المَعْصُومُ وَالذُّنُوب
قامت الأدلة العقلية على ضرورة وجود إمام يحفظ الشريعة ويبلغ الدين إلى أهله بعد رحيل النَّبي (صلى الله عليه وآله)، وإن من مقتضيات الإمامة الحافظة للشريعة هي العصمة عن كل نقص يؤثر على الدَّور والمهام والمسؤوليات.
من هنا فإنه وجب علينا أن نقوم بتأويل كل ما ورد عن لسان المعصوم من الاعتراف بالخطايا والذنوب، فكل ما ورد عن المعصومين (عليهم السلام) في كتب الأدعية من صور اعترافهم بأنهم يتحدثون عن ذنوبهم، ويعترفون بتقصيرهم، ويطلبون المغفرة من الله عزّ وجلّ، فهو بمعنى آخر وليس هو المعنى المتبادر من الذنوب والخطايا، وعلى هذا الأساس يكون كلامنا في مقامين:
المقام الأول: هل المعصومون يذنبون أم لا؟
المقام الثاني: وإذا كانوا لا يذنبون فما معنى كلامهم (عليهم السلام): (اللّهُمّ إنّي ظَلَمتُ نَفسي فَاغفِر لي وَارحَمني إنَّهُ لايَغفِرُ الذُّنوبَ إلاّ أنتَ)[1]، وغيره من الكلام الوارد عنهم في الأدعية.
أما المقام الأول: فالأدلة تنفي وقوع الخطايا والذنوب من المعصومين (عليهم السلام)، فقد جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (الإِمامُ: المُطَهَّرُ مِنَ الذُّنوبِ، وَالمُبَرَّأُ عَنِ العُيوبِ، المَخصوصُ بِالعِلمِ، المَوسومُ بِالحِلمِ، نِظامُ الدّينِ)[2].
وعن حسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحکم: ما معنى قولكم: إن الإمام لا يکون إلا معصوماً؟ قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال: (المَعصومُ هُوَ المُمتَنِعُ بِالله ِ مِن جَميعِ مَحارِمِ اللهِ، وقالَ الله ُ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿... وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾)[3].
وعن الصادق (عليه السلام) قال: (الأنبياء وأوصياؤهم لا ذنوب لهم، لأنهم معصومون مطهّرون)[4].
وعن الباقر (عليه السلام) في جواب عن سؤال سأله جابر: (قرن الله عزوجل طاعتهم بطاعته فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...﴾[5]، وهم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون، وهم المؤيدون الموفّقون المسدّدون)[6].
إذن: لا يبقى بعد إثبات عصمة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في ضوء الأدلة المتقدّمة سوى تأويل عباراتهم في الأدعية من خلال ما يلي:
أولاً: إن الأئمة (عليهم السلام) يعيشون حالة من الشهود الکامل؛ فهم قد وقفوا على قدرة الله وعظمته، کما أنهم يشعرون بفقرهم الذاتي في کلِّ شيء، وأنهم يُشعرون أنفسهم بالتقصير أمام نِعَمِ الله عزوجل، فمهما عبدوا الله سبحانه ومهما تضرعوا إليه فإنهم يشعرون أن له عليهم حقاً.
ثانياً: إن الأئمة (عليهم السلام) يسيرون في طريق الکمال، ومدارج التکامل، فکلّما ارتقوا درجة اشتدت نصاعة نفوسهم، فيشعرون بتقصيرهم، ولا يرضون على عباداتهم وطاعاتهم فيما مضى، لأنّها في نظرهم لا تليق بشأنه تعالى، فهم في حياء من الله وشعور بالذنب يدفعهم إلى طلب المغفرة.
ثالثاً: إن الأئمة (عليهم السلام)جعلوا من الدعاء وسيلة لإرشاد الأُمّة خاصّة في الفترات الحرجة، حيث سيوف الجلّادين تکاد تهوي على أعناقهم وأعناق شيعتهم، فکانوا (عليهم السلام)بدعائهم ينشرون عقائد ومعارف الإسلام، ويرشدون المسلمين إلى جادّة الصواب وهذا ما نراه جليّا ً في تراث إمامنا زين العابدين (عليه السلام).
والأئمة المعصومون (عليهم السلام)هم معلمو الإنسانية، فکانوا يهدفون من دعائهم تعليم الناس أدب الدعاء ولغة التضرّع إلى بارئ الإنسان وواهب الحياة، ومن يقرأ أدعية المعصومين (عليهم السلام) يجدها قريبة إلى النفس، مؤثرة في القلب؛ لأنها تنبع من طبيعة الإنسان المحتاج الفقير الغافل الذي يخاف سوء العاقبة ويرجو رحمة ربّه.
إذاً من المناسب ألا يهمل الإنسان تفكيره، ويطلق العنان لتصوراته بحيث يتأثر ويصدق كل ما يخطر إلى ذهنه من المسائل، خصوصاً تلك المرتبطة بالجانب العقائدي، بل يميل مع الدليل والبرهان، ويرجع إلى إرشادات العقل والنقل، ولا يتجّه وجهةً إلا عن حجّة وبيان.