الزهراء (عليها السلام) وشخصنة مطالبها

قد يَتوهّم المتوهّم من أتباع المدارس الأُخرى أنّ أشخاص أهل البيت (عليهم السلام) هم أفراد وأشخاص كباقي عامة الناس، همومهم واندفاعهم وتحرّكهم وسكوتهم شخصي، لا علاقة له بالمصالح العليا للإسلام والمسلمين، ويتجلّى ذلك في قضية الزهراء (عليها السلام) في مطالبتها بحقوقها من السلطة الحاكمة آنذاك، فحاول أبو بكر ومَن في طاقمه الحكومي الجديد المشكَّل بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصوّر للصحابة والمسلمين أنّ مطالبة الزهراء (عليها السلام) بحقوقها ما هي إلّا قضية مفتعلة لا أساس لها! وأنّها قضية شخصية حالها حال كلّ امرأة سُلبت منها حقوقها، فأرادت أن تستعيد تلك الحقوق بإحضار الشهود، أو تأجيج الرأي العام على السلطة، أو ما شابه ذلك، إلّا أنّ ذلك تحجيم لمقامات مولاتنا فاطمة الزهراء(عليها السلام) الذي حباها الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) بها، تلك المقام التي نطقت بها ألسن المدارس الأُخرى ودوّنتها صحاحهم وأسفارهم، فمن تلك المقامات هو مقام العصمة والطهارة، والذي نزل به الكتاب العزيز: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[1]، ونص عليها النبي(صلى الله عليه وآله) بقوله: «إنَّ اللهَ يَغْضِبُ لِغَضَبِكِ، وَيَرْضَي لِرَضَاكِ»[2]، وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي التي كان أبوها(صلى الله عليه وآله) إذا اشتاق إلى الجنة شمّ رقبتها، وهي التي يغضُّ العالمَون أبصارهم عندما تتخطاهم فاطمة(عليها السلام) يوم المحشر، وهي التي زوّجها الله تعالى من أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهي التي لا ترى ما تراه النساء، وهي بهجة النبي (صلى الله عليه وآله) وروحه التي بين جنبيه، وهي المرأة الإلهية بحركاتها وسكناتها وعباداتها ومطالبها وحياتها ومماتها، فهل الزهراء(عليها السلام)بتلك المقامات، وبتلك العصمة، وبتلك الدرجة العالية السامية، والنفس الراضية المطمئنة، تعيش الآفاق الضيقة في مطالبها؟! وهل يحسن بالمسلمين بعد كلّ هذه المقامات والصفات الإلهية التي حباها الله بها أن يسيئوا الظنّ بها وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يورّث بحسب ادّعاء السلطة الحاكمة؟! وهل مطالبتها (عليها السلام) وإحضار شهودها أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسنين (عليهما السلام) كان بلا حق؟! حاشا للطاهرة المعصومة أن تدّعي ما ليس لها، أو تخلق مواجهة مع السلطة على أمر شخصي ليس للدين أو للمسلمين فيه مصلحة وفائدة.

مجلة اليقين العدد (69)

 


[1] الأحزاب: آية 33.

[2] مستدرك الصحيحين، النيسابوري: ج٣، ص١٥٣.