الصبر: ثبات ومقاومة

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[1].

الآيات السابقة على هذه الآية عرضت مفاهيم التعليم والتربية والذكر والشكر، كما جاء في قوله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ)[2]، وهي مفاهيم ذات معنى واسع جدا، وتتضمن أغلب التعاليم الدينية، وفي هذه الآية دار الحديث حول الصبر الذي لا تتحقق المفاهيم السابقة بدونه.
فهي تدعو المؤمنين إلى مواجهة المشاكل والصعاب بهاتين القوتين، وهما الصبر والصلاة.

 الصبر لا يعني تحمّل الشقاء وقبول الذلة والاستسلام للعوامل الخارجية - خلافا لما يتصور بعض الناس -، بل الصبر يعني المقاومة والثبات أمام جميع المشاكل والحوادث.

لذلك قال علماء الأخلاق: إن الصبر على ثلاث شعب:

الصبر على الطاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة.

الصبر على المعصية: أي الثبات أمام دوافع الشهوات العادية وارتكاب المعصية، حيث ذكرت الروايات الإسلامية أن أسمى مراحل الصبر وضبط النفس تتجلى في مقاومة الإنسان عند توفر وسائل المعاصي والذنوب.

الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث المرّة وعدم الانهيار وترك الجَزَع والفزع، جاء في الحديث المعروف الذي رواه الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا نُشِرت الدواوين ونُصِبت الموازين لم يُنصَب لأهل البلاء ميزان، ولم يُنشَر لهم ديوان) ثم تلا هذه الآية: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[3])[4].

وعن أبي حمزة الثمالي قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل أجر ألف شهيد)[5].

 وقد أكثر الله سبحانه من مدحه في كتابه العزيز، وبشّر الصّابرين وذَكَرَهم في آيات تنيف على السبعين آية، كقوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[6]، وعبارة (بغير حساب) تبيّن أن للصابرين أفضل الأجر والثواب عند الله، ولا يوجد عمل آخر يبلغ ثوابه حجم ثواب الصبر والاستقامة.

 وفي موضع آخر يقول سبحانه: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْه ِ راجِعُونَ)[7]، وأيضا يقول تعالى: * (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا)[8]، وقال عز من قائل: (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)[9]، إلى غير ذلك مما لا نطيل بذكره.
 ومن خصائص الصبر أن بقية الفضائل لا يكون لها قيمة بدونه، لأن السند في جميعها هو الصبر، لذلك يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه ولا في إيمان لا صبر معه)[10].

 وتاريخ العظماء يؤكّد أن أحد عوامل انتصارهم، بل أهمها: صبرهم واستقامتهم، والأفراد الفاقدون لهذه الصفة سرعان ما ينهزمون وينهارون، ويمكن القول: إن دور هذا العامل في تقدم الأفراد والمجتمعات يفوق دور الإمكانات والكفاءات والذكاء ونظائرها.

 والموضوع الآخر الذي أكّدت عليه الآية أعلاه باعتباره السند الهام إلى جانب الصبر هو: الصلاة، وروي أن عليّا (عليه السلام) كان إذا أهاله أمرٌ فَزِعٌ قام إلى الصلاة ثم تلا هذه الآية: (واستعينوا بالصبر والصلاة..)[11].
ولا عجب في ذلك، فالإنسان حين يرى نفسه أمام عواصف المشاكل المضنية، ويحس بضعفه في مواجهتها، يحتاج إلى سند قوي لا متناه يعتمد عليه، والصلاة تُحقق الارتباط بهذا السند، وتخلق الطمأنينة الروحية اللازمة لمواجهة التحديات.

فالآية أعلاه تطرح مبدأين هامين: الأول الاعتماد على الله، ومظهره الصلاة، والآخر الاعتماد على النفس، وهو الذي عبّرت عنه الآية بالصبر[12].

أسماء الصبر:

 إن الصبر تختلف أساميه باختلاف موارده، ومن أسمائه:

1- عفة: إن كان صبراً عن شهوة الفرج والبطن.

2- صبر: إن كان الصبر في مصيبة اقتصر على اسم الصبر، وتضادّه حالة تسمى الجزع.

3- ضبط النفس: إن كان الصبر في احتمال الغنى، ويضادّه البطر.

4- شجاعة: إن كان الصبر في حرب ومقاتلة، ويضادّه الجبن.

5- حلماً: إن كان الصبر في كظم الغيظ والغضب، ويضادّه التذمّر والسفه.

6- سعة الصّدر: إن كان الصبر في نائبة من نوائب الزّمان، ويضادّه الضجر وضيق الصّدر.

7- كتمان السرّ: إن كان الصبر في إخفاء كلام.

8- زهد: إن كان الصبر عن فضول العيش، ويضادّه الحرص.

9- قناعة: إن كان الصبر على قدر يسير من الحظوظ، ويضادّه الشّره.

اللهمّ اجعلنا صابرين على بلائك، راضين بقضائك، شاكرين على نعمائك، متمسّكين بالعروة الوثقى والحبل المتين من ولاية أوليائك محمّد وعترته الطَّاهرين صلواتك عليهم أجمعين[13].

مجلة بيوت المتقين العدد (41)

 


[1] الأحزاب: 70.

[2] البقرة: 151-152.

[3] الزمر: 10.

[4] بحار الأنوار، المجلسي: ج79، ص145.

[5] الكافي، الكليني: ج2، ص92.

[6] الزمر: 10.

[7] البقرة: 157.

[8] السجدة: 24.

[9] الإنسان: 12.

[10] نهج البلاغة، الكلمات القصار: رقم 82.

[11] الميزان، ج 1، ص 154.

[12] الأمثل: ج1، ص431-436.

[13] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: ج10، ص164-170.