من أعظم الأدب مع الأنبياء وأوصيائهم(عليهم السلام) هو السير على طريقهم وتعظيمهم، وإحياء آثارهم، وزيارة قبورهم، فهم المقربون من الخالق العظيم وهم أكثر الناس التزاماً بطاعة الله عز وجل.
وأعظمهم شأنا وقرباً لله عزّ وجلّ النبي محمد(صلّى الله عليه وآله) ووصيه أمير المؤمنين(عليه السلام)، فهم أصل الخير والنعمة، وهما أبَوَا هذه الأمة، كما جاء في الحديث الشريف عنه(صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (أنا وعلي أبَوَا هذه الأمة)[1].
فكل خير يحصل عليه الناس فهم سببه ومعهم أيضا السيدة الزهراء(عليها السلام)، سيدة نساء العالمين وابناها الحسن والحسين(عليهما السلام) سيدا شباب أهل الجنة وذرية الإمام الحسين من الأئمة المعصومين(عليهم السلام)، ومن الأدب معهم الموارد الآتية:
1. احترامهم أمواتاً كما لو كانوا أحياء، فيُكرمهم ويعظمهم حين يذكرهم، وحين يزور قبورهم، فهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم يسمعون الكلام ويرون الزائر لهم.
2. تكريم، وتعظيم، واحترام ذرية محمد(صلّى الله عليه وآله) من علي وفاطمة(عليهما السلام) فإن تكريمهم تكريم للنبي(صلّى الله عليه وآله)، وكذلك للإمام علي(عليه السلام)، وللسيدة الزهراء(عليها السلام)، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (إن رحم الأئمة(عليهم السلام) من آل محمد(صلّى الله عليه وآله)
لَيَتعلّق بالعرش يوم القيامة، وتتعلق بها أرحام المؤمنين يقول: يا رب صِلْ مَن وَصَلنَا، واقطع مَن قَطَعَنا، قال: فيقول الله تبارك وتعالى: أنا الرحمن وأنت الرحم، شققتُ اسمكِ من اسمي، فمَن وصلكِ وصلتُه ومَن قطعكِ قطعتُه، ولذلك قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): الرحم شجنة من الله عز وجل)[2].
قال الجزري: الرحم شجنة، أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، وأصل الشجنة بالضم والكسر: شعبة من غصن من غصون الشجرة[3].
3. لا بد أن نعلم أن الإمامة أصل من أصول الدين، وهي امتداد لخط النبوة، لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، ويجب النظر فيها (أي: التفكر بما يوجب الاعتقاد بها)، كما يجب النظر في التوحيد والنبوة، وهي كالنبوة من حيث إنها لطف من الله تعالى، فلا بد أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبي(صلّى الله عليه وآله) في وظائفه، في هداية البشر، وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين، وهي لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان النبي(صلّى الله عليه وآله)، أو لسان الإمام الذي سبق، قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾[4].
وفي حديث لمولانا الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) حيث يقول فيه: (إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله، وخلافة الرسول(صلّى الله عليه وآله) ومقام أمير المؤمنين(عليه السلام)، وميراث الحسن والحسين(عليهما السلام)، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين، إن الإمامة أُسُّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.
الإمام يُحلُّ حلال الله، ويُحرِّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبُّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة، المجللة بنورها للعالم، وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والابصار.
الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى[5]، وأجواز[6] البلدان والقفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الظماء، والدال على الهدى، والمنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع[7]، الحار[8] لمن اصطلى به، ، والدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل[9]، الشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة.
الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والأم البرَّة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد[10]، الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله، الإمام المُطَهَّر من الذنوب والمُبرأَّ عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين)[11].
فكان من الواجب على العبد بعد معرفة الله عزّ وجلّ وصفاته، ومعرفة نبيه(صلّى الله عليه وآله) وأخلاقه، أن يعرف إمام زمانه، وصفاته وأخلاقه المختصة به، بأن يعلم مقامه ومرتبته عند الله، ويعرف شخصه من بين الخلق، حتى يتبعه، ويقتفي أثره، ويطيعه في أوامره ونواهيه، ويصير من شيعته.
والواقف على أخلاق الأئمة الأطهار عليهم أفضل الصلاة والسلام يعرف السر وراء تعلق الناس بهم جيلا بعد جيل، لأن الأخلاق الإلهية المرضية تجلت في شخوصهم بأجلى صورها، وأحمد حالاتها، وظهرت منهم بأطيب معانيها، وأدق مطلوباتها ومقتضياتها.. ولأن الأخلاق إحسان للآخرين، وبيان للحق والخير والفضيلة، والنفس مجبولة على حب ذلك وبغض خلافه، قال الإمام الصادق(عليه السلام): (طُبِعَت القلوب على حب مَن أحسن إليها، وبغض من أساء إليها)[12].
ومَنْ أنفَعُ للخلق مِنَ النبي وآله (صلوات الله عليه وعليهم)؟! وهم الهداة أبواب الإيمان، وساسة العباد، ومصابيح الدجى، وكهف الورى، والدعاة إلى الله، والأدلاء على مرضاة الله، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله) في ظل الآية الشريفة:
(﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾، أفضل والديكم وأحقهما لشكركم محمد وعلي)[13].
وقال(صلّى الله عليه وآله): (يا علي انا وأنت أبَوَا هذه الأمة، ولَحَقُّنا عليهم أعظمُ مِنْ حَقِّ أَبَوَي ولاِدَتِهم، فإنا نُنْقِذُهم إن أطاعونا من النار إلى دار القرار، ونُلحِقهم من العبودية بخيار الأحرار)[14].
وعنه(صلّى الله عليه وآله): (بي أُنذِرتُم وبعلي بن أبي طالب اهتديتم، وقرأ: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، وبالحسن أُعطيتم الإحسان، وبالحسين تُسعدون وبه تشبثون، ألا وإن الحسين باب من أبواب الجنة، من عانده حرَّم الله عليه ريح الجنة)[15].
وقالت فاطمة الزهراء(عليها السلام): (أبَوَا هذه الأمة محمد وعلي، يقيمان أَوْدَهم وينقذانهم من العذاب الدائم إن أطاعوهما، ويبيحانهم النعيم الدائم إن وافقوهما)[16].
وقال الإمام الحسن(عليه السلام): (محمد وعلي أبَوَا هذه الأمة، فطوبى لمن كان بحقهما عارفاً، ولهما في كل أحواله مطيعاً، يجعله الله من أفضل سكان جنانه، ويسعده بكراماته ورضوانه)[17].
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): (إن كان الأبَوَان إنما عظم حقهما على أولادهما لإحسانهما إليهم، فإحسان محمد وعلي(عليهما السلام) إلى هذه الأمة أجل وأعظم، فهما بأن يكونا أبويهم أحق)[18].
4. عند زيارة قبور المعصومين والأنبياء(عليهم السلام) وحتى المعظّمين المكرّمين ممن يرتبط بهم من أولياء الله هناك آداب يستحب أن يعملها المسلم احتراما لهم فهم أحياء عند ربهم يرزقون، منها:
- الذهاب إلى مراقدهم المشرفة بكل احترام، وسكينة، ووقار، مع ذكر الله دائما وفي كل الأحوال والصلاة على النبي وآله.
- لبس الملابس الطاهرة النظيفة.
- زيارتهم(عليهم السلام) بكلمات تبيّن عظيم شأنهم، ومكانتهم عند الله عز وجل، وأفضل الكلمات ما ورد عنهم(عليهم السلام) في زيارتهم.
- طلب الحاجات من الله عزّ وجلّ عند قبورهم المكرمة.
- قضاء الوقت عند قبورهم بتلاوة القرآن، والدعاء، والصلاة.
- الإيمان الكامل بأنهم سلام الله عليهم يشفعون للناس عند الله
عز وجل، قال النبي الأكرم(صلّى الله عليه وآله): (الشفعاء خمسة: القرآن والرحم والأمانة ونبيكم وأهل بيت نبيكم)[19].
[1] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج2، ص300.
[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج23، ص265.
[3] النهاية والنهاية، ابن كثير: ج2، ص447.
[4] سورة الرعد: آية7.
[5] الغيهب: الظلمة وشدة السواد.
[6] وأجواز: جمع الجوز وهو من كل شيء وسطه.
[7] اليفاع: ما ارتفع من الأرض.
[8] لعله كناية عن احتراق من يريد السوء به أو العداء له.
[9] الهاطل: المطر المتتابع المتفرق العظيم القطر.
[10] الداهية: الأمر العظيم والنآد: كسحاب بمعناها.
[11] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص200.
[12] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج16، ص184.
[13] تفسير الإمام العسكري(عليه السلام)، المنسوب إلى الإمام العسكري(عليه السلام): ص330.
[14] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج2، ص300.
[15] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج35، ص405.
[16] تفسير الإمام العسكري(عليه السلام)، المنسوب إلى الإمام العسكري(عليه السلام): ص330.
[17] المصدر السابق.
[18] المصدر السابق.
[19] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج2، ص14.