُمَّ إنّ ما ذكر من وجوب ثلاثة أغسال عليها يختصّ بما إذا كان الدم صبيباً لا ينقطع بروزه على القطنة، وأمّا إذا كان بروزه عليها متقطعاً بحيث تتمكّن من الاغتسال والإتيان بصلاة واحدة أو أزيد قبل بروز الدم عليها مرّة أُخرى فالأحوط لزوماً الاغتسال عند بروز الدم، وعلى ذلك فلو اغتسلت وصلّت ثُمَّ برز الدم على القطنة قبل الصلاة الثانية وجب عليها الاغتسال لها، ولو برز الدم في أثنائها أعادت الصلاة بعد الاغتسال، وليس لها الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، ولو كان الفصل بين البروزين بمقدار تتمكّن فيه من الإتيان بصلاتين أو عدّة صلوات جاز لها ذلك من دون حاجة إلى تجديد الغسل.
مسألة 242: تأتي صاحبة المتوسّطة بالغسل - الواجب عليها احتياطاً - لكلّ صلاة حدثت قبلها، فإذا حدثت قبل صلاة الفجر اغتسلت لها، وإذا حدثت بعدها اغتسلت للظهرين، وإذا حدثت بعدهما اغتسلت للعشاءين، وإذا حدثت بين الظهرين أو العشاءين اغتسلت للمتأخّرة منها، وفي جمىع الصور تغتسل لصلاة الصبح في الىوم التالي، وإذا حدثت المتوسّطة قبل صلاة الصبح ولم ­تغتسل لها عمداً أو سهواً اغتسلت للظهرين، وعليها إعادة صلاة الصبح على الأحوط لزوماً، وكذا إذا حدثت أثناء الصلاة استأنفتها بعد الغسل والوضوء.
مسألة 243: إذا حدثت الكبرى بعد صلاة الصبح وجب غُسل للظهرين وآخر للعشاءين، وإذا حدثت بعد الظهرين وجب غسل واحد للعشاءين - على تفصيل في الصورتين يظهر ممّا تقدّم في المسألة (241) - وإذا حدثت بين الظهرين أو العشاءين وجب الغسل للمتأخّرة منهما.
مسألة 244: إذا انقطع دم الاستحاضة انقطاع بُرء قبل الإتيان بالأعمال التي عليها أتت بها ولا إشكال، وإن كان بعد الشروع في الأعمال - قبل الفراغ من الصلاة - استأنفت الأعمال، وكذا الصلاة إن كان الانقطاع في أثنائها، وهكذا الحكم على الأحوط لزوماً فيما إذا كان الانقطاع لفترة تسع الطهارة والصلاة ولو البعض منها، وكذلك إذا شكّت في أنّ الانقطاع لبرء أو لفترة تسع الطهارة وبعض الصلاة، وإذا كان الانقطاع بعد الصلاة لم‏ تجب إعادتها، إلّا إذا كانت قد بادرت إليها مع رجاء الانقطاع فإنّ الأحوط لزوماً حينئذٍ إعادتها بعده.
مسألة 245: إذا علمت المستحاضة أنّ لها فترة تسع الطهارة والصلاة وجب تأخير الصلاة إليها على الأحوط لزوماً، وإذا صلّت قبلها ولو مع الوضوء والغسل أعادت صلاتها إلّا إذا حصل منها قصد القربة وانكشف عدم الانقطاع، وإذا كانت الفترة في أوّل الوقت فالأحوط لزوماً عدم تأخير الصلاة عنها، وإنْ أخّرت فعليها الصلاة بعد الإتيان بوظيفتها.
مسألة 246: لا يجب الغسل لانقطاع الدم في المستحاضة المتوسّطة، وأمّا في الكثيرة فوجوبه مبنيّ على الاحتياط فيما إذا كانت سائلة الدم ولم ‏يستمرّ دمها إلى ما بعد الصلاة التي أتت بها مع ما هو وظيفتها، وكذا في غيرها إذا لم‏ يظهر الدم على الكُرْسُف من حين الشروع في الغُسل السابق.
مسألة 247: إذا اغتسلت ذات الكثيرة لصلاة الظهرين ولم ‏تجمع بينهما - ولو لعذر - وجب عليها تجديد الغُسل للعصر، وكذا الحكم في العشاءين، على ما تقدّم في المسألة (241).
مسألة 248: إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى كالقليلة إلى المتوسّطة أو إلى الكثيرة، وكالمتوسّــــــــطة إلى الكثيرة، فإنْ كان قبل الشــروع في الأعمال لزمـــها أن تأتي بعمل الأعلى للصلاة الآتية، أمّا الصلاة التي أتت بها قبل الانتقال فلا يلزمها إعادتها، وإن كان بعد الشروع في الأعمال فعليها الاستئناف والإتيان بالأعمال التي هي وظيفة الأعلى كلّها، وكذا إذا كان الانتقال في أثناء الصلاة، فتأتي بأعمال الأعلى وتستأنف الصلاة، بل يجب الاستئناف حتّى إذا كان الانتقال من المتوسّطة إلى الكثيرة فيما إذا كانت المتوسّطة محتاجة إلى الغسل وأتت به، فإذا اغتسلت ذات المتوسّطة للصبح ثُمَّ حصل الانتقال أعادت الغسل حتّى إذا كان في أثناء الصبح، فتعيد الغُسل وتستأنف الصبح، وإذا ضاق الوقت عن الغُسل تيمّمت بدل الغسل وصلّت، وإذا ضاق الوقت عن ذلك أيضاً فالأحوط استحباباً الاستمرار على عملها ويجب عليها القضاء.
مسألة 249: إذا انتقلت الاستحاضة من الأعلى إلى الأدنى استمرّت على عملها للأعلى بالنسبة إلى الصلاة الأُولى، وتعمل عمل الأدنى بالنسبة إلى الباقي، فإذا انتقلت الكثيرة إلى المتوسّطة أو القليلة اغتسلت للظهر، واقتصرت على الوضوء بالنسبة إلى العصر والعشاءين.
مسألة 250: يجب على المستحاضة أن تصلّي بعد الوضوء والغُسل من دون فصل طويل مطلقاً على الأحوط لزوماً، لكن يجوز لها الإتيان بالأذان والإقامة والأدعية المأثورة وما تجري العادة بفعله قبل الصلاة، أو يتوقّف فعل الصلاة على فعله ولو من جهة لزوم العسر والمشقّة بدونه، مثل الذهاب إلى المصلّى، وتهيئة المسجد ونحو ذلك، وكذلك يجوز لها الإتيان بالمستحبّات في الصلاة.
مسألة 251: يجب عليها مع الأمن من الضرر التحفّظ من خروج الدم - ولو بحشو الفرج بقطنة وشدّه بخرقة - من حىن الشروع في الغُسل على الأحوط لزوماً إلى أن تتمّ الصلاة، فإذا قصّرت وخرج الدم أعادت الصلاة، بل الأحوط الأولى إعادة الغسل.
مسألة 252: لا يتوقّف صحّة الصوم من المستحاضة على الإتيان بما هو وظيفتها من الغُسل، كما لا يتوقّف جواز المقاربة على ذلك وإن كانت رعاية الاحتياط أولى، ويجوز لها أيضاً دخول المساجد وقراءة العزائم، ويحرم عليها مسّ كتابة المصحف ونحوها قبل تحصيل الطهارة، ويجوز لها ذلك قبل إتمام صلاتها دون ما بعده.

 

المقصد الرابع غُسل النفاس

فصل حدث النفاس وأقسام النفساء

مسألة 253: دم النفاس هو دم يقذفه الرحم بالولادة معها أو بعدها، على نحو يستند خروج الدم إليها عرفاً، وتسمّى المرأة في هذا الحال بالنفساء، ولا نفاس لمن لم‏ ترَ الدم من الولادة أصلاً أو رأته بعد فصل طويل بحيث لا يستند إليها عرفاً كما إذا رأته بعد عشرة أيّام منها، ولا حدّ لقليل النفاس فيمكن أن يكون بمقدار لحظة فقط، وحدّ كثيره عشرة أيّام، وإن كان الأحوط الأولى فيما زاد عليها إلى ثمانية عشر يوماً مراعاة تروك النفساء مضافاً إلى أعمال المستحاضة، ويلاحظ في مبدأ الحساب أُمور :
1. إنّ مبدأه اليوم، فإنْ ولدت في الليل ورأت الدم كان من النفاس ولكنّه خارج عن العشرة.
2. إنّ مبدأه خروج الدم لا نفس الولادة، فإنْ تأخّر خروجه عنها كانت العبرة في الحساب بالخروج.
3. إنّ مبدأه الدم الخارج بعد الولادة، وإن كان الخارج حينها نفاساً أيضاً.
ثُمَّ إنّ الأحوط وجوباً في النقاء المتخلّل بين نفاس واحد الجمع بين أحكام الطاهرة والنفساء، وكذا في النقاء المتوسّط بين ولادتين مع تداخل عشرتهما، كما إذا ولدت في أوّل الشهر ورأت الدم إلى تمام اليوم الثالث ثُمَّ ولدت في اليوم الخامس ورأت الدم أيضاً، نعم النقاء المتخلّل بين ولادتين مع عدم تداخل عشرتهما طهر ولو كانت لحظة واحدة، فإنّه لا يعتبر فصل أقلّ الطهر بين النفاسين، بل لا يعتبر الفصل بينهما أصلاً كما إذا ولدت ورأت الدم إلى عشرة ثُمَّ ولدت آخر على رأس العشرة ورأت الدم إلى عشرة أُخرى، فالدمان جميعاً نفاسان متواليان.
مسألة 254: الدم الذي تراه الحبلى قبل ظهور الولد ليس من النفاس كما مرّ، فإنْ رأته في حال المخاض وعلمت أنّه منه كان بحكم دم الجروح وإن كان الأحوط استحباباً أن ترتّب عليه أحكام دم الاستحاضة، وإنْ رأته قبل حالة المخاض أو فيها ولم ‏تعلم استناده إليه - سواء أكان متّصلاً بدم النفاس أم منفصلاً عنه بعشرة أيّام أو أقلّ - فإن لم يكن بشرائط الحيض فهو استحاضة، وإن كان بشرائطه فهو حيــض، لما مرّ من أنّ الحيــض يجتمع مع الحمــل ولا يعتبر فصــل أقلّ الطهر بين الحيـض المتقدّم والنفاس، نعم يعتبر الفصل به بين النفاس والحيض المتأخّر عنه، كمـا سيأتي.
مسألة 255: النفساء إذا رأت الدم واحداً فهي على أقسام:
1. التي لا يتجاوز دمها العشرة، فجميع الدم في هذه الصورة نفاس.
2. التي يتجاوز دمها العشرة، وتكون ذات عادة عدديّة في الحيض، وعلمت مقدار عادتها أو نسيتها - فإنّ الناسية تجعل أكبر عدد محتمل عادة لها في المقام - ففي هذه الصورة يكون نفاسها بمقدار عادتها والباقي استحاضة.
3. التي يتجاوز دمها العشرة ولا تكون ذات عادة عدديّة في الحيض - أي المبتدئة والمضطربة - ففي هذه الصورة يكون نفاسها عشرة أيّام، ولا ترجع إلى عادة أقاربها في الحيض أو النفاس ولا إلى عادة نفسها في النفاس.
مسألة 256: النفساء إذا رأت في عشرة الولادة أزيد من دم واحد، كأن رأت دمين أو ثلاثة أو أربعة وهكذا - سواء كان النقاء المتخلّل كالمستوعب لقصر زمن الدمين أو الدماء أم لم ‏يكن كذلك - ففيها صورتان:
الأُولى: أن لا يتجاوز شيء منها العشرة، ففي هذه الصورة يكون كلّ ما تراه نفاساً، وأمّا النقاء المتخلّل فالأحوط لزوماً الجمع فيه بين أعمال الطاهرة وتروك النفساء.
الثانية: أن يتجاوز الأخير منها اليوم العاشر وهي على قسمين:
الأوّل: أن لا تكون المرأة ذات عادة عدديّة في الحيض، وحكمها ما تقدّم في الصورة الأُولى، فما خرج عن العشرة من الدم الأخير يحكم بكونه استحاضة.
الثاني: ما إذا كانت ذات عادة عدديّة، فما تراه في مقدار أيّام عادتها نفاس، والأحوط لزوماً في الدم الخارج عن العادة إلى تمام العشرة الجمع بين تروك النفساء وأعمال المستحاضة.
مسألة 257: يعتبر فصل أقلّ الطهر - وهي عشرة أيّام - بين دم النفاس ودم الحيض الذي بعده كما كان يعتبر ذلك بين الحيضتين، فما تراه النفساء من الدم إلى عشرة أيّام بعد تمام نفاسها استحاضة مطلقاً سواء أكان الدم بصفات الحيض أم لم يكن، وسواء أكان الدم في أيّام العادة أم لم ‏يكن، ويعبّر عن هذه العشر بعشرة الاستحاضة، فإذا رأت دماً بعدها - سواء استمرّ بها أم انقطع ثُمَّ عاد - فهو على قسمين:
الأوّل: أن تكون النفساء ذات عادة وقتيّة، وفي هذا القسم ترجع إلى عادتها ولا ترجع إلى التمييز، فإن كانت العادة في العشرة التالية لعشرة الاستحاضة كان ما تراه فيها حيضاً، وإن لم‏ تكن فيها بل فيما بعدها انتظرت أيّام عادتها وإن اقتضى ذلك عدم الحكم بتحيّضها فيما بعد الولادة بشهر أو أزيد، وهذا كما إذا كان لها عادة وقتيّة واحدة في كلّ شهر وصادفت في الشهر الأوّل عشرة الاستحاضة.
الثاني: أن لا تكون لها عادة وقتيّة، فإن كانت ذات تمييز من جهة اختلاف لون الدم وكون بعضه بلون الحيض وبعضه بلون الاستحاضة - مع توفّر سائر الشرائط - رجعت إلى التمييز، وهو قد يقتضي الحكم بتحيّضها فيما بعد عشرة الاستحاضة بلا فصل، وقد يقتضي الحكم بعدم تحيّضها في شهر الولادة أصلاً، أو الحكم بتعدّد الحيض في شهر واحد، ففي جميع هذه الحالات ترجع مستمرّة الدم إذا كانت ذات تمييز إلى ما يقتضيه التمييز ولو في شهور متعدّدة، وأمّا إذا لم‏ تكن ذات تمييز بأن كان الدم ذا لون واحد في عشرة الاستحاضة وما بعدها إلى شهر أو شهور عديدة فحكمها التحيّض في كلّ شهر بالاقتداء ببعض نسائها و إن لم ىمكن فباختيار العدد الذي لا تطمئنّ بأنّه لا يناسبها كما تقدّم تفصيل ذلك كلّه في فصل الحيض.

 

فصل أحكام النفساء

مسألة 258: النفساء بحكم الحائض في الاستظهار عند تجاوز الدم أيّام العادة، وفي لزوم الاختبار عند ظهور انقطاع الدم، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ويحرم وطؤها، ولا يصحّ طلاقها.
والمشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّ أحكام الحائض من الواجبات والمحرّمات والمستحبّات والمكروهات تثبت للنفساء أيضاً، ولكن جملة من الأفعال التي كانت محرّمة على الحائض تشكل حرمتها على النفساء وإنْ كان الأحوط لزوماً أن تجتنب عنها.
وهذه الأفعال هي:
1. قراءة الآيات التي تجب فيها السجدة.
2. الدخول في المساجد بغير اجتياز .
3. المكث في المساجد.
4. وضع شيء فيها.
5. دخول المسجد الحرام ومسجد النبيّ (صلّى الله علىه وآله) ولو على نحو الاجتياز .

 

المقصد الخامس غُسل الأموات وما ىلحق به من أحكام الأموات


وفيه فصول:

الفصل الأوّل أحكام الاحتضار

مسألة 259: الأحوط لزوماً توجيه المؤمن - ومن بحكمه - حال احتضاره إلى القبلة، بأن يوضع على قفاه وتمدّ رجلاه نحوها بحيث لو جلس كان وجهه تجاهها، والأحوط الأولى للمحتضر نفسه أن يفعل ذلك إن أمكنه، ولا يعتبر في توجيه غير الوليّ إذن الوليّ إن علم رضا المحتضر نفسه بذلك - ما لم يكن قاصراً - وإلّا اعتبر إذنه على الأحوط لزوماً.
وذكر العلماء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه يستحبّ نقل المحتضر إلى مصلّاه إن اشتدّ عليه النزع ما لم‏ يوجب ذلك أذاه، وتلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبيّ (صلّى الله علىه وآله) والأئمّة (علىهم السلام) وسائر الاعتقادات الحقّة، وتلقينه كلمات الفرج، ويكره أن يحضره جنب أو حائض، وأن يمسّ حال النزع بل الأحوط استحباباً تركه، وإذا مات يستحبّ أن تغمض عيناه، ويطبق فوه، ويشدّ لحياه، وتمدّ يداه إلى جانبيه، وساقاه، ويغطّى بثوب، وأن يُقرأ عنده القرآن، ويُسرج في البيت الذي كان يسكنه، وإعلام المؤمنين بموته ليحضروا جنازته، ويعجّل تجهيزه، إلّا إذا شكّ في موته فينتظر به حتّى يعلم موته، ويكره أن يثقل بطنه بحديد أو غيره، وأن يترك وحده.

 

الفصل الثاني الغُسل

يعتبر في غُسل الميّت إزالة عين النجاسة عن جسمه، ولكن لا تجب إزالتها عن جميع الجسم قبل الشروع في الغُسل، بل يكفي إزالتها عن كلّ عضو قبل الشروع فيه.
ثُمَّ إنّ الميّت يغسل ثلاثة أغسال: الأوّل: بماء السدر، الثاني: بماء الكافور، الثالث: بالماء القراح، وكلّ واحد منها كغسل الجنابة الترتيبيّ مع تقديم الأيمن على الأيسر، ولا يكفي الارتماسيّ مع التمكّن من الترتيبيّ على الأحوط لزوماً، ولا بُدَّ فيه من النيّة على ما عرفت في الوضوء.
مسألة 260: يجب تغسيل الميّت وسائر ما يتعلّق بتجهيزه من الواجبات التي يأتي بيانها على وليّه، فعليه التصدّي لها مباشرة أو تسبيباً، ويسقط مع قيام غيره بها بإذنه بل مطلقاً في الدفن ونحوه، والوليّ بالنسبة إلى الزوجة زوجها، وفي غير الزوجة يكون هو الأولى بميراث الميّت من أقربائه - حسب طبقات الإرث - أي الأبوان والأولاد في الطبقة الأُولى، والأجداد والإخوة في الطبقة الثانية، والأعمام والأخوال في الطبقة الثالثة.
وإذا لم يكن للميّت وارث غير الإمام (علىه السلام) فالأحوط الأولى الاستئذان من الحاكم الشرعيّ في تجهيزه، وإن لم‏ يتيسّر الحاكم فمن بعض عدول المؤمنين.
مسألة 261: الذكور في كلّ طبقة مقدّمون على الإناث، وفي تقديم الأب على الأولاد، والجدّ على الأخ، والأخ من الأبوين على الأخ من أحدهما، والأخ من الأب على الأخ من الأمّ، والعمّ على الخال إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك، ولا ولاية للقاصر مطلقاً، ولا للغائب الذي لا يتيسّر إعلامه وتصدّيه لتجهيز الميّت بأحد الوجهين مباشرة أو تسبيباً.
مسألة 262: إذا فقد الوليّ يجب تجهيز الميّت على سائر المكلّفين، وكذا مع امتناعه عن القيام به على أحد الوجهين - مباشرة أو تسبيباً - ويسقط اعتبار إذنه حينئذٍ.
مسألة 263: إذا أوصى إلى شخص معيّن أن يباشر تجهيزه لم يجب عليه القبول، ولكن إذا قبل لم‏ يحتج إلى إذن الوليّ، وإذا أوصى أن يتولّى تجهيزه شخص معيّن فالأحوط وجوباً له قبول الوصية - ما لم يكن حرجيّاً - إلّا إذا ردّها في حياة الموصي وبلغه الردّ وكان متمكّناً من الإيصاء إلى غيره، ولو قبل كان هو الأولى بتجهيزه من غيره.
مسألة 264: يعتبر في التغسيل طهارة الماء وإباحته، وإباحة السدر والكافور، ولا يعتبر إباحة الفضاء الذي يشغله الغسل وظرف الماء، ولا مجرى الغسالة ولا السُّدَّة التي يُغسّل عليها وإنْ كان اعتبار الإباحة في الجميع أحوط استحباباً، هذا مع عدم الانحصار وأمّا معه فيسقط الغسل فييمّم الميّت، لكن إذا غُسّل صحّ الغُسل.
مسألة 265: يجزىٔ تغسيل الميّت قبل برده، وإن كان أحوط استحباباً تأخيره عنه.
مسألة 266: إذا تعذّر السدر أو الكافور أو كلاهما فالأحوط وجوباً أن يغسّل الميّت بالماء القراح بدلاً عن الغُسل بالمتعذّر منهما مع قصد البدليّة به عنه، ومراعاة الترتيب بالنيّة، ويضاف إلى الأغسال الثلاثة تيمّم واحد.
مسألة 267: يعتبر في كلٍّ من السدر والكافور أن لا يكون كثيراً بمقدار يوجب خروج الماء عن الإطلاق إلى الإضافة، ولا قليلاً بحيث لا يصدق أنّه مخلوط بالسدر والكافور، ويعتبر في الماء القراح أن يصدق خلوصه منهما، فلا بأس أن يكون فيه شيء منهما إذا لم ‏يصدق الخلط، ولا فرق في السدر بين اليابس والأخضر .
مسألة 268: إذا تعذّر الماء أو خيف تناثر لحم الميّت بالتغسيل ييمّم بدلاً عن الغسل، ويكفي تيمّم واحد، وإن كان الأحوط استحباباً أن ييمّم ثلاث مرّات ويؤتى بواحد منها بقصد ما في الذمّة.
مسألة 269: يجب أن يكون التيمّم بيد الحيّ، والأحوط استحباباً ضمّ تيمّم آخر بيد الميّت إن أمكن.
مسألة 270: يشترط في الانتقال إلى التيمّم الانتظار إذا احتمل تجدّد القدرة على التغسيل، فإذا حصل اليأس جاز التيمّم، لكن إذا اتّفق تجدّد القدرة قبل الدفن وجب التغسيل، وإذا تجدّدت بعد الدفن لم ‏يجز نبشه للغُسل ولكن إذا اتّفق خروجه فالأحوط وجوباً الغُسل، وكذا الحكم فيما إذا تعذّر السدر والكافور فغسل بدلهما بالماء القراح.
مسألة 271: إذا تنجّس بدن الميّت بعد الغسل أو في أثنائه بنجاسة خارجيّة أو منه وأمكن تطهيره بلا مشقّة ولا هتك وجب، وإن كان ذلك بعد وضعه في القبر على الأحوط لزوماً.
مسألة 272: إذا خرج من الميّت بول أو منيّ لا تجب إعادة غسله، وإن كان ذلك قبل وضعه في القبر .
مسألة 273: لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميّت على الأحوط لزوماً، ويجوز أخذ العوض على بذل الماء ونحوه ممّا لا يجب بذله مجاناً.
مسألة 274: لا يشترط أن يكون المغسِّل بالغاً، فيكفي تغسيل الصبيّ المميّز إذا أتى به على الوجه الصحيح.
مسألة 275: يجب في المغسِّل أن يكون مماثلاً للميّت في الذكورة والأُنوثة، فلا يجوز تغسيل الذكر للأنثى ولا العكس، ويُستثنى من ذلك صور :
الأُولى: الطفل غير المميّز، والأحوط استحباباً أن لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات، فيجوز حينئذٍ للذكر وللأنثى تغسيله، سواء أكان ذكراً أم أُنثى، مجرّداً عن الثياب أم لا، وجد المماثل له أم لا.
الثانية: الزوج والزوجة، فإنّه يجوز لكلٍّ منهما تغسيل الآخر، سواء أكان مجرّداً أم من وراء الثياب، وسواء وجد المماثل أم لا، من دون فرق بين الدائمة والمنقطعة، وكذا المطلّقة الرجعيّة إذا كان الموت في أثناء العدّة.
الثالثة: المحارم، أي كلّ من يحرم عليه نكاحه بنسب أو رضاع أو مصاهرة لا بغيرها كالزناء واللواط واللعان، والأحوط وجوباً اعتبار فقد المماثل، والأولى كون التغسيل من وراء الثياب، نعم لا يجوز النظر إلى العورة ولا مسّها وإن لم ‏يبطل الغُسل بذلك.
مسألة 276: إذا اشتبه ميّت أو عضو من ميّت بين الذكر والأنثى، غسّله كلٌّ من الذكر والأنثى.
مسألة 277: يعتبر في المغسِّل أن يكون عاقلاً مسلماً، بل يعتبر أن يكون مؤمناً على الأحوط لزوماً، وإذا لم ‏يوجد مؤمن مماثل للميّت أو أحد محارمه جاز أن يغسّله المخالف المماثل، وإن لم ‏يوجد هذا أيضاً جاز أن يغسّله الكافر الكتابيّ المماثل بأن يغتسل هو أوّلاً ثُمَّ يغسّل الميّت بعده، والأحوط استحباباً أن ينوي هو - إن أمكن - ومَنْ أمره بالغُسل - إن كان - وإذا أمكن أن يكون تغسيله بالماء المعتصم كالكرّ والجاري أو لا يمسّ الماء ولا بدن الميّت فهو الأحوط الأولى، وإذا تيسّر المماثل غير الكتابيّ بعد ذلك قبل الدفن فالأحوط لزوماً إعادة التغسيل.
مسألة 278: إذا لم ‏يوجد المماثل حتّى الكتابيّ سقط الغُسل ودفن بلا تغسيل.
مسألة 279: إذا دفن الميّت بلا تغسيل - عمداً أو خطأ - جاز نبشه لتغسيله أو تيمّمه، بل يجب إذا لم ‏يكن حرجيّاً - ولو من جهة التأذّي برائحته - وإلّا لم يجب إلّا على من تعمّد ذلك، وكذا الحال إذا ترك بعض الأغسال ولو سهواً أو تبيّن بطلانها أو بطلان بعضها، كلّ ذلك إذا لم‏ يلزم محذور من هتكه أو الإضرار ببدنه وإلّا فلا يجوز .
مسألة 280: إذا مات الشخص محدثاً بالأكبر - كالجنابة أو الحيض - لا يجب إلّا تغسيله غسل الميّت فقط.
مسألة 281: إذا كان الميّت مُحرِماً لا يجعل الكافور في ماء غُسله الثاني ولا يحنّط به ولا يقرّب إليه طيب آخر، ويستثنى من ذلك الحاجّ إذا مات بعد الفراغ من المناسك التي يحلّ له الطيب بعدها، ولا يلحق بالمُحْرم فيما ذكر المعتدّة للوفاة والمعتكف.
مسألة 282: يجب تغسيل كلّ مسلم ومَنْ بحكمه حتّى المخالف عدا صنفين:
الأوّل: الشهيد المقتول في المعركة مع الإمام أو نائبه الخاص، أو في الدفاع عن الإسلام، ويشترط أن لا يكون فيه بقيّة حياة حين يدركه المسلمون، فإذا أدركه المسلمون وبه رمق وجب تغسيله.
وإذا كان في المعركة مسلم (غير الشهيد) وكافر، واشتبه أحدهما بالآخر وجب الاحتياط بتغسيل كلٍّ منهما وتكفينه ودفنه.
الثاني: مَنْ وجب قتله برجم أو قصاص، فإنّه يغتسل - والأحوط لزوماً أن يكون غُسله كغُسل الميّت المتقدّم تفصيله - ويحنّط ويكفّن كتكفين الميّت، ثُمّ ىُقتل فيصلّى عليه ويدفن بلا تغسيل.
مسألة 283: الأحوط لزوماً عدم قصّ ظفر الميّت وعدم إزالة شيء من شعره سواء بالحلق أو القصّ أو النتف.

 

تكميل:

قد ذكر الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) للتغسيل سنناً، مثل أن يوضع الميّت في حال التغسيل على مرتفع، وأن يكون تحت الظلال، وأن يوجّه إلى القبلة كحالة الاحتضار، وأن ينزع قميصه من طرف رجليه وإن استلزم فتقه بشرط إذن الوارث، والأولى أن يجعل ساتراً لعورته، وأن تليّن أصابعه برفق، وكذا جميع مفاصله، وأن يغسل رأسه برغوة السدر وفرجه بالأشنان من غير مماسّة محرّمة، وأن يبدأ بغسل يديه إلى نصف الذراع في كلّ غسل ثلاث مرّات ثُمَّ بشقّ رأسه الأيمن، ثُمَّ الأيسر، ويغسل كلّ عضو ثلاثاً في كلّ غسل ويمسح بطنه في الأوّلين قبلهما، إلّا الحامل التي مات ولدها في بطنها فيكره ذلك، وأن يقف الغاسل على الجانب الأيمن للميّت، وأن يحفر للماء حفيرة، وأن ينشف بدنه بثوب نظيف أو نحوه.
وذكروا أيضاً أنّه يكره إقعاده حال الغسل، وترجيل شعره، وجعله بين رجلي الغاسل، وإرسال الماء في الكنيف، وتخليل ظفره، وغسله بالماء الساخن بالنار أو مطلقاً إلّا مع الاضطرار، والتخطّي عليه حين التغسيل.

الفصل الثالث التكفين

يجب تكفين الميّت بثلاثة أثواب:
الأوّل: المئزر، والأحوط لزوماً أن يكون من السرّة إلى الركبة، والأفضل أن يكون من الصدر إلى القدم.
الثاني: القميص، والأحوط لزوماً أن يكون من المنكبين إلى النصف من الساقين، والأفضل أن يكون إلى القدمين.
الثالث: الإزار، ويجب أن يغطّي تمام البدن، والأحوط لزوماً أن يكون طولاً بحيث يمكن أن يشدّ طرفاه وعرضاً بحيث يقع أحد جانبيه على الآخر .
والأحوط استحباباً في كلّ واحد منها أن يكون ساتراً لما تحته غير حاكٍ عنه، وإن كان يكفي حصول الستر بالمجموع.
مسألة 284: لا يعتبر في التكفين نيّة القربة، ووجوبه كوجوب التغسيل، وقد مرّ الكلام فيه في المسألة (260).
مسألة 285: إذا تعذّرت القطعات الثلاث اقتصر على الميسور، فإذا دار الأمر بينها يقدّم الإزار، وعند الدوران بين المئزر والقميص يقدّم القميص، وإن لم ‏يكن إلّا مقدار ما يستر العورة تعيّن الستر به، وإذا دار الأمر بين ستر القُبُل والدُّبُر تعيّن ستر القُبُل.
مسألة 286: يجب أن يكفّن الميّت بما يصدق عليه اسم الثوب، وإن كان مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم بل ولو من جلده.
ولكن لا يجوز اختياراً التكفين بالحرير، ولا بالنجس، ولا بالمتنجّس حتّى فيما كانت نجاسته معفوّاً عنها في الصلاة، والأحوط وجوباً أن لا يكون مذهّباً، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه.
وأمّا في حال الاضطرار فيجوز التكفين بالجميع، فإذا انحصر في واحد منها تعيّن، وإذا تعدّد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجّس وتكفينه بالنجس قدّم الأوّل، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجّس وبين الحرير قدّم الثاني، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدّم الغير، ومع دوران الأمر بين التكفين بأجزاء ما لا يؤكل لحمه والتكفين بالمذهّب يتخيّر بينهما وإن كان الاحتياط بالجمع حسناً.
مسألة 287: لا يجوز التكفين بالمغصوب حتّى مع الانحصار، فيدفن الميِّت بلا تكفين.
مسألة 288: يجوز التكفين بالحرير غير الخالص بشرط أن يكون الخليط أزيد من الحرير .
مسألة 289: إذا تنجّس الكفن بنجاسة من الميِّت أو من غيره وجب إزالتها ولو بعد الوضع في القبر، بغسل أو بقرض لا يضرّ بساتريّته، وإن لم يمكن ذلك وجب تبديله مع الإمكان.
مسألة 290: القدر الواجب من الكفن - وكذا الزائد عليه من المستحبّات المتعارفة - يخرج من أصل التركة قبل الدين والوصيّة، وكذا الحال في مؤونة تجهيزه ودفنه من السدر والكافور وماء الغسل وقيمة الأرض وما يأخذه الظالم لأجل الدفن في الأرض المباحة وأجرة الحمل والحفر ونحوها، هذا إذا لم ىوجد من ىتبرّع بشيء من ذلك وإلّا لم ­ىخرج من التركة.
مسألة 291: كفن الزوجة على زوجها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو غير مدخول بها، وكذا المطلّقة الرجعيّة والناشزة والمنقطعة، ولا فرق في الزوج بين أحواله من الصغر والكبر والجنون والعقل، فلو كان قاصراً اقتطعه الوليّ من ماله.
مسألة 292: يشترط في وجوب كفن الزوجة على زوجها أن لا يقترن موتها بموته، وأن لا تكفّن من مال متبرّع، أو من مال نفسها بوصيّتها، وأن لا يكون بذل الكفن على الزوج حرجيّاً، فلو توقّف على الاستقراض أو فكّ ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعيّن ذلك، وإلّا لم يجب.
مسألة 293: كما أنّ كفن الزوجة على زوجها، كذلك سائر مؤن التجهيز من السدر والكافور وغيرهما ممّا تقدّم على الأحوط وجوباً.
مسألة 294: الزائد على المقدار الواجب وما يلحقه من الكفن وسائر مؤن التجهيز لا يجوز إخراجه من الأصل، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فإنّه لا يجوز أن يخرج من الأصل إلّا ما هو المتعارف بحسب القيمة، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميّت لا يحتاج إلى بذل مال وفي البعض الآخر يحتاج إليه قدّم الأوّل، نعم يجوز إخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصيّة الميِّت به أو وصيّته بالثلث من دون تعيّن مصرف له كلّاً أو بعضاً، كما يجوز إخراجه من حصص كبار الورثة برضاهم دون القاصرين، إلّا مع إذن الوليّ على تقدير وجود مصلحة تسوّغ له ذلك.
مسألة 295: كفن واجب النفقة من الأقارب في ماله لا على من تجب عليه النفقة.
مسألة 296: إذا لم ‏يكن للميّت تركة بمقدار الكفن لم ‏يدفن عارياً، بل يجب على المسلمين بذل كفنه على الأحوط لزوماً، ويجوز احتسابه من الزكاة.

تكملة:


فيما ذكره الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) من سنن هذا الفصل: يستحبّ في الكفن العمامة للرجل ويكفي فيها المسمّى، والأولى أن تدار على رأسه ويجعل طرفاها تحت حنكه على صدره، الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، والمقنعة للمرأة ويكفي فيها أيضاً المسمّى، ولفافة لثدييها يشدّان بها إلى ظهرها، وخرقة يعصب بها وسط الميّت ذكراً كان أو أُنثى، وخرقة أُخرى للفخذين تلفّ عليهما، ولفافة فوق الإزار يلفّ بها تمام بدن الميّت، والأولى كونها برداً يمانيّاً، وأن يجعل القطن أو نحوه عند تعذّره بين رجليه، يستر به العورتان، ويوضع عليه شيء من الحنوط، وأن يحشى دبُرُه ومنخراه وقُبُل المرأة إذا خيف خروج شيء منها، وإجادة الكفن، وأن يكون من القطن، وأن يكون أبيض. وأن يكون من خالص المال وطهوره، وأن يكون ثوباً قد أحرم أو صلّى فيه، وأن يلقى عليه الكافور والذريرة، وأن يخاط بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة، وأن يكتب على حاشية الكفن: فلان ابن فلان يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً رسول الله، ثُمَّ يذكر الأئمّة (علىهم السلام) واحداً بعد واحد، وأنّهم أولياء الله وأوصياء رسوله، وأنّ البعث والثواب والعقاب حقّ، وأن يكتب على الكفن دعاء الجوشن الصغير، والكبير، ويلزم أن يكون ذلك كلّه بنحو لا يتنجّس موضع الكتابة بالدم أو غيره من النجاسات، كأن يكتب في حاشية الإزار من طرف رأس الميِّت، ويجوز أن يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.
ويستحبّ في التكفين أن يجعل طرف الأيمن من اللفافة على أيسر الميّت والأيسر على أيمنه، وأن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث، وإن كان هو المغسِّل غسل يديه من المرفقين بل المنكبين ثلاث مرّات ورجليه إلى الركبتين ويغسل كلّ موضع تنجّس من بدنه، وأن يجعل الميّت حال التكفين مستقبل القبلة، والأولى أن يكون كحال الصلاة عليه، ويكره قطع الكفن بالحديد، وعمل الأكمام والزرور له، ولو كُفِّنَ في قميصه قطع أزراره.
ويكره تبخير الكفن وتطييبه بغير الكافور والذريرة، وأن يكون أسود بل مطلق المصبوغ، وأن يكون من الكتّان، وأن يكون ممزوجاً بالإبريسم، والمماكسة في شرائه، وجعل العمامة بلا حنك، وكونه وسخاً وكونه مخيطاً.
مسألة 297: يستحبّ لكلّ أحد أن يهيّئ كفنه قبل موته وأن يكرّر نظره إليه.

الفصل الرابع التحنيط

يجب تحنيط الميّت المسلم وهو : إمساس مساجده السبعة بالكافور، ويكفي فيه وضع المسمّى، والأحوط إستحباباً أن يكون بالمسح باليد بل بالراحة، والأفضل أن يكون وزنه سبعة مثاقيل صيرفيّة، ويستحبّ مسح مفاصله ولُبّته وصدره وباطن قدميه وظاهر كفّيه.
مسألة 298: محل التحنيط بعد التغسيل أو التيمّم، قبل التكفين أو في أثنائه.
مسألة 299: يشترط في الكافور أن يكون مباحاً مسحوقاً له رائحة، كما يشترط طهارته وإن لم‏ يوجب تنجّس بدن الميِّت على الأحوط لزوماً.
مسألة 300: يكره إدخال الكافور في عين الميّت وأنفه وأذنه.

 

الفصل الخامس الجريدتان

يستحبّ أن يجعل مع الميّت جريدتان رطبتان، والأولى في كيفيّته جعل إحداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة ببدنه، والأُخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والإزار، والأولى أن تكونا من النخل، فإن لم‏ يتيسّر فمن السدر أو الرمان، فإن لم‏ يتيسّرا فمن الخِلاف، وإلّا فمن كلّ عود رطب.
مسألة 301: إذا تركت الجريدتان لنسيان أو نحوه فالأولى جعلهما فوق القبر، واحدة عند رأسه والأُخرى عند رجليه.
مسألة 302: ذكر بعض الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّ الأولى أن يكتب على الجريدتين ما يكتب على حواشي الكفن ممّا تقدّم، ويلزم حينئذٍ الاحتفاظ عن تنجّس موضع الكتابة فيهما بالدم أو غيره ولو بلفّهما بما يمنع عن ذلك من البلاستيك ونحوه.

 

الفصل السادس الصلاة على الميّت

تجب الصلاة على كلِّ ميّتٍ مسلم، ذكراً كان أم أُنثى، مؤمناً أم مخالفاً، عادلاً أم فاسقاً، ووجوبها كوجوب التغسيل وقد تقدّم، ولا تجب الصلاة على أطفال المسلمين إلّا إذا عقلوا الصلاة ومع الشكّ فالمناط بلوغ ستّ سنين، وفي استحبابها على من لم‏ يعقل الصلاة إشكال، والأحوط لزوماً عدم الإتيان بها إلّا برجاء المطلوبيّة.
وكلُّ مَن وجد ميّتاً في بلاد الإسلام فهو مسلم ظاهراً، وكذا لقيط دار الإسلام، بل ولقيط دار الكفر إذا احتمل كونه مسلماً على الأحوط لزوماً.
مسألة 303: يجب في صلاة الميّت خمس تكبيرات، والدعاء للميّت عقيب إحدى التكبيرات الأربع الأُول، وأمّا في الثلاثة الباقية فيتخيّر بين الصلاة على النبيّ (صلّى الله علىه وآله) والشهادتين والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى، ولكن الأحوط استحباباً أن يكبّر أوّلاً، ويتشهّد الشهادتين، ثُمَّ يكبّر ثانياً ويصلّي على النبيّ (صلّى الله علىه وآله)، ثُمَّ يكبّر ثالثاً ويدعو للمؤمنين، ثُمَّ يكبّر رابعاً ويدعو للميّت، ثُمَّ يكبّر خامساً وينصرف، والأفضل الجمع بين الأدعية بعد كلّ تكبيرة ولا قراءة فيها ولا تسليم.
ويجب فيها أُمور :
منها: النيّة بأن يقصد القربة - على نحو ما تقدّم في الوضوء - مع تعيين الميّت على نحو يرفع الإبهام.
ومنها: حضور الميّت فلا يصلّى على الغائب.
ومنها: استقبال المصلّي القبلة حال الاختيار .
ومنها: أن يكون رأس الميّت إلى جهة يمين المصلّي، ورجلاه إلى جهة يساره.
ومنها: أن يكون مستلقياً على قفاه.
ومنها: وقوف المصلّي خلفه محاذياً لبعضه، إلّا إذا كان مأموماً وقد استطال الصف حتّى خرج عن المحاذاة، أو كان يصلّي على جنائز متعدّدة مع جعلها صفّاً واحداً على النحو الثاني المذكور في المسألة (309) الآتية.
ومنها: أن لا يكون المصلّي بعيداً عنه على نحو لا يصدق الوقوف عنده إلّا مع اتّصال الصفوف في الصلاة جماعة، أو مع تعدّد الجنائز والصلاة عليها دفعة واحدة كما سيجيء.
ومنها: أن لا يكون بينهما حائل من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه، ولا يضرّ الستر بمثل النعش أو ميّتٍ آخر .
ومنها: أن لا ­ىكون أحدهما أعلى من الآخر علوّاً مفرطاً.
ومنها: أن يكون المصلّي قائماً، فلا تصحّ صلاة غير القائم إلّا مع عدم التمكّن من صلاة القائم.
ومنها: الموالاة بين التكبيرات والأذكار، بأن لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.
ومنها: أن تكون الصلاة قبل الدفن، بعد التغسيل والتحنيط والتكفين في موارد وجوبها كلّاً أو بعضاً.
ومنها: أن يكون الميّت مستور العورة ولو بالحجر واللَّبِن إن تعذّر الكفن.
ومنها: إذن الوليّ إلّا مع امتناعه عن التصدّي لها مباشرة وتسبيباً فيسقط اعتبار إذنه حينئذٍ، وكذا يسقط اعتباره إذا كان الميّت قد أوصى إلى شخص معيّن بأن يصلّي عليه فيجوز له ذلك وإن لم ‏يأذن الوليّ.
مسألة 304: لا يعتبر في الصلاة على الميّت الطهارة من الحدث والخبث، وإباحة اللباس والمكان، وستر العورة، وإن كان الأحوط الأولى أن ىراعى فىها جمىع شرائط الصلاة، بل ىلزم أن ىجتنب فىها عمّا تنمحي به صورة الصلاة، ولا يترك الاحتياط بترك الكلام في أثنائها والقهقهة والاستدبار وإن لم ىكن ماحىاً لصورتها.
مسألة 305: إذا شكّ في أنّه صلّى على الجنازة أم لا، بنى على العدم، وإذا صلّى وشكّ في صحّة الصلاة وفسادها بنى على الصحة، وإذا علم ببطلانها وجبت إعادتها على الوجه الصحيح، وكذا لو أدّى اجتهاده أو تقليده إلى بطلانها، نعم إذا صلّى المخالف على المخالف لم ‏تجب إعادتها على المؤمن مطلقاً إلّا إذا كان هو الوليّ.
مسألة 306: يجوز تكرار الصلاة على الميّت الواحد، ولكن قال بعض الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) بكراهته إلّا إذا كان الميّت من أهل العلم والتقوى والشرف في الدين.
مسألة 307: إذا دفن الميِّت بلا صلاة صحيحة لم ‏يجز نبش قبره للصلاة عليه، وفي مشروعيّة الصلاة عليه وهو في القبر إشكال، والأحوط لزوماً الإتيان بها رجاءً.
مسألة 308: يستحبّ أن يقف الإمام والمنفرد عند وسط الرجل وعند صدر المرأة.
مسألة 309: إذا اجتمعت جنائز متعدّدة جاز تشريكها بصلاة واحدة، فتوضع الجميع أمام المصلّي مع المحاذاة بينها، والأولى مع اجتماع الرجل والمرأة أن يجعل الرجل أقرب إلى المصلّي ويجعل صدرها محاذياً لوسط الرجل، ويجوز جعل الجنائز صفّاً واحداً، فيجعل رأس كلّ واحد عند إلية الآخر شبه الدرج، ويقف المصلّي وسط الصفّ ويراعي في الدعاء للميّت تثنية الضمير، وجمعه.
مسألة 310: يستحبّ في صلاة الميّت الجماعة، ويعتبر على الأحوط لزوماً أن يكون الإمام جامعاً لجميع شرائط الإمامة من البلوغ والعقل والإيمان وطهارة المولد وغيرها، نعم لا يعتبر أن يكون عادلاً وإن كان ذلك أحوط استحباباً، وأمّا شرائط الجماعة فيعتبر ما له دخل منها في تحقّق الائتمام والجماعة عرفاً - كانتفاء البعد الكثير - دون غيره.
مسألة 311: إذا حضر شخص في أثناء صلاة الإمام كبّر مع الإمام وجعله أوّل صلاته وتشهّد الشهادتين بعده، وهكذا يكبّر مع الإمام ويأتي بما هو وظيفة نفسه، فإذا فرغ الإمام أتى ببقيّة التكبير بلا دعاء وإن كان الدعاء أحوط وأولى.
مسألة 312: إذا صلّى الصبيّ المميّز على الميِّت أجزأت صلاته عن صلاة البالغين، وإن كان الأحوط استحباباً أن يصلّي عليه البالغ.
مسألة 313: إذا كان الوليّ للميّت امرأة جاز لها مباشرة الصلاة، والإذن لغيرها بالصلاة عليه ذكراً كان أم أُنثى.
مسألة 314: لا يتحمّل الإمام في صلاة الميّت شيئاً عن المأموم.
مسألة 315: يجوز أن تؤمّ المرأة جماعة النساء إذا لم ‏يكن أحد أولى منها، والأحوط لزوماً حينئذٍ أن تقوم في وسطهنّ ولا تتقدّم عليهنّ.
مسألة 316: قد ذكر الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) للصلاة على الميّت آداباً:
منها: أن يكون المصلّي على طهارة، ويجوز التيمّم حتّى مع وجدان الماء ولكن في خصوص ما إذا خاف فوت الصلاة إن توضّأ أو اغتسل على الأحوط لزوماً.
ومنها: رفع اليدين عند التكبير .
ومنها: أن يرفع الإمام صوته بالتكبير والأدعية.
ومنها: اختيار المواضع التي يكثر فيها الاجتماع.
ومنها: أن يقف المأموم خلف الإمام، لا إلى جانبه وإن كان واحداً.
ومنها: الاجتهاد في الدعاء للميّت وللمؤمنين.
ومنها: أن يقول قبل الصلاة: الصلاة - ثلاث مرّات -.

الفصل السابع التشييع

يستحبّ إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليشيّعوه، ويستحبّ لهم تشييعه، وقد ورد في فضله أخبار كثيرة، ففي بعضها: (من تبع جنازة أعطي يوم القيامة أربع شفاعات، ولم ‏يقل شيئاً إلّا وقال المَلَك: ولك مثل ذلك)، وفي بعضها: (إنَّ أوّل ما يتحف به المؤمن في قبره أن يُغْفَر لمن تبع جنازته).
وله آداب كثيرة مذكورة في الكتب المبسوطة، مثل: أن يكون المشيّع ماشياً خلف الجنازة، خاشعاً متفكّراً، حاملاً للجنازة على الكتف، قائلاً حين الحمل: بسم الله وبالله وصلّى الله على محمَّد وآل محمَّد، اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.
ويكره الضحك واللعب، واللهو والإسراع في المشي، وأن يقول: ارفقوا به، واستغفروا له، والركوب والمشي قدّام الجنازة، والكلام بغير ذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار، ويكره وضع الرداء من غير صاحب المصيبة فإنّه يستحبّ له ذلك، وأن يمشي حافياً.

 

الفصل الثامن الدفن

يجب دفن الميّت المسلم ومن بحكمه، ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مرّ، وكيفيّة الدفن أن يوارى في حفيرة في الأرض، فلا يجزىٔ البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يُؤْمَن على جسده من السباع وإيذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع، أو مَن تؤذيه رائحته من الناس، أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته، ولكن الأحوط استحباباً أن تكون الحفيرة بنفسها على كيفيّة تمنع من انتشار رائحة الميّت ووصول السباع إلى جسده، ويجب وضعه على الجانب الأيمن موجّهاً وجهه إلى القبلة، وإذا اشتبهت القبلة ولم يمكن تأخير الدفن إلى حين حصول العلم أو ما بحكمه وجب العمل بالاحتمال الأرجح بعد التحرّي بقدر الإمكان، ومع تعذّر تحصيله يسقط وجوب الاستقبال، وإذا كان الميّت في البحر ولم ‏يمكن دفنه في البرّ - ولو بالتأخير - غُسِّل وكُفِّن وحُنِّط وصُلِّي عليه ووضع في خابية وأُحكم رأسها وأُلقي في البحر، أو ثُقِّل بشدِّ حجر أو نحوه برجليه ثُمَّ يُلقى في البحر، والأحوط استحباباً اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان وكذلك الحكم إذا خيف على الميّت من نبش العدوّ قبره وتمثيله.
مسألة 317: لا يجوز دفن المسلم في مقبرة الكافرين، وكذا العكس.
مسألة 318: إذا ماتت الحامل الكافرة ومات في بطنها حملها من مسلم دفنت في مقبرة المسلمين على جانبها الأيسر مستدبرة للقبلة، والأحوط الأولى العمل بهذا وإن كان الجنين لم ‏تلجه الروح.
مسألة 319: لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة والبالوعة، ولا في المكان المملوك بغير إذن المالك، أو الموقوف لغير الدفن - كالمدارس والمساجد والحسينيّات المتعارفة في زماننا والخانات الموقوفة - وإن أذن الوليّ بذلك، هذا إذا كان يضرّ بالوقف أو يزاحم الجهة الموقوف لها، وأمّا في غير هاتين الصورتين فالحكم مبنيّ على الاحتياط اللزوميّ.
مسألة 320: لا يجوز نبش قبر ميِّت لأجل دفن ميّت آخر فيه قبل اندراس الميّت الأوّل وصيرورته تراباً، نعم إذا كان القبر منبوشاً جاز الدفن فيه ما لم‏ يستلزم محرّماً كالتصرّف في ملك الغير بلا مسوّغ.
مسألة 321: ذكر الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه: يستحبّ حفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، وأن يُجعل له لحدٌ ممّا يلي القبلة في الأرض الصلبة بقدر ما يمكن فيه الجلوس، وفي الرخوة يشقّ وسط القبر شبه النهر ويجعل فيه الميّت ويسقّف عليه ثُمَّ يهال عليه التراب، وأن يغطّى القبر بثوب عند إدخال المرأة، والأذكار المخصوصة المذكورة في محالّها عند تناول الميّت، وعند وضعه في اللحد، وما دام مشتغلاً بالتشريج.
والتحفّي وحلّ الأزرار وكشف الرأس للمباشر لذلك، وأن تُحلّ عُقَدُ الكفن بعد الوضع في القبر من طرف الرأس، وأن يُحْسَر عن وجهه ويجعل خدّه على الأرض، ويُعمل له وسادة من تراب، وأن يُوضع شيء من تربة الحسين (علىه السلام) معه، وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمّة (علىهم السلام) وأن يسدّ اللحد باللَّبِن، وأن يخرج المباشر من طرف الرجلين، وأن يهيل الحاضرون - غير ذي الرحم - التراب بظهور الأكُفّ، وطمّ القبر وتربيعه لا مثلّثاً، ولا مخمّساً، ولا غير ذلك.
ورشّ الماء عليه دَوْراً مستقبل القبلة، ويبتدئ من عند الرأس فإن فضل شيء صبّ على وسطه، ووضع الحاضرين أيديهم عليه غمزاً بعد الرشّ - ولا سيّما لمن لم‏ يحضر الصلاة عليه - وإذا كان الميّت هاشميّاً فالأولى أن يكون الوضع على وجه يكون أثر الأصابع أزيد بأن يزيد في غمز اليد، والترحّم عليه بمثل: (اللّهم جافِ الأرض عن جنبيه، وصعِّد روحه إلى أرواح المؤمنين في علّيّين وألحقه بالصالحين)، وأن يلقّنه الوليّ بعد انصراف الناس رافعاً صوته، وأن يُكتب اسم الميّت على القبر أو على لوح أو حجر وينصب على القبر .
مسألة 322: ذكر الفقهاء (رحمهم الله تعالى) أنّه: يكره دفن ميّتين في قبر واحد، ونزول الأب في قبر ولده، وغير المَحْرم في قبر المرأة، وإهالة الرحم التراب، وفرش القبر بالساج من غير حاجة، وتجصيصه وتطيينه وتسنيمه، والمشي عليه والجلوس والاتّكاء، وكذا البناء عليه وتجديده بعد اندراسه إلّا قبور الأنبياء والأوصياء (علىهم السلام) والعلماء والصلحاء.
مسألة 323: يكره نقل الميّت من بلد موته إلى بلد آخر، إلّا المشاهد المشرّفة، والمواضع المحترمة فإنّه يستحبّ، ولا سيّما الغريّ والحائر الحسينيّ، وفي بعض الروايات أنّ من خواصّ الأوّل إسقاط عذاب القبر ومحاسبة منكر ونكير، ولكن إذا استلزم النقل إليها أو إلى غيرها تأخير الدفن إلى حين فساد بدن الميّت ففي جواز التأخير إشكال والأحوط لزوماً تركه.
مسألة 324: لا فرق في جواز النقل - في غير الصورة المذكورة - بين ما قبل الدفن وما بعده إذا اتّفق ظهور جسد الميّت، وفي جواز النبش للنقل إلى المشاهد المشرّفة حتّى مع وصية الميّت به - أي بالنبش - أو إذن الوليّ فيه وعدم استلزامه هتك حرمته إشكال والأحوط لزوماً تركه، نعم إذا أوصى بالنقل إليها ولم ‏يكن موجباً لفساد بدنه ولا لمحذور آخر فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها يجب النبش والنقل ما لم‏ يفسد بدنه ولم‏ يلزم منه محذور آخر .
مسألة 325: يحرم نبش قبر المسلم على نحو يظهر جسده، إلّا مع العلم باندراسه وصيرورته تراباً، من دون فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون، ويستثنى من ذلك موارد:
منها: ما إذا دفن في موضع يوجب مهانة عليه كمزبلة أو بالوعة أو نحوهما، أو في موضع يتخوّف فيه على بدنه من سيل أو سَبُع أو عدوّ .
ومنها: ما إذا عارضه أمر أهمّ أو مساوٍ، كما إذا توقّف إنقاذ حياة مسلم بريء على رؤية جسده.
ومنها: ما إذا دفن معه مال غصبه من غيره - من خاتم ونحوه - فينبش لاستخراجه، ومثل ذلك ما إذا دفن في ملك الغير من دون إذنه أو إجازته إذا لم‏ يلزم من نبش قبره وإخراجه محذور أشدّ - كبقائه بلا دفن أو تقطّع أوصاله بالإخراج أو نحوه - وإلّا لم يجز ، بل جوازه فيما إذا فرض كونه موجباً لهتك حرمته - ولم يكن هو الغاصب - محلّ إشكال، فالأحوط لزوماً للغاصب في مثل ذلك إرضاء المالك بإبقائه في أرضه ولو ببذل عوض زائد إليه.
ومنها: ما إذا دفن بلا غُسل أو بلا تكفين أو بلا تحنيط مع التمكّن منها، أو تبيّن بطلان غُسله أو تكفينه أو تحنيطه، أو لكون دفنه على غير الوجه الشرعيّ، لوضعه في القبر على غير القبلة، أو في مكان أوصى بالدفن في غيره، أو نحو ذلك فيجوز نبشه في هذه الموارد إذا لم ‏يلزم هتك لحرمته، وإلّا ففيه إشكال.
مسألة 326: لا يجوز على الأحوط لزوماً توديع الميّت بوضعه على وجه الأرض والبناء عليه تمهيداً لنقله إلى المشاهد المشرّفة مثلاً، كما لا يجوز على الأحوط لزوماً وضعه في برّاد أو نحوه لفترة طويلة من غير ضرورة تقتضيه.
مسألة 327: لا يكفي في الدفن مجرّد وضع الميّت في سرداب وإغلاق بابه وإن كان مستوراً فيه بتابوت أو شبهه، نعم يكفي إذا كان بابه مبنيّاً باللَّبِن أو نحوه، ولكن الأحوط لزوماً حينئذٍ عدم فتح بابه لإنزال ميّت آخر فيه سواء أظَهَر جسد الأوّل أم لا.
مسألة 328: إذا مات ولد الحامل دونها، فإن أمكن إخراجه صحيحاً وجب وإلّا جاز تقطيعه، ويتحرّى الأرفق فالأرفق، وإن ماتت هي دونه، شقّ بطنها من الجانب الأيسر إذا كان ذلك أوثق ببقاء الطفل وأرفق بحياته، وإلّا فيختار ما هو كذلك، ومع التساوي يتخيّر، ثُمَّ يخاط بطنها وتدفن.
مسألة 329: إذا كان الموجود من الميّت يصدق عليه عرفاً أنّه (بدن الميّت) كما لو كان مقطوع الأطراف (الرأس واليدين والرجلين) كُلّاً أو بعضاً، أو كان الموجود جميع عظامه مجرّدة عن اللحم أو معظمها بشرط أن تكون من ضمنها عظام صدره ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه، وكذا ما يتقدّمها من التغسيل والتحنيط - إن وجد بعض مساجده - والتكفين بالإزار والقميص بل وبالمئزر أيضاً إن وجد بعض ما يجب ستره به.
وإذا كان الموجود من الميّت لا يصدق عليه أنّه بدنه بل بعض بدنه فلو كان هو القسم الفوقانيّ من البدن - أي الصدر وما يوازيه من الظهر - سواء أكان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه وكذا التغسيل والتكفين بالإزار والقميص وبالمئزر إن كان محلّه موجوداً - ولو بعضاً - على الأحوط لزوماً، ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على الأحوط لزوماً، ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على الأحوط لزوماً.
وإذا لم يوجد القسم الفوقانيّ من بدن الميّت كأن وجدت أطرافه كُلّاً أو بعضاً مجرّدة عن اللحم أو معه، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا تجب الصلاة عليه بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه.
وإن وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب لم ‏يجب فيه أيضاً شيء ممّا تقدّم عدا الدفن، والأحوط لزوماً أن يكون ذلك بعد اللّف بخرقة.
مسألة 330: السقط إذا تمّ له أربعة أشهر غُسِّل وحُنِّط وكُفِّن ولم‏ يُصلّ عليه، وإذا كان لدون ذلك لُفَّ بخرقة على الأحوط وجوباً ودفن، لكن لو كان مستوي الخلقة حينئذٍ فالأحوط لزوماً جريان حكم الأربعة أشهر عليه.

 

المقصد السادس غسل مسّ الميّت

يجب الغُسل بمسِّ الميّت الإنساني بعد برده وقبل إتمام غُسْلِه، مسلماً كان أو كافراً، حتّى السقط إذا ولجته الروح وإن ولد ميّتاً، ولو غَسّله الكافر لفقد المماثل أو غُسِّل بالقُراح لفقد الخليط لم يجب الغُسْل بمسّه، ولو يُمِّمَ الميّت للعجز عن تغسيله وجب الغُسل بمسّه.
مسألة 331: لا فرق في المسّ بين كونه برطوبة أو بدونها، ولا في الماسّ والممسوس بين أن يكون من الظاهر والباطن، ولا بين كونهما ممّا تحلّه الحياة وعدمه كالسنّ والظفر، نعم لا عبرة بالشعر سواء أكان ماسّاً أم ممسوساً.
مسألة 332: لا فرق في الماسّ بين العاقل والمجنون والصغير والكبير، كما لا فرق في المسّ بين الاختياريّ والاضطراريّ.
مسألة 333: إذا مسّ الميّت قبل برده لم ‏يجب الغُسل بمسّه، نعم يتنجّس العضو الماسّ بشرط الرطوبة المسرية في أحدهما، وإن كان الأحوط الأولى تطهيره مع الجفاف أيضاً.
مسألة 334: لا يجب الغُسل بمسّ القطعة المبانة من الحيّ أو الميّت، وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً، نعم إذا كان الميّت متشتّت الأجزاء فمسّها جميعاً أو مسّ معظمها وجب عليه الغُسل.
مسألة 335: لا يجب الغُسل بمسّ فضلات الميّت كالعرق والدم ونحوهما.
مسألة 336: يجوز لمن عليه غسل المسّ دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها ممّا لا يجوز للمحدث مسّه، ولا يصحّ منه كلُّ عمل مشروط بالطهارة كالصلاة إلّا بالغُسل، والأحوط الأولى ضمّ الوضوء إليه إذا كان محدثاً بالأصغر .

 

المقصد السابع الأغسال المندوبة

زمانيّة، ومكانيّة، وفعليّة
الأوّل: الأغسال الزمانيّة، ولها أفراد كثيرة:
منها: غسل الجمعة، وهو أهمّها ووقته من طلوع الفجر الثاني يوم الجمعة إلى الغروب، والأفضل الإتيان به قبل الزوال ولو أتى به بعده فالأحوط استحباباً أن ينوي القربة المطلقة من دون قصد الأداء والقضاء، وإذا فاته إلى الغروب قضاه لىلة السبت أو نهاره إلى الغروب، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إن خاف إعواز الماء يوم الجمعة، ولو اتّفق تمكّنه منه يوم الجمعة أعاده فيه، وإذا فاته حينئذٍ قضاه يوم السبت.
مسألة 337: يصحّ غسل الجمعة من الجنب ويجزئ عن غسل الجنابة، وكذا يصحّ من الحائض إذا كان بعد النقاء ويجزئ حينئذٍ عن غسل الحيض، وأمّا قبل النقاء فلا يصحّ على الأحوط لزوماً، ولا بأس بالإتيان به رجاءً.
ومنها: غسل يومي العيدين، ووقته من الفجر إلى غروب الشمس، والأولى الإتيان به قبل صلاة العيد.
ومنها: غسل يوم عرفة، والأولى الإتيان به قبيل الظهر .
ومنها: غسل يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجّة.
ومنها: غسل الليلة الأُولى والسابعة عشرة والرابعة والعشرين من شهر رمضان وليالي القدر .
مسألة 338: جميع الأغسال الزمانيّة يكفي الإتيان بها في وقتها مرّة واحدة، ولا حاجة إلى إعادتها إذا صدر الحدث الأكبر أو الأصغر بعدها، ويتخيّر في الإتيان بها بين ساعات وقتها.
والثاني: الأغسال المكانيّة، ولها أيضاً أفراد كثيرة، كالغُسل لدخول الحرم المكّيّ، ولدخول مكّة، ولدخول الكعبة، ولدخول حرم المدينة المنوّرة وللدخول فيها.
مسألة 339: وقت الغُسل في هذا القسم قبل الدخول في هذه الأمكنة قريباً منه ويجزىٔ الغُسل أوّل النهار أو أوّل الليل للدخول إلى آخره إلّا إذا أحدث بينهما، ولا يبعد تداخل الأغسال الثلاثة الأُول مع نيّة الدخول في الأماكن الثلاثة بشرط عدم تخلّل الناقض، وكذا الحال في الأخيرين.
والثالث: الأغسال الفعليّة وهي قسمان:
القسم الأوّل: ما يستحبّ لأجل إيقاع فعل كالغسل للإحرام، ولزيارة البيت، وللذبح والنحر، وللحلق، ولصلاة الاستخارة، ولصلاة الاستسقاء، وللمباهلة مع الخصم، ولوداع قبر النبيّ (صلّى الله علىه وآله).
والقسم الثاني: ما يستحبّ بعد وقوع فعل منه كالغسل لمسّ الميّت بعد تغسيله.
مسألة 340: يجزئ في القسم الأوّل من هذا النوع غُسل أوّل النهار ليومه، وأوّل الليل لليلته، والظاهر انتقاضه بالحدث بينه وبين الفعل.
مسألة 341: هذه الأغسال قد ثبت استحبابها بدليل معتبر وهي تغني عن الوضوء، وهناك أغسال أُخر ذكرها الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) في الأغسال المستحبّة، ولكنّه لم ‏يثبت عندنا استحبابها ولا بأس بالإتيان بها رجاءً، وهي كثيرة نذكر جملة منها:
1. الغُسل في الليالي الفرد من شهر رمضان المبارك وجميع ليالي العشر الأخيرة منه وأوّل يوم منه.
2. غُسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قبيل الفجر .
3. الغُسل في يوم الغدير وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام، وفي اليوم الرابع والعشرين منه.
4. الغُسل يوم النيروز وأوّل رجب وآخره ونصفه، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.
5. الغُسل في يوم النصف من شعبان.
6. الغُسل في اليوم التاسع والسابع عشر من ربيع الأوّل.
7. الغُسل في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.
8. الغُسل لزيارة كلّ معصوم من قريب أو بعيد.
9. الغُسل في ليلة عيد الفطر بعد غروب الشمس.
وهذه الأغسال لا يغني شيء منها عن الوضوء.