إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأحياء الذين هم عند ربهم يرزقون، وهو مطّلع بإذن الله تعالى على ما يمرّ على خير الأمم من أسى وظلم، ويشهد على تحريف المشركين المنافقين لتعاليم خاتم الأديان، وانحراف سلاطين الجور بالشريعة الإلهية عن معدنها الأصيل، وأن ما يشهده (صلى الله عليه وآله) وهو في جوار ربه لا بد أن يكون جارحا لنفسه، مؤلما لقلبه، وهو يرقب عن كثب ما يمر على أمته ودينه..
ومن بين كل هذه المآسي والآلام، ما كان أشدها وقعا على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصيبته في أهل بيته (عليهم السلام)، الذين لم يدّخر جهدا في بيان فضلهم وكرامتهم على الله سبحانه وتعالى، حتى قال (صلى الله عليه وآله) مناشدا المسلمين في آخر ساعاته: (أوصيكم بأهل بيتي خيرا)[1].
وقال (صلى الله عليه وآله): (الله الله في أهل بيتي)[2].
وما أن اغمض عينيه (صلى الله عليه وآله) وقبل أن يدفن حتى عقد ذلك الاجتماع المشؤوم في سقيفة بني ساعدة - لاختيار الخليفة- ذلك الاجتماع الذي كان أساساً لكل ظلامة مرت على أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم، والذي لا زال المسلمون يدفعون الثمن غالياً نتيجة لذلك الاجتماع المقيت، وما نصب ظالم على وجه المعمورة إلا كان نتاجاً لذلك الاجتماع.
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مشغولاً بتجهيز النبي ومواراته (صلى الله عليه وآله) وما أن انتهى من دفنه (صلى الله عليه وآله) حتى هجموا على دار بضعة رسول الله ابنته فاطمة (عليها السلام) فعصروها بين الحائط والباب حتى كسر ضلعها وأسقطوا جنينها (المحسن) وأخذوا أمير المؤمنين (عليه السلام) مكبّلا للبيعة.
إنه لو لم يكن لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خصوصية من بين سائر خلق الله سبحانه، ولو لم يوجب الله على المسلمين مودة ذوي القربى أجرا على رسالته، لكان حري بالناس أن يَفوا له بجزء من فضل النبي (صلى الله عليه وآله) عليهم، وذلك حينما يخلفوه في أهل بيته (عليهم السلام) بأحسن الخَلَف..